story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
ثقافة |

أمريكا ترامب والشرق الأوسط بين التبعية والاستشراق

ص ص

بقدر تطور أساليب الدراسة والمناهج المستخدمة عادت المواضيع التقليدية لتفرض نفسها من جديد من قبيل الإسلام والنزعة الإسلامية، ما سجل عودة قوية إلى الأدبيات التقليدية القديمة التي تعمقت في قضايا الإسلام.

وتكمن قوة طرح لقمان في اعتمادها على كم هائل من الشواهد التاريخية والمستندات العلمية التي يرصد من خلالها تجلي نمو وتبلور التصور الأمريكي والغربي عامة، للشرق الأوسط، انطلاقا من فحص دقيق لهذه المادة المتنوعة و الثرية.

قراءة في كتاب زكاري لقمان “تاريخ الاستشراق وسياساته، الصراع على تفسير الشرق الأوسط”:

يقدم كتاب زكاري لقمان رؤية شاملة للتصورات الغربية حول منطقة الشرق الأوسط اعتمادا على تشريح تاريخي للاستشراق وأدواته المنهجية، مع تسليط الضوء على السياسة الأمريكية في المنطقة ومبادئها الأيديولوجية وبواعثها الاقتصادية والنماذج النظرية التي تصنع القرار الأمريكي في الشرق الأوسط.

فبينما يرى خبراء نظرية التبعية أن البلدان المتخلفة في الشرق الأوسط الخاضعة لعلاقات اقتصادية غير متوازنة مع البلدان الصناعية الثرية سوف تحقق “تنمية تابعة” في أفضل الأحوال، وفي أسوأها قد تزداد فقرا نسبيا أو حتى بشكل مطلق، تحاول نظرية التحديث الليبرالية تبرير الهيمنة الاقتصادية للغرب على الشرق الأوسط استنادا الى منطق الشراكة، واستمرار المصالح المتبادلة اقتصاديا وسياسيا.

هنا يأتي دور الجامعات والمعاهد الأمريكية التي طورت مجال دراسات الشرق الأوسط كحقل أكاديمي منظم في الولايات المتحدة موضوعه تكوين صناع السياسة والجيش الأمريكي حول قضايا وثقافة الشرق الأوسط وتاريخه، وصياغة التصورات المناسبة لدعم هذه الشراكة واستدامتها.

وبالرغم من البدائل النظرية والتطبيقية التي يقدمها أنصار نظرية التبعية، ظلت السياسة الاستشراقية الأمريكية تعتمد على بناء التصورات الاستشراقية الثقافية الخاصة من منظور ليبرالي خاص، حيث اعتمد مبدأ نيكسون في الشرق الأوسط على السعودية كدعامة أساسية لما لها من سيولة مالية هائلة وما لها من شرعية إسلامية تستطيع من خلالها أن تبسط هيمنتها على الشرق الأوسط، لكن هذه الدعامة لا تلغي أهمية الرهان غير المعلن على إسرائيل كقوة عسكرية فرضت وجودها بعد سنة 1967.

وقد تكرس هذا الاتجاه من خلال مشروع بحوث ومعلومات الشرق الأوسط (ميريب MERIP) الذي اعتمد بشكل خاص على تجربة المتطوعين في فيالق السلام Peace Corps والذي راح يقدم تحليلا للسياسة والاقتصاد والثقافة المعاصرة في المنطقة، ويصدر تقارير دورية حول الشرق الأوسط.

ورغم التغيرات المعقدة التي طرأت على المنطقة (الثورة الإيرانية والإسلام السياسي والصراع العربي الإسرائيلي وهجمات 11 سبتمبر وحرب العراق) فإن الدعامات الأساسية للتصور الأمريكي للشرق الاوسط لا تزال قائمة على مبدأ التحديث الليبرالي الذي يمنحها هامشا مهما من الهيمنة في إطار علاقة غير متوازنة، تتجاهل مختلف النماذج النقدية سواء الأوربية أو العربية مثل مجموعة خمسين التي تأسست في باريس 1975 ونقد إدوارد سعيد للاستشراق وغيرها من البدائل النظرية النقدية، سياسية يسارية كانت أو أكاديمية بحثية، فإن الجهاز الأكاديمي/السياسي الأمريكي استمر في تشييد حثيث وممنهج لتصور نفعي للشرق الأوسط يقدم من خلاله النخبة السياسية الشريكة باعتبارها وريثة تقاليد وثقافة تختلف عن النمط الغربي، دون أن يعبأ بالتبعات الاجتماعية لهذه الشراكة ولا لفاتورتها السياسية على المستوى الداخلي.

وقد برزت نخبة أكاديمية جامعية أمريكية ساخطة على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ولديها بدائل نقدية ونظرية مهمة لتعزيز علاقة متوازنة يتأخذ بعين الاعتبار مساهمات الباحثين خارج الإطار الحكومي الضيق.

الغرب وريث اليونان

في الفصل الأول من الكتاب يعود لقمان إلى البدايات اليونانية الرومانية التي قسمت العالم إلى شرق وغرب، وحددت الاستبداد الشرقي كحالة ثقافية تتأسس على قابلية الشعوب الشرقية للعبودية، انطلاقا من التصور اليوناني لطبيعة الحكم والمجتمع الفارسي، ولنموذج الإذعان المصري والعراقي القديم لطبقة النبلاء والملوك المؤلهين.

ولما كان الغرب وريثا للتقاليد اليونانية القديمة، فقد أضفى على هذه التصورات سيمة كبرياء غربي يدرس الآخرين ويخضعهم لأحكامه، لولا دراسة مارتن برنال المثيرة للجدل “أثينا السوداء” التي خدشت هذا الكبرياء من خلال ابراز الجدور الافروآسيوية للحضارة الغربية.

في الفصل الثاني، يجعل شارلمان ومحمد من الصراع المسيحي الإسلامي ميدانا للجدل وميلاد التصورات المتضاربة، حيث يرسم المؤرخ هنري بيرين في كتابه Mohammed and Charlemagne محمد وشارلمان خطوط التماس بين الغرب والشرق جغرافيا، والعصر الكلاسيكي وبداية العصور الوسطى زمانيا، عن طريق قراءة نتائج انتشار الإسلام وتغير الخريطة السياسية للعالم بدأ من القرن الثامن الميلادي، و هكذا انطبعت التصورات القروسطية للشرق الأوسط بتأويل الدين الجديد باعتباره هرطقة، و كفرا أحيانا، أو باعتبارها مسيحية محرفة أحيانا أخرى، والمحمديون أو السراسين Saracenus (سكان الخيام أو العرب) عدو كافر يحتل القدس و يمنع المسيحيين من الحج (الحروب الصليبية).