story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
المؤسسة الملكية |

أسفار الملك محمد السادس في مذكرات فتح الله ولعلو

ص ص

يعتبر القيادي السابق في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ووزير الاقتصاد والمالية في حكومتي عبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو، أن وزارة المالية والاقتصاد كانت عمليا، بعد وزارة الخارجية، من أكثر الوزارات التي لها علاقات خارجية كبيرة لعدة اعتبارات ضمنها أنها مكلفة بتدبير الإطار الماكرو -اقتصادي، سواء بالنسبة للميزانية أو بالنسبة للميزان الخارجي.

ويعتبر ولعلو أن الرحلات الملكية مع الملك محمد السادس تختلف عن رحلاته مع والده الملك الحسن الثاني. و”السبب راجع إلى كونه حديث عهد بالملك، بالتالي كان منطق الاكتشاف يحكم مسؤولي الدول التي يزورها، وكذا العطف الخاص الذي يكنونه له، كونه حاملا لمشاريع إصلاحية واعدة لبلده”.

وإلى جانب زيارات الملك محمد السادس إلي عواصم دولية حيوية بالنسبة للمصالح المغربية، مثل باريس ومدريد وواشنطن وموسكو، هذه بعض المحطات المميزة التي شملتها أسفار الملك محمد السادس في بداية عهده، نقتبسها لكم حرفيا كما وردت على لسان ولعلو في كتاب مذكراته:

في ضيافة حسني مبارك

“كانت الرحلة الرابعة التي رافقت فيها جلالة الملك محمد السادس إلى الخارج إلى مصر (28/27/ 29 أكتوبر 2002). سبق ورافقت والده الراحل الملك الحسن الثاني إلى القاهرة، أسابيع قليلة بعد تعيين حكومة التناوب، لكن زيارة محمد السادس مختلفة عن زيارة والده.

مر اللقاء مع الرئيس المصري وأعضاء حكومته إيجابيا، تبعا لجدول الأعمال المعد سلفا. لكن جلالته سيقوم بمبادرة خاصة متميزة، حين قرر تنظيم حفل استقبال بأحد فنادق القاهرة على شرف الفنانين المصريين. فكانت حفلة فريدة من نوعها وجميلة جدا، لأنها غير مسبوقة قط في مصر بالنسبة لهم، حضرت فيها الأسماء الكبيرة المشهورة كفاتن حمامة وماجدة ومديحة يسري وجيل الشباب الجدد وجيل المخضرمين، حيث كان صف الفنانين للسلام على جلالته طويلا جدا.

كل المدعوين أجمعوا على أنها التفاتة غير مسبوقة من رئيس دولة أجنبي إزاء فناني مصر، مؤكدين أن بعضهم لم يجتمعوا قط في حفل واحد أبدا سوى هذه المرة. ما زلت أذكر أن إحدى الفنانات الشابات، عندما وصل دورها لتحية الملك انبهرت وقالت له، وكأنها لا تصدق ما يحدث لها: “أنت هو الملك”، فأجابها بابتسامة”.

الملك في لقاء مانديلا

“كانت الرحلة الخامسة إلى جنوب إفريقيا بجوهانسبورغ (فاتح شتنبر 2002)، لحضور الاجتماع الدولي حول الألفية والتزامات الدول حول التنمية. كان ذلك هو الإجتماع الثاني من نوعه بعد اجتماع مونتيري الذي حضره باسم الملك الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي وألقى كلمة جلالته هناك.

أهمية ذلك الاجتماع كانت هائلة، لأنه فيه تم ترسيم الإلتزامات الخاصة بالألفية لدعم التنمية، من قبل دول الشمال الملزمة بمصاحبة دول الجنوب في مجالات التنمية خاصة في إفريقيا.

اللحظة المبهرة التي ميزت تلك الزيارة الملكية هي حين تقدمت الوفود للسلام على الرئيس الجنوب إفريقي ثابو مبيكي” وإلى جانبه الزعيم نيلسون مانديلا، حيث تقدم جلالة الملك محمد السادس للسلام عليهما، فسلم عليه الرئيس بيكي بشكل عادي بينما بادر الزعيم العالمي مانديلا إلى معانقة العاهل المغربي بحرارة”.

في جولات الملك الإفريقية

“رافقت جلالته أيضا في عدد من رحلاته الإفريقية، خاصة إلى السينغال والغابون وبوركينا فاصو والنيجر وساحل العاج والكاميرون بسبب قراره سنة 2000 (رغم هشاشة وضعيتنا المالية حينها التنازل عن ديون المغرب إزاء الدول الإفريقية. بالتالي فقد كان دوري كوزير للمالية في تلك الرحلات مركزيا لهذا السبب.

