story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
ثقافة |

أصيلة تودّع “الحاضر الغائب”.. محمد بن عيسى رجل الدولة وأيقونة الثقافة

ص ص

“والله إنني دخلت من هذا الباب لكن غصّة في القلب لا زالت تؤلمني.. دخول هذا الباب هذه المرة ليس كما كان من قبل، رحم الله الفقيد محمد بن عيسى”. هذا ما التقطته صحيفة “صوت المغرب” من أحاديث جانبية بين بعض زوار وحاضري منتدى أصيلة الثقافي الدولي، الذي يفتتح هذا اليوم دورته الخريفية السادسة والأربعين، في أول غياب لمؤسسه وأمينه العام السابق، الراحل محمد بن عيسى.

الحضور كان وازناً في مكتبة الأمير بندر بن سلطان، التي احتضنت ندوة “خيمة الإبداع” يوم الجمعة 26 شتنبر 2025 بمدينة أصيلة، حيث اجتمعت شخصيات بارزة من عالم الفكر والسياسة والإعلام والإبداع، من المغرب وخارجه. وكما في كل دورة، حجّوا إلى “أزيلا” للنقاش وتبادل الآراء وحضور المعارض، غير أن هذه الدورة خُصّصت لتكريم روح وسيرة الفقيد محمد بن عيسى، رجل الدولة وأيقونة الثقافة، كما وصفه المنتدى.

وقد جرى بالمناسبة رفع الستار عن لوحة رخامية تحمل اسم محمد بن عيسى على فضاء المسرح والفنون التابع للمكتبة، وتُليت سورة الفاتحة ترحما على روحه، في لحظة مؤثرة عكست المكانة الكبيرة التي يحتلها الفقيد في وجدان المدينة وزوارها.

وفي كلمته الافتتاحية، قال حاتم البطيوي، الأمين العام الحالي لمؤسسة منتدى أصيلة، إن الراحل “كان نوراً يضيء المدينة والآن وبعد أن غاب شعرنا بقيمة ما قام به، فهو الذي يشهد القريب والبعيد أن أصيلة ومنتداها الثقافي كانا معاً يشغلان مساحة لا حدّ لها في وعيه وكيانه وانشغالاته اليومية، تماماً بقدر انشغاله بمسؤولياته الوزارية ومهامه الدبلوماسية واهتمامه بقضايا وطنه وأمته العربية وتفاعله العميق أيضاً مع قضايا الإنسانية”.

وأشار البطيوي إلى أن “الظروف الانتقالية بعد وفاة المؤطِّر والموجِّه والملهم بن عيسى صعبة، لكننا بذلنا جهوداً مضنية لتدارك بعض من الفراغ الذي أحدثه غيابه، وتمكنا من تنفيذ البرنامج العام لموسم أصيلة كما سطّره المرحوم، وفق خطاطة متوازنة وغير مثقلة، كأنه شعر بدنوّ الأجل، فأراد التخفيف من أعباء الإعداد أو كأنه أراد أن يدرّبنا على امتلاك القدرة على التصرف بعد غيابه الأبدي”.

وفي كلمة مؤثرة ألقاها وزير العدل عبد اللطيف وهبي بهذه المناسبة، قال “رحلت وتركت أصيلة من ورائها البحر ومن أمامها القطار الذي لا يقف فيها، كأن من حقها المعاناة، على الأقل كانت بين أحضانك تشعر بالأمان، وهي الآن بين مخالب البحر والقطار”.

وأضاف “كنتُ أشتكي لك من العدل وكنت تشتكي لي من الثقافة، وما العدل إلا ثقافة وما الثقافة إلا إنصاف عادل لمدينة تركتها يتيمة، يتربص بها البحر ويغتالها القطار السريع، ذلك الغبي الذي لا يتوقف في هذه المدينة، لذلك لا بد أن يقف هذا القطار يوماً ما في أصيلة”.

وتابع “أصيلة لن تُفصل عنك، لأنك موجود في تفاصيل الرسم والشعر والسياسة، في جدرانها، في الريشة بين أنامل أطفالها، القادمون كانوا يقولون سنذهب إلى بن عيسى، والآن سيقولون سنذهب إلى أصيلة اليتيمة، أما أنا فلا أستطيع أن أودعك أو أنساك”.

من جهته، أكد محمد حجوي، الأمين العام للحكومة، أن “المغرب فقد برحيل بن عيسى أحد رجالاته البررة الذين بوأوا الثقافة الوطنية مكانة مرموقة على المستوى الدولي”، هذا فضلا عن خصاله الإنسانية المفعمة بالمحبة الصادقة، مؤكدا أنه كان بحق شخصية عامة متفردة ونادرة.

وأوضح حجوي أن “أصيلة، الجوهرة الأطلسية غدت بفضله تتصدر الحواضر الثقافية المتقدمة وصارت قبلة للمثقفين والمفكرين والدبلوماسيين من مختلف دول العالم لمناقشة القضايا ذات البعد العالمي”.

وأضاف أن الفقيد “كان من القادة الدبلوماسيين البارزين الذين استلهموا من الرؤية الملكية بخصوص البعد الاستراتيجي لإفريقيا باعتبارها قارة المستقبل، إذ كان الحضور الإفريقي حاضراً بقوة في اهتماماته وفي برمجة موسم أصيلة”.

وخلال الندوة ذاتها، رثى عدد من الشخصيات السياسية البارزة، من بينهم وزراء ووزراء سابقون، إلى جانب كتّاب وأساتذة جامعيين، الفقيد بكلمات مؤثرة، واصفين إياه بلحاضر الغائب وأيقونة المشروع والحلم والرسالة، وأكدوا أن بصمته ستظل حيّة وذكراه حاضرة في كل جدارية من جداريات أصيلة، مشددين في الآن نفسه على أهمية استمرارية مسيرته لضمان استمرار إشعاع هذا الصرح الثقافي.