أسطورة الشعب الصحراوي!
تكوين ومفهوم الشعب الصحراوي، أو شعب الصحراء الغربية، هو تكوين يماثل في سيرورة تاريخه مجمل شعوب المنطقة، منذ ما قبل وجود الاستعمار، وقبل تكوين الدولة الحديثة، أو حتى نخبها وتكويناتها التي صدرت حكامها تارة بسطوة المستعمر وأخرى بجذوره، وفي أُخرٍ نادر تكون من الشعب!..
الشعب الصحراوي، أو (الأسطورة) هو فعلا أسطورة نجت من قصف الحسن الثاني بالنابالم والفوسفور والأسلحة المحرمة دوليًا، وهو الذي قسمه المغرب بينه وموريتانيا (اتفاقية مدريد)، وهو الذي تحاوره الدولة المغربية في أروقة الأمم المتحدة..
من يجهل التاريخ عليه أن يغلق فمه بالحجج، وعندها لن يحتاج إلى غلق أفواه الصحراويين؛ لا بأحذية البوليس والعسكر، ولا بمأذونات الإنعاش الوطني (التي يصرف أكثرها في المخيمات)؛ فتلك أساليبٌ منتهية الصلاحية والتاريخ دائم!..
إن مخاتلة المصطلحات لا تحجب الحقيقة، والزمان كما التاريخ، مسغبة، والحل الذي يمكن أن يكون وفق ما أراه: هو استشارة الصحراويين؛ شعب الصحراء الغربية، أو الأطلسية، كما سميت قديمًا؛ كما يريد هذا الشعب بعيدًا عن أمراء الحرب التابعين للجزائر أو للقطط السمان المعلفين بريع المغرب..
الشعب الصحراوي وجوده ثابت حين قسمته إسبانيا بين المغرب وموريتانيا، وهو حاضر حين وقع سلام الشجعان معهما؛ أقرت به موريتانيا به كدولة، واعرف به المغرب كمفاوض، وهو أسطورة لأنه خرج من تحالف دولتين كانت إحداهما تطالب بالأخرى، حتى وقعتا عليه كمن يقع على كنزٍ تقاسمتاهُ تحت أعين المستعمر بكل جبروت..
“جبهة البوليساريو” منظمة تحررية لا تختزل الشعب الصحراوي؛ حتى لو دعمتها أحذية العسكر الجزائري الديكتاتوري، ولا تمثله الآلة المغربية في ريعها وهي الدولة غير ديموقراطية حتى لو دعمها العالم كله، وهي التي تريد الصحراء دون شعبٍ ولو بلغة النار والحديد، حتى لو كان الثمن أرواح الأبرياء من المغاربة والصحراويين؛ وكلهم جميعًا أنظمة فاسدة قمعية وأبناء أنظمة فاسدة وقمعية، لا ضمانة عندهم للإنسان كيفما كان، فما باك بالصحراوي؛ تلك الكرزة التي يريد الجميع تزيين كعكتة فشل نظامه بها!..
نحن قومٌ، لا نعادي أحدًا، ولم يسبق لنا ذلك، لا نريد غير دولةً مدنية ديموقراطية، تحفظ لنا كرامتنا في بوادينا أو في مدنكم؛ لا يهم؛ بيننا وبينكم صناديق الاستفتاء، دون ظلمٍ مغربيٍّ يسحل نساءنا في الشوارع، أو استغلالٍ جزائِريٍّ يزايد بنا في تصحر خيم “الحمادة”، ولا حتى بنفاقٍ شنقيطي إعترف بنا جمهوريةً بنظام ورفض كل حلٍ بنظامٍ آخر..
نحن لسنا انفصاليين فلا شيء يجمعنا بأحد حتى نقطعه، ولسنا دعاة حرب حتى نطلب الموت المقدس، نحن أصحاب حق؛ وما نطلبه هو أن تحفظ لنا حقوقنا كمواطنين لا كعبيد، وإلا فقد رفضنا وتسلقنا كل جبال الممكن والمستحيل.. من لدين مشروع حل فليتفضل به، وإلا فكلٌ هو مرتهن لما هو فيه..
وعليهم جميعا سأتبول ملء قلمي ومثانتي… ولو بقيتُ وحدي أصدح؛ لأني لا أنتمي لرقمٍ يضافُ إلى قوائم الأمم المتحدة، ولا لبقايا بشرٍ يحسبون إنسانًا في مخيمات تتنازعها الأهواء.. أنا من أناس نريد الكرامة فوق هذه الأرض، نريد دولةً تحفظ حقوقنا، بعيدًا عن عبودية السياسة أو رهانات الجغرافيا..
أنا لم آتي من فراغ أسطورة الخيال، ولا أنا قادم مع طلاب النجاة؛ بل أنا حفيد سيدة نجت من القصف، قصفٌ كان يمتطي شاحناتٍ مهترئةٍ ويحمل في يده قرآنًا مبتورًا من يد الله، وهو يسير جنوبًا في توسعٍ يدعي أنه زحفُ الربيع!..
هذا رأي سعيد المرابط، ولا يلزم غيره، قد لا يعجب الجميع، ولكنه رأي الكثير من الصحراويين، بعضهم أرغمه الريع على الصمت والبعض الآخر أرغمته الكرامة، وهناك من هو بين الحياة والموت ولا يعرف المغرب ولا الجزائر وينتظر متى يرجع للعيون، وفيهم حامل السلاح والسلمي، المثقف والأمي؛ وكلهم صحراويون يبحثون عن حل… عن الحل، بعيدا عن حكم “محكمة العدل الأوروبية” وعن قرارات “الأمم المتحدة”؛ حيث لا يمكن أن يكون المغرب هو المُطالب في الأمس بمغربية موريتانيا هو ذاته الذي اقتسم أرض الصحراء معها، هو عينه من يريد الصحراويين عن بكرة أبيهم بتقسيم إسباني… ولنا في ما يجري في سبتة ومليلية عبرة!
ولكنّهم ليسوا أسطورة!