أمام ارتفاع التداول ب”الكاش”.. لماذا يتجنب المغاربة وسائل الأداء الرقمية ؟
لا زال المغرب يواجه إشكالية ارتفاع التداول بالنقود، وما يطرحه ذلك على الاقتصاد الوطني من تحديات، حيث كان والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري قد أوضح في آخر ندوة صحفية أن ارتفاع التداول ب”الكاش” بات موضوعا يشغل بال بنك المغرب، مؤكدا أن معدل نمو هذا التداول خلال السنوات الأخيرة لم يعد “مقبولا”.
وتفيد بيانات البنك المغرب أن “الكاش” المتداول وصل في العام الماضي إلى 393 مليار درهم، مسجلاً زيادة بنسبة 11 في المائة، ويتوقع البنك ارتفاعا أكبر في حجم النقد المتداول، ليرفع معه حاجة البنك إلى السيولة النقدية لتنتقل من 111.4 مليار درهم سنة 2023 إلى 121.1 مليار بنهاية سنة الجارية ومن ثمة إلى 143.2 مليار درهم مع نهاية سنة 2025.
ولمحاولة التخفيف من هذه الظاهرة وتسهيل التعامل بالوسائل الرقمية، كان بنك المغرب قد أعلن سنة 2018 عن إطلاق خدمة “M-wallet” لتسهيل تنفيذ العديد من العمليات بشكل إلكتروني ولا مادي كتوفير إمكانية الدفع عند البائعين المعتمدين، وتبادل الأموال بين الأشخاص، بالإضافة إلى أداء الفواتير والضرائب.
وتشير آخر الإحصائيات إلى أن عدد المعاملات التي تمت من خلال المحافظ الإلكترونية التابعة لهذه الخدمة قد بلغ 7.9 مليون سنة 2022، مقارنة ب4.6 المسجلة سنة 2021 أي يزيادة قدرها 62 بالمائة.
ورغم كل الجهود المبذولة، لازال عدد كبير من المغاربة يفضلون التعامل بالنقود وتجنب استخدام وسائل الأداء الإلكترونية.
أسباب ثقافية
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي ياسين اعليا أن استمرار اعتماد المغاربة أساسا على التداول النقدي يعود إلى أسباب ثقافية واجتماعية تتعلق بعادات المغاربة.
وأوضح الخبير أن من أهم أسباب استمرار الأداء ب”الكاش” هو عدم ثقة العديد من المغاربة بوسائل الأداء الرقمية، حيث أن المال في المفهوم الثقافي المغربي ما زال مرتبطا ب”تواجده المادي”، مما يفرض معه أداء التعاملات بطريقة مباشرة.
وأبرز الخبير أن المغاربة يحتفظون بشكل كبير جدا في عاداتهم بالأوراق المالية في البيوت وداخل الخزانات، في إطار ما يسمى اقتصاديا بظاهرة الاكتناز وهي من العادات المتجذرة لدى المغاربة.
هذه الفكرة تدعمها آخر الإحصائيات التي تشير إلى أن حوالي 75 بالمائة من الأوراق المالية المتداولة في السوق المغربية من فئة 200 درهم، حيث يؤكد اعليا أن هذا الرقم مؤشر على أن هذه الاستعمالات الموجهة للكاش هي موجهة للإكتناز بشكل كبير لدى فئات عريضة من المواطنين المغاربة.
وكان عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب قد شدد على ضرورة تغيير الوعي والثقافة المالية للمغاربة بهدف التخفيف من هذه الظاهرة، داعيا في هذا السياق إلى إنجاز حملات تحسيسية واستهداف المناطق النائية، بالإضافة إلى إدراج الموضوع في المدارس، وذلك بهدف الرفع من “الثقافة المالية ” للمغاربة.
وللوازع الديني دور في الموضوع، حسب الخبير، حيث أن العديد من المغاربة يرفضون إيداع أموالهم لدى الأبناء لتجنب الفوائد الربوية.
قلة الودائع لدى البنوك التي ينتجها هذا الوضع، يضيف الخبير، تدفع الأبناك إلى الرفع من نسب الفائدة على القروض وبالتالي عدم تحفيز المستهلكين سواء كانوا شركات مقبلة على الاستثمار أو مستهلكين عاديين وهو ما سيؤدي إلى تباطؤ عجلة الطلب الداخلي وبالتالي تباطؤ النمو الاقتصادي.
“نزيف ضريبي”
من جانبه يرى محمد جدري الخبير الاقتصادي أن الأمر يعود بدرجة أساسية إلى حجم الاقتصاد الغير مهيكل بالمغرب الذي يتراوح بين 30 و40 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، حيث يميل العاملون في هذا القطاع إلى محاولة التهرب من الضريبة من خلال استعمال النقد الكاش لتجنب التصريح بتعاملاتهم.
ويؤكد جدري أن انعدام الثقة في وسائل الأداء عبر الأنترنت يعد سببا رئيسيا آخر، مشيرا إلى أن نسبة “الاستبناك” في المغرب لا تتجاوز 15 مليون حساب بنكي، حيث أن فئة عريضة من المجتمع لا تتوفر على حسابات بنكية وتفضل التعامل مباشرة بدون وسيط.
استمرار التداول بالكاش، حسب الخبير، يضيع على المغرب عوائد ضريبية تقدر بملايير الدراهم، لأن جزءا كبيرا من التعاملات التجارية تمر في السوق الموازي دون أي إمكانية لتتبع هذه المعاملات.
غياب طريقة لتتبع التعاملات يمنح للعديد من الفاعلين في الاقتصاد غير المهيكل، “ثغرة” للتهرب من أداء الضرائب كالضريبة على الدخل والضريبية على القيمة المضافة.
ويرى جدري أن هذا الوضع يُقود التنافسية بين المقاولات حيث يمنح أفضلية للمقاولات التي “تشتغل في الظل”، ولا تؤدي ضرائبها وتحملاتها الاجتماعية، وهو ما يلحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد الوطني.