أضخم مركز بيانات في إفريقيا.. هل كاد وزراء مغاربة أن يتعرضوا للنصب على يد شركة أمريكية؟
تحول الإعلان والاحتفاء بقرب التوقيع على اتفاقية بناء مركز بيانات ضخم بقدرة خيالية تصل إلى 386 ميجاوات في المغرب وبالضبط في مدينة تطوان، وبتكلفة تصل إلى 500 مليون دولار، إلى شبح يطارد الوزراء، يحاول كل واحد منهم أن يتبرأ منه، بعدما ظهر زيف العرض الذي تقدمه الشركة.
بداية القصة
بدأت القصة خلال الأسبوع الماضي، عندما نشرت “شركة” أمريكية تسمى “IOZERA” إعلانا تقول فيه إنها تستعد لاستقبال محسن الجزولي، الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، وغيثة مزور الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، لمراسيم حفل توقيع مذكرة تفاهم في مدينة أوستن الأمريكية كان مقررا تنظيمه يوم أمس الأربعاء 8 ماي 2024، حدد له موعد وهو الرابعة بعد الظهر، وخصص مركز مؤتمرات كابيتال فاكتوري لاحتضانه وكان يفترض أن يحضره فاعلون في مجال الشركات الناشئة في أمريكا، والراغبون في بحث فرص الاستثمار في المغرب، والباحثون عن فرص النفاذ للسوق المغربية.
الشركة ذهبت أبعد من ذلك، ونشرت معطيات حول مذكرة التفاهم التي قالت إنها تنوي توقيعها مع الوزراء المغاربة، وقالت إنها ستوفر خدمات تخزين البيانات والإدارة والخدمات الاستشارية في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك بتطوير مركز بيانات بقدرة 386 ميجاوات ومركز للذكاء الاصطناعي، بمدينة تطوان بالقرب من مضيق جبل طارق.
وحددت “الشركة” موعدا لانطلاق مشروعها، وقالت إنه سيبدأ في الربع الرابع من عام 2024، وتأمل أن يتم تشغيله بحلول الربع الثاني من عام 2026.
مباشرة بعد الإعلان عن اللقاء، بدأت الشكوك حول المذكرة، حيث أن قدرة بهذا الحجم تعادل مركز البيانات الذي تم إنشاؤه في باريس في نهاية سنة 2023 والذي تبلغ قدرته 375 ميجاوات، ويستند إلى أقوى محطة كهرباء في أوروبا مع خطين تحت الأرض بقوة 90.000 فولت لكل منهما، كما أن المركز الذي تم الترويج لإحداثه في المغرب يتجاوز بفارق واسع جدا مركز بيانات مدريد بفارق واسع جدا.
وتعاظمت الشكوك حول المشروع، لكون إنشاء مركز من هذا الحجم، الأول والأضخم في إفريقيا، يستلزم إمكانيات كبيرة، إلا أن الشركة التي كان المسؤولون المغاربة ينوون توقيع مذكرة التفاهم معها لتوطين المشروع في شمال المغرب، لا تملك أي سجل من المشاريع يسمح بتكوين نظرة واضحة حول مدى إمكانية نجاحها في إخراجه إلى أرض الواقع.
وبعد النقاش والجدل، تقول مصادر لـ”صوت المغرب” إنه تبين أن الشركة الأمريكية لم تستكمل بعد كافة الإجراءات القانونية لإحداثها لا في الولايات المتحدة الأمريكية ولا في المغرب، وهو ما يبرر عدم وجود أي إنجازات سابقة لها.
ارتباك المسؤولين
كان بينا ارتباك المسؤولين المغاربة، بعدما بدأت التساؤلات حول مدى إمكانية إنجاز المشروع الضخم من طرف شركة غير معروفة، وزاد الارتباك عندما تبين أن الشركة ليست فقط مجهولة بين الفاعلين في المجال، ولكنها لا تحمل صفة قانونية تؤهلها لدخول الاستثمارات فيه، وبالأحرى أن يجالس الواقفون وراءها وزراء في الحكومة المغربية.
وفي تدبيرهم للأزمة، اختارت غيثة مزور الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة نفي وجود أي صلة لها بمذكرة التفاهم وبالشركة.
وخرجت مصادر من وزارتها لتقول إن مزور لا تدرج في جدول أعمال زيارتها للولايات المتحدة الأمريكية توقيع أي اتفاق مع شركة ” IOZERA”، وأنها ستكون في تاريخ 8 ماي 2024 بسان فرانسيسكو لتوقيع اتفاقيات أخرى، وعززت الوزيرة موقفها بنشر صورة أمس، مع عاملين في شركة “open ai” الرائدة العالمية في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.
من المسؤول؟
القضية تجمع كلا من محسن الجزولي، الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، وغيثة مزور الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة إلى جانب “AMDIE” الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، معيدة إلى الأذهان سيناريوهات سابقة عاشها المغاربة من قبل، عن شركات نصبت فعليا على المغرب في مشاريع “كبرى” تبين فيما بعد أنها وهمية.
وحسب متخصصين تحدثت إليهم “صوت المغرب” فإن اجتهاد المغرب في الاشتغال على جذب الاستثمارات الخارجية، والترويج للفرص التي يتيحها، من الممكن أن تعرضه لحالات نصب على يد أشخاص يقفون وراء شركات وهمية، خصوصا في قطاعات تنافسية، ما بات يستدعي من المسؤولين المغاربة، حذرا أكبر في البحث عن الشركات التي ينوون توقيع اتفاقيات معها، وذلك للحفاظ على مصداقية المغرب كبلد مستقطب للاستثمارات في مجالات عدة من بينها التكنولوجية.
لم يعرف بعد من سيدفع ثمن هذا “الخطأ”، لكن المؤكد أن الشركة قبل أن تصل إلى نشر صورة الوزيرين في الإعلان الذي نشرته عن مراسيم توقيع مذكرة التفاهم، وينشر خبر هذا التوقيع في عدد كبير من وسائل الإعلام المغربية والدولية، فإن طلبها مر على مكاتب المسؤولين في ثلاث مؤسسات على الأقل، منها وزارة الجزولي ومزور والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات.
وتعيد هذه الواقعة للأذهان فيلم عمره أكثر من عشرين سنة عاشه المغاربة، بفضيحة الإعلان المزيف عن اكتشاف حقل نفط كبير في تالسينت، دخلت فيه البلاد معركة قانونية طويلة مع الشركاء الأمريكيين، انتهى بحكم قضائي لصالح المتضررين المغاربة، يقضي بتعويض قدره 123 مليون دولار لجبر أضرارهم.