story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

أكاديميون ينتقدون ضعف السياسات العمومية في الاستجابة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

ص ص

اعتبر فاعلون أكاديميون وخبراء في مجالات القانون والسياسات العمومية والموارد الطبيعية، أن تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المغرب يظل رهينًا بالإرادة السياسية، ونوعية الخيارات الحكومية المعتمدة، مؤكدين أن هذه الحقوق لا يمكن فصلها عن طبيعة السياسات العمومية المتبعة، ومدى التزام الدولة بتفعيل ما ورد في الدستور المغربي لسنة 2011، وكذلك في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وشدّد المتدخلون، خلال ندوة موضوعاتية نظمتها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان الجمعة 25 أبريل 2025، في إطار المؤتمر الوطني الثاني عشر، تحت عنوان: “الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسات العمومية وسؤال الفعلية”، على أن هناك فجوة متزايدة بين النصوص القانونية والواقع المعيشي، في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، داعين إلى ضرورة إعادة تقييم السياسات الحالية، وتعزيزها بمنهجيات تضع الإنسان وكرامته في صلب الاختيارات العمومية.

وفي السياق أكد جواد النوحي، أستاذ التعليم العالي ورئيس شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، أن النقاش حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رغم ما يحظى به من اهتمام فكري وحقوقي، لا يزال في حاجة إلى تعميق وتوسيع، بالنظر إلى الفجوة المتنامية بين الإطار المعياري والدستوري، من جهة، والواقع المعيشي للمواطنين، من جهة أخرى.

وأوضح النوحي، أن هذه الفجوة تظهر بشكل جلي في الحالة المغربية، رغم ما تحقق من برامج واستثمارات، لاسيما في قطاعات الصحة والسكن والشغل، مبرزا على سبيل المثال، أن نسبة البطالة بلغت 13% سنة 2023، في ظل محدودية فرص الشغل المتاحة، بالرغم من جهود الدولة في الاستثمار وتحفيز الاقتصاد.

وفي ما يخص السكن، أشار إلى أن البرامج الحكومية، كالسكن الاقتصادي والاجتماعي، والدعم الموجه للطبقة المتوسطة، والتدابير المالية المدرجة في قوانين المالية، لم تنجح بعد في معالجة الخصاص المتواصل في هذا القطاع.

وأضاف أنه في قطاع الصحة، رغم الارتفاع المستمر لميزانية القطاع منذ سنة 2016، إلا أن هذا التحسن المالي لا ينعكس فعليًا على ضمان الحق في الصحة، واستدل النوحي على ذلك بمعدل التغطية الصحية، مشيرًا إلى أن هناك طبيبًا واحدًا لكل 1215 مواطنًا، وهو رقم يبرز محدودية الخدمات الصحية المقدّمة مقارنة مع المعايير الوطنية والدولية.

وشدّد المتحدث على أن الدستور المغربي ينصّ بوضوح على مسؤولية الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية في تيسير ولوج المواطنين إلى الحقوق الأساسية، كالصحة، والتعليم، والسكن اللائق، والحقوق البيئية، إلا أن السياسات والبرامج الموجهة لتحقيق ذلك لا تزال تعاني من قصور في الفعالية والإنجاز.

وفي تحليله لأسباب هذه الفجوة، أشار الأستاذ الجامعي إلى جملة من العوامل البنيوية والظرفية، منها الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، كأزمة 2008 وجائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى التحولات الجيوستراتيجية، والاختلالات في سلاسل الإنتاج، وتداعيات التغيرات المناخية.

وختم النوحي مداخلته بالتأكيد على أن التمتع الفعلي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية رهين بوجود إرادة سياسية، ونظام حكامة فعّال، وإطار مؤسساتي متماسك، وقدرات مالية كافية، مشددًا على أن غياب هذه العناصر يؤدي حتماً إلى تقليص فرص تحقيق تلك الحقوق.

من جانبها، أكدت شرفات أفيلال، الخبيرة الدولية في مجال الموارد المائية والتغيرات المناخية، والوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء سابقًا، أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تظل رهينة باختيارات الفاعل السياسي، وخصوصًا الفاعل الحكومي، نظرًا لارتباطها المباشر بالسياسات العمومية المعتمدة في قطاعات حيوية كالسكن، التعليم، الصحة، الشغل، وحقوق الطفل، وغيرها من الحقوق الأساسية وعلى رأسها الحق في الماء.

وأوضحت أفيلال أن التوجهات الإيديولوجية للحكومات تُسهم بشكل كبير في طبيعة تعامل الدولة مع هذه الحقوق، مشيرة إلى أن التوجه الليبرالي، مثلًا، يركز على الاستثمار وجلب الرساميل وخلق الثروة، معتبرة أن هذه المقاربة كفيلة بضمان الحقوق بطريقة غير مباشرة، غير أنه لا يمنحها الأولوية الكافية.

واعتبرت المتحدثة أن هذه الحقوق، في ظل هذا الواقع، تبقى هشة وقابلة للارتداد، مستشهدة بحالة حق الشغل، الذي عانى من تراجع حاد بفعل ارتفاع معدلات البطالة في السنوات الأخيرة، في وقت لم يُمنح فيه هذا الملف الأهمية اللازمة ضمن أولويات السياسات العمومية.

كما نبّهت الوزيرة السابقة إلى بروز جيل جديد من الحقوق بفعل التقدم العلمي والتكنولوجي والتحولات المناخية، من بينها الحق في الحماية من المخاطر المناخية، والحق في الطاقة النظيفة، والحق في الماء، معتبرة أن هذه الحقوق أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وإن لم يتم التنصيص عليها صراحة في المعاهدات الدولية الحالية، خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي لم يتضمن الحقوق البيئية رغم حضورها الضمني فيه.

وشددت أفيلال على ضرورة الارتقاء بهذه الحقوق البيئية والمناخية إلى مستوى معاهدات ملزمة للدول الأطراف، داعية المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته في هذا الإطار، وفتح أفق جديد للاعتراف القانوني والفعلي بهذه الحقوق.

ومن جهته، أكد أحمد مفيد، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، الأهمية البالغة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تهم جميع المواطنات والمواطنين، باعتبارها تشمل مجالات حيوية مثل السكن، الصحة، التعليم، الشغل، الحماية الاجتماعية، والماء، وغيرها من الحقوق التي تمثل جوهر العدالة الاجتماعية.

وفي مداخلته، تساءل مفيد عن مدى التزام الحكومة المغربية بتفعيل هذه الحقوق كما هي منصوص عليها في دستور المملكة لسنة 2011، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مؤكدًا أن ضمان هذه الحقوق يتطلب تفعيل عدد من الآليات الأساسية.

وحدد مفيد أربع رافعات أساسية لتعزيز فعلية هذه الحقوق، من تخصيص الموارد المالية الكافية، ودمج بُعد حقوق الإنسان في التخطيط، سواء على المستوى الوطني أو الترابي، وضمان التقاء السياسات العمومية وتكاملها، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة.

وأشار الأكاديمي إلى أن المغرب، بتوجيهات ملكية، حقق تقدمًا ملحوظًا في عدد من الأوراش، وعلى رأسها ورش الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة، الذي يشكل خطوة كبرى نحو العدالة الاجتماعية.

غير أن هناك حسب المتحدث ذاته، أوراشًا أخرى ما تزال تتطلب تعزيز الجهود، خاصة في ما يتعلق بحق الشغل، والسكن، والتعليم، من أجل ضمان فعلية هذه الحقوق كما ينص عليها الفصل 31 من الدستور المغربي.