أذكر أنه في دولة النيجر اصطف على طول الطريق من المطار حتى العاصمة (حوالي 15 كلمترا)، عشرات الآلاف من المواطنين الذين انتبهت أن أغلبهم من الأطفال، مما يترجم البنية الديمغرافية للبلد، التي لم تعد متحققة عندنا في المغرب، حيث الغلبة لصغار السن والفتيان والشباب ما دفعني للتساؤل حول مستقبل تلك البلاد، على مستوى ما ستعانيه من ضغوط على مستوى التعليم والشغل، في ظل ضعف مواردها الاقتصادية.

نجحت تلك الزيارات حينها في إعادة ترسيخ البعد الإفريقي للمغرب، التي تعززت بزيارات ملكية أخرى متعددة في ما بعد، لعل أهمها (ربيع (2014) زيارة مالي التي تعتبر استراتيجية بكل المقاييس. ومما يسجل في تلك الزيارات التي حضرتها، ليس فقط حضور الشق الاقتصادي المالي فيها، بل أيضا قوة حضور الدور الديني لأمير المؤمنين، خاصة في العلاقة مع الزوايا الدينية في تلك البلدان، وهذه ورقة استثنائية تعزز عمق المغرب الإفريقي.

كان لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد التوفيق ضمن هذا الإطار موقع متميز في مجريات الرحلات إلى إفريقيا المعروف أن جلالة الملك تابع بقوة استراتيجية الحضور في إفريقيا، خاصة سنة 2016، من خلال الزيارات التي قام بها إلى بلدان شرق القارة والإتفاقيات الاقتصادية المهمة التي وقعها المغرب مع نيجيريا وإثيوبيا، إلى أن وصلنا إلى الرجوع إلى العائلة الإفريقية أي الإتحاد الإفريقي”.

ملك المغرب في نواكشوط يوم 11 شتنبر

“كانت رحلة موريتانيا رفقة جلالة الملك محمد السادس يوم 10 شتنبر 2001 قصة لوحدها. لأنها أول زيارة ملك مغربي إلى نواكشوط، فلم يحدث أن زارها قط جده محمد الخامس ولا أيضا والده الحسن الثاني.

فهم الموريتانيون من خلال تلك الزيارة أن الفرصة مواتية لخلق شروط الثقة مع المغرب أكثر من المصالحة. من هنا الأهمية القصوى لتلك الرحلة الملكية خاصة وأنهم كانوا تحت ضغط الجزائر وضغط البوليزاريو فكان مبرمجا أن يقوم العاهل المغربي بزيارة إلى منطقة أطار التي تعتبر قبائلها أكثر القبائل الموريتانية التي كانت لها منذ القدم علاقات حميمية مع المغرب.

لكن ونحن في الطريق إلى حفل العشاء الرسمي بالعاصمة، لمحت وزير الخارجية المغربي محمد بنعيسى يسرع الخطو شاحب الوجه، وأخبرني أن كارثة دولية وقعت، حيث اصطدمت طائرتان ببرجي التجارة العالمية بنيويورك واصطدمت طائرة ثالثة بوزارة الدفاع الأمريكية بواشنطن. كنا جالسين في العشاء لكن الجو العام يخيم عليه الحدث الدولي ذاك، فقرر الملك قطع الزيارة والعودة بسرعة إلى الرباط، دون أن يكمل برنامج الزيارة خاصة إلى منطقة آطار، وربحنا عمليا ترسيخ جو الثقة بين البلدين”.

الزيارات الآسيوية

“رحلات أخرى مهمة رافقت فيها جلالة الملك كانت إلى الدول الصاعدة بآسيا، وهي الهند والصين وسنغافورة. ولقد اعتبرت دوما أن تلك الزيارات هي نوع من مخاطبة القرن 21، خاصة أن العاهل المغربي محمد السادس، له تطلعات استراتيجية جديدة، تتجاوز إطار العلاقات التقليدية مع أروبا.

كانت زيارة بكين يوم 5 فبراير 2002، ذات مستوى خاص، لأن ذاكرة رحلة ابن بطوطة المغربي لا تزال قوية هناك، مثلما أن الصينيين يكبرون دوما في المغرب أنه من الدول التي ربطت علاقات سياسية مبكرة مع الجمهورية الصينية في عهد الزعيم ماوتسي تونغ بشكل شجاع وإرادي في عهد العاهل المغربي الراحل محمد الخامس، بينما المعسكر الغربي كله كان يرفض ذلك (فرنسا) لم تعترف بالصين سوى سنة 1963)، وأنه أكثر من ذلك لم يعترف قط بتايوان وظل دوما يدافع عن الوحدة الترابية للصين.

أما في الهند فقد كان الإطار العام هو الاستفادة من التجربة الديمقراطية الهندية كونها أكبر ديمقراطية في العالم ديمغرافيا، وكيف يتعايش فيها الفقر مع الغنى. علما أن نيودلهي لم يبرز بعد انخراطها الواضح في مسار للتنمية قوي كما تحقق سنوات قليلة بعد ذلك.

