أكاديميون يشددون على الاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة ضمن رؤية “تحترم القيم الأسرية”

احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، الثلاثاء 08 أبريل 2025، بشراكة مع مؤسسة رزان للدراسات الاستراتيجية حول الأسرة والمجتمع، والجمعية الجهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب بسلا، مائدة مستديرة حول موضوع “انخراط الدراسات الأكاديمية في المشروع الملكي السامي لتعديل مدونة الأسرة”.
وناقش اللقاء، بمشاركة عدد من الأكاديميين والخبراء القانونيين، أبرز النقاط المثيرة للجدل التي طُرحت في سياق التوجيه الملكي بمراجعة مدونة الأسرة، وفي مقدمتها موضوع تثمين العمل المنزلي للمرأة، وهو الموضوع الذي أثار نقاشاً حاداً بين من يدعو إلى تجاوز الصورة النمطية المرتبطة بهذا النوع من العمل، والاعتراف بقيمته الحقيقية، وبين من يُحذر في المقابل من أن يؤدي هذا التوجه إلى تحويل مؤسسة الزواج إلى كيان تعاقدي أقرب إلى شركة تجارية، بما قد يُخل بتوازن الأسرة ووظيفتها الاجتماعية.
الاعتراف قبل التثمين
في هذا السياق، أكدت إلهام الحمضي، رئيسة العيادة القانونية بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية، أكدال، أن “الحديث عن تثمين العمل المنزلي بالنسبة للمرأة بالمغرب، يجب أن يسبقه أولاً الاعتراف به”، مشددة على أن هذه المسألة تكتسي أهمية بالغة، حيث عبرت عن أسفها لكون “هذا النوع من العمل لا يحظى حالياً بأي اعتراف لا من طرف الدولة ولا من المجتمع، رغم كونه يساهم في خلق الثروة الوطنية”.
وأوضحت الحمضي أن الاعتراف بالعمل المنزلي يجب أن يرتكز على بُعدين أساسيين؛ البُعد الاقتصادي والبُعد القانوني، فعلى المستوى الاقتصادي، شددت على “ضرورة الإيمان بأن المرأة، من خلال أعمالها المنزلية، والإنجاب، وتربية الأجيال، تساهم بشكل مباشر في خدمة الوطن، وتخلق ثروة حقيقية يجب الاعتراف بها ضمن الناتج الداخلي الخام للمغرب”.
أما على المستوى القانوني، فأكدت على “ضرورة الاعتراف بمبدأ أن العمل المنزلي يُنتج الثروة، وأن هذا الجهد يجب أن يُحتسب في رصيد الزوجة”، مشيرة إلى “غياب أي نص قانوني صريح يعترف بهذا العمل، مما يستوجب سن تشريع خاص يضمن هذا الاعتراف، ويُكرس الحماية القانونية للحقوق المرتبطة به”.
وأضافت المتحدثة أن “التثمين لا يمكن أن يتحقق دون الاعتراف المبدئي بهذا النوع من العمل، داعية إلى الاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال، شريطة احترام الخصوصية الثقافية للأسرة المغربية”، حيث اعتبرت أنه “لا يمكن إسقاط نماذج أجنبية على الواقع المحلي بشكل مباشر، بل يجب تطوير حلول واقتراحات تتماشى مع السياق المغربي”.
كما أكدت على أن “أي إصلاح في هذا المجال يجب أن يكون عادلاً، ويحقق التوازن داخل الأسرة، مع مراعاة القيم المجتمعية والهوية المغربية”، مشددة على أن “الحديث عن حقوق المرأة لا يجب أن يُطرح من منطلق المواجهة أو الصراع، بل بهدف تحقيق مصلحة الأسرة ككل، وخاصة مصلحة الطفل، لبناء مشروع مجتمعي حقيقي يكرس العدالة والمساواة”.
مراجعة النصوص
من جانبها، أشارت آسية المواق، أستاذة باحثة بكلية العلوم القانونية والسياسية بالقنيطرة، إلى ضرورة إعادة النظر في النصوص القانونية المنظمة للعمل المنزلي الذي تقوم به النساء، خاصة في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المجتمع المغربي، وارتفاع وعي النساء بأدوارهن ومشاركتهن الفاعلة داخل الأسرة.
وفي هذا السياق، أوضحت المواق أن “العمل القضائي يشهد تباينًا واضحًا في تفسير المادة 49 من مدونة الأسرة، إذ تعتبر بعض المحاكم العمل المنزلي مساهمة حقيقية في تنمية الثروة المشتركة، في حين تسير غالبية المحاكم في اتجاه اعتباره جزءًا من التزامات الزوجة المنصوص عليها في المادة 51، مما يؤدي إلى صدور أحكام متفاوتة تفتقر إلى الانسجام”.
كما لفتت إلى أن من أبرز الإشكالات المطروحة أيضاً “صعوبة تقييم العمل المنزلي وتحديد قيمته الاقتصادية، إضافة إلى وجود فئات داخل المجتمع تعارض الاعتراف به، بدعوى أن ذلك قد يؤدي إلى تحويل مؤسسة الأسرة إلى كيان ربحي أشبه بشركة تجارية”.
وفي غضون ذلك، شددت آسية المواق على أن “تجاوز هذه الإشكالات يتطلب إصدار نص قانوني واضح يعترف بالعمل المنزلي كجهد منتج، مع توحيد الاجتهاد القضائي في هذا الشأن”، مؤكدة أن “ذلك يجب أن يتم في إطار يضمن التوازن داخل الأسرة، ويحترم الخصوصية الثقافية والاجتماعية والدينية والأخلاقية للمجتمع المغربي”.