أنا ضد إسرائيل.. هذا كل ما أملك!

لست سياسيا يخاف على منصبه؛
أو دبلوماسيا يناور من أجل مصلحة دولته؛
ولا محللا ينمق كلامه رغبة في ظهور إعلامي دائم؛
أنا مجرد إنسان يرى القتل ويشعر بالخجل إن صمت.
أنا لا أملك شيئًا.
لا سلاحًا، لا مالًا، لا نفوذًا، لا منصة.
لكني أملك هذه الكلمة:
أنا ضد إسرائيل.
وضد كل ما تمثله من عنف، من احتلال، من عنصرية، من نفيٍ كامل لحق الإنسان في الحياة.
أقولها رغم علمي أنها صارت كلمة مكلفة.
صار لها ثمن، وصار لها تبعات.
لكنها الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن أفرّط فيه، لأثبت لنفسي أني ما زلت على قيد الإنسانية.
ماقامت وتقوم به إسرائيل في فلسطين، ليس نزاعًا، ولا “دفاعًا عن النفس”.
هو احتلال مدجج بكل أدوات الإبادة.
هو مشروع دموي متكامل، يستهدف البشر، والحجر، والذاكرة.
هو آلة تهجير وقضم وتطهير.
ومع ذلك يُطلب منا أن نفهم “تعقيدات المشهد”، وأن نقف في المنتصف،
أن نبحث عن “التوازن” بين القاتل والقتيل، بين الجلاد والضحية.
لكن لا حياد في هذه المعادلة.
لا توازن بين من يمتلك طائرات إف-35، وبين من يُدفن تحت أنقاض منزله.
ولهذا أرفض أن أكون محايدًا.
أنا ضد إسرائيل، لأن الوقوف ضدها أصبح آخر أشكال مقاومة التخديرز الأخلاقي.
وأبسط أشكال الوفاء لفكرة العدل، حتى لو أصبحت هذه الفكرة مثار سخرية في القنوات الكبرى.
أنا مع الفلسطيني لا لأنني أؤمن بقداسته، بل لأنني أؤمن بمظلوميته.
أنا معه وهو يقاوم.
ومعه حين ينهار.
معه في شجاعته.
ومعه في ضعفه.
أنا معه لأنه يُقتل، ويُحاصر، ويُجرد من كل شيء، ويُطلب منه أن يظل مثاليًا في موته.
لا أحد منا اختبر ما اختبره الفلسطيني، ولا أحد يملك الحق في مواعظ أخلاقية تجاهه.
من لا يرى بشاعة الاحتلال لا يحق له محاسبة رد الفعل.
ومن يخشى أن يُحسب في صفّه، فلينسحب من حديث الكرامة برمّته.
أنا مغربي.
وأحب بلدي، وأريد له الأمن والاستقرار.
لكن لا أرى أي تناقض بين حبي لوطني، ورفضي لإسرائيل.
بل العكس تمامًا: أن تكون مغربيًا بحق، معناه أن تكون ضد الظلم،
معناه أن تقف مع القضايا العادلة، لا أن تبرر للجلادين باسم “المصلحة العليا”.
أي وطنية هذه التي تُستعمل كذريعة للصمت؟
وأي سيادة تلك التي تُبنى على تأييد دولة عنصرية؟
أنا مغربي حتى النخاع.
لكنني لن أكون أبدًا مدافعًا عن مجرم، ولا شريكًا في تزكية جريمة.
لا باسم الجغرافيا، ولا باسم الخبز، ولا باسم الحياة.
أنا لا شيء.
أنا واحد من ملايين لا يملكون نفوذًا، ولا قرارًا، ولا منصبًا.
لكن ما أملكه لا يزال يؤرقهم: الصوت.
الرفض.
الموقف.
الكلمة.
أن أقول: أنا ضد إسرائيل.
وهذا ما يخيفهم:
أن تبقى لنا هذه “الضدّ”.
أن نحافظ على هذا الحد الأدنى من الكرامة،
أن نرفض أن نُقتل مرتين: مرة تحت القصف، ومرة بالصمت عليه.
يريدون منا أن نصمت وهي تقتل.
أن نبرر لها كل عدوان.
أن نصفق لها وهي تبيد شعبًا كاملًا.
يريدون منا أن نخضع لإعلامها، لروايتها، لسرديتها المُهيمنة.
لكن، حتى لو لم نملك القوة، نملك الذاكرة.
نملك الضمير.
نملك هذا الموقف،
وهذا أضعف الإيمان، وأقواه.
أنا ضد إسرائيل.
وفي كل مرة أحاول أن أشرح لماذا، أكتشف أنني أشرح شيئًا بديهيًا.
لكننا في زمن اختلال المعايير، صار البديهي يحتاج إلى شجاعة.
هذا أقل ما أملكه لأكون إنسانًا
أنا لستُ دولة.
ولا شركة علاقات عامة.
ولا مؤسسة مالية.
أنا مجرد إنسان يرى جريمة تتكرر منذ أكثر من سبعة عقود.
ويرى الضحية نفسها تُتهم بالإرهاب.
ولذلك، لا أملك إلا أن أقول:
أنا ضد إسرائيل.
وهذه الكلمة، برغم بساطتها، أصبحت عندهم جريمة.