انشغل جلالة الملك في سنغافورة بملفين هما ملف التعليم ثم تجربة ميناء سنغافورة الدولي الكبير وفي ذهن جلالته مشروع إنشاء ميناء طنجة المتوسطي. أذكر أنني كنت أطل من شرفة غرفتي بالفندق حيث تقيم مباشرة على ذلك الميناء، وكان عدد السفن التي تنتظر دخول الميناء كبيرا، فشرعت أعدها وحين بلغت رقم المئة تعبت وتوقفت عن العد، مما يترجم أهمية ذلك الميناء الدولية.

كان المسؤولون السنغافوريون قد خصصوا سيارات مع حراس أمنيين للوزراء المغاربة، وليس لمستشاري الملك، لأنهم اعتبروا الوزراء أهم من المستشارين برتوكوليا، وهذا أخرجنا قليلا ضمن الوفد المغربي وأثناء حفل العشاء الذي نظم على شرف جلالة الملك، جلسنا على نفس مائدة الملك والرئيس السنغافوري، وفي ما بيني وبين وزير الأوقاف الأستاذ أحمد التوفيق جلس وزير سنغافوري من أصول عربية، ولقد وضع بيننا برتوكوليا لأنه أيضا أستاذ جامعي، وأنا والتوفيق أساتذة جامعيون أيضا.

أخبرنا أنه من عائلة عربية هاجرت مثل العديد من العائلات العربية في القرن 19، من منطقة حضرموت باليمن وكذا من سلطنة عمان، إلى سنغافورة، واقترح علينا أن يأخذنا بعد العشاء الرسمي إلى الحي القديم الذي يضم أحفاد تلك المجموعة العربية. فعلا رافقناه إلى هناك، في آخر الليل، حيث وجدنا صادحةً أغاني أم كلثوم وفيروز ومحمد عبد الوهاب فى فضاء ذلك الحي هم مواطنون سنغافوريون مندمجون تماما في المجتمع لكن ثقافتهم العربية بقي محتفظا عليها هناك..

كانت هناك رحلة أخرى إلى آسيا في ما بعد إلى اليابان (27/ 30 نونبر 2005)

كانت زيارة متميزة جدا، لأنها زيارة من ملك مغربي عربي إفريقي ينحدر من عائلة ملكية قديمة، إلى عائلة ملكية إمبراطورية قديمة أيضا بآسيا. بالتالي أحسست أن اليابانيين قد أعطوها نفحة زيارة عائلية، لأن الإمبراطور الياباني هيرو هيتو وزوجته هم من كانا حاضرين في كل المراحل البرتوكولية للزيارة، كان الأمر استقبال عائلة ملكية لعائلة ملكية.

أذكر أنه في التقليد الياباني يتقدم للسلام على الإمبراطور أعضاء الوفد المغربي واحدا واحدا، بينما يتقدم للسلام على العاهل المغربي أعضاء الحكومة اليابانية واحدا واحدا. وحين كنا نتقدم أمام الإمبراطور هيرو هيتو كنا نُعرفه باسمنا وصفتنا، وكان هو قد أخبر بتفاصيل مهام كل واحد منا، فكان يخصص دقيقتين لكل واحد منا يتجاذب فيها أطراف الحديث معنا.

حين جاء دوري تقدمت للسلام عليه، عرفته بمن أكون، فناقشني حول الأوضاع الاقتصادية بالمغرب وإفريقيا، وحول العملة المغربية، وكان جد متأدب. على أن ما بهرني في ذلك البرتوكول هو الدقة العالية في احترام المواعيد، إلى درجة أنه في حفل اختتام الزيارة، أخبرنا أن الحفل سينطلق في الثالثة زوالا، وفي الثالثة إلا دقيقة كنا جميعنا واقفين في صف منظم دقيق أمام باب مقفل، ودقيقة بعد ذلك فتح الباب، حيث كان الملك والإمبراطور واقفين وراء الباب، فكان ذلك قمة في الدقة العالية حيث سجلت حينها أن التشريفات الملكية المغربية احترمت كل الإحترام تلك الضوابط اليابانية.

كانت نتائج الرحلة الملكية إلى طوكيو مهمة اقتصاديا كذلك، اعتبارا لأن شراكتنا مع اليابانيين قديمة وقوية، حيث اجتمعت مع المسؤولين الحكوميين ومع مسؤولي البنك الياباني للتنمية والتعاون، الذي يدعم دوما مشاريع تنموية وازنة بالمغرب. وأكبر درس وقفت دوما عنده باليابان، هو أنه بلد حداثي جد متطور، لكنه لا يتنازل أبدا عن تقاليده ولا يفرط فيها. أكثر من ذلك الماضي والمستقبل متساكنان هناك، والحاضر يصنع ذلك التساكن بينهما ويعززه”.

  • هذا المقال هو جزء من ملف العدد 74 من مجلة “لسان المغرب”، لقراءة الملف كاملا يرجى الضغط على الرابط