“أطراف لا زالت مرئية”.. مشاهد لا توصف لجثث في موقع مستشفى الشفاء المدمّر
حضرت الممرضة الفلسطينية مها سويلم إلى موقع مستشفى الشفاء المدمّر في شمال غزة وهي تأمل، بل تخشى، تلقي أنباء عن زوجها الذي تقول إنه كان طبيبا في المنشأة.
ووصلت فرق تابعة لمنظمة الصحة العالمية الإثنين إلى ما كان في الماضي أكبر مجمع استشفائي في غزة للمساعدة في التعرّف على جثث متناثرة بين الركام.
أعلن الجيش الإسرائيلي أنه خاض معارك عنيفة مع مقاتلين فلسطينيين في الموقع على مدى أسبوعين في الشهر الماضي، وقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن مرضى حوصروا من جراء الاشتباكات.
وقالت سويلم في تصريح لوكالة فرانس برس إنها لم ترَ زوجها عبد العزيز كالي منذ أن اعتقله الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم، ولا تعلم ما إذا كان حيا أو ميتا.
وروت الممرضة كيف حاصر الجيش الإسرائيلي المستشفى الشهر الماضي ،بشكل سريع، ومن ثم استخدم مكبرات الصوت لإبلاغ “الجميع بوجوب الاستسلام” وبأن “اللعبة انتهت”، وكيف عمد بعد ذلك لإطلاق النار على كل المداخل لمنع إي حركة.
وقالت “قضيت أربعة أيام هناك مع ابنتاي الصغيرتين من دون أكل أو شرب، ظلتا تبكيان من الجوع، عندما اعتقلوا زوجي كان قد مر علينا ثلاثة أيام دون أكل”.
وطلبت فرانس برس من الجيش الإسرائيلي معلومات بشأن مكان وجود كالي، لكنها لم تلق على الفور أي جواب.
لطالما اتّهم الجيش الإسرائيلي حماس ومقاتلين فلسطينيين باستخدام المستشفيات وسواها من المنشآت الطبية مخابئ ومراكز قيادة، والمرضى دروعا بشرية.
وقال مدير مركز الطوارئ في غزة معتصم صلاح إن مشاهد الإثنين في المركز الطبي “لا يمكن تحمّلها”.
وأضاف “رائحة الموت في كل مكان” مع تواصل أعمال الحفر بين الركام في الموقع وانتشال العمّال جثثا متحلّلة من بين الرمال والأنقاض.
وقال صلاح إن غزة ليس لديها ما تحتاج إليه من خبراء الطب الشرعي للمساعدة في التعرّف على الجثث أو تبيان ما الذي حل بها، مشيرا إلى الاعتماد على “خبرة وفد منظمة الصحة العالمية ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية”.
وأضاف إنهم يحاولون “التعرّف على الجثث المتحلّلة والأشلاء ممزقة بالكامل” من المحفظات والوثائق.
وقال أمجد عليوة رئيس قسم الطوارئ في مستشفى الشفاء إن في الموقع أهالي “يسعون لكشف مصير أبنائهم ومعرفة ما إذا كانوا شهداء أو مفقودين أو ما إذا نزحوا إلى الجنوب”.
وأضاف إن هؤلاء يريدون التعرّف “على أبنائهم لدفنهم بطريقة مناسبة، لكننا نفتقر إلى المعدات والأجهزة اللازمة لهذا العمل والوقت ليس في صالحنا، علينا إنجاز العمل قبل تحلّل الجثث”.
“أطراف ما زالت مرئية”
قال صلاح إن الأثر النفسي لهذه العملية على العائلات لا يحتمل، وذلك في تسجيل فيديو لمنظمة الصحة العالمية.
وأضاف “رؤية (هذه العائلات) لأبناءها جثثا متحلّلة وأجسادهم ممزّقة بالكامل هو مشهد لا يمكن وصفه، لا توجد أي عبارة يمكن أن تصف هذا المشهد”.
وسار بعض الأهالي في موقع وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه “مقابر ضحلة” قرب قسم الطوارئ المدمّر والمباني الإدارية وتلك المخصصة للعمليات الجراحية.
وجاء في بيان للمنظمة عقب زيارتها الأولى للموقع الجمعة أن “جثثا كثيرة مدفونة جزئيا مع أطراف ما زالت مرئية”.
وشدّدت المنظمة على أن “صون الكرامة حتى في الموت هو عمل إنساني لا غنى عنه”.
والإثنين قال الجراح أثاناسيوس غارغافانيس الذي يقود بعثة المنظمة إن “مكانا كانت تمنح فيه الحياة بات حاليا مكانا لا يذكّرنا إلا بالموت”.
الحرب التي دخلت شهرها السابع اندلعت في السابع من أكتوبر بعد عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بسبب الاستفزازات الاسرائيلية المتكررة في حق الفلسطينيين وعتداءات جيش الاحتلال الاسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين واستباحته للمقاسات الإسلامية وغيرها.
وعلى إثر ذلك، شنت إسرائيل حملة عسكرية مكثفة ومدمرة على قطاع غزة أسفرت عن استشهاد 33360 شخصا معظمهم من النساء والأطفال وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
ولم تكن الأنباء سارة بالنسبة إلى غسان كانيتا الذي كان والده رياض (83 عاما) قد لجأ إلى المستشفى هربا من المعارك.
وقال غسان إن ابن أخيه اتصل به “وأبلغني بأنهم عثروا على الجثة عند مدخل الشفاء. أتينا وأبلغونا بأنهم عثروا على الجثة هنا”.
ولا زالت حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الاسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين بقطاع غزة المحاصر، متواصلة مخلفة كل يوم عشرات الشهداء في مجازر متفرقة من القطاع، إضافة إلى سياسة التجويع والتهجير، التي تسببت حتى الآن في استشهاد ما يقارب 34 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين.