أساتذة وباحثون يقاربون دور التلفزيون في صناعة القيم

أكدت الإعلامية والكاتبة مونية المنصور أن التلفزيون مؤسسة إيديولوجية ليست بريئة، “يُدافع عمّا يريد صانع القرار إظهاره من قيّمٍ ويُخفي ما يُريد إخفاءه، موردةًَ أن هناك باحثون وصفوه، في ستينيات القرن الماضي، بـ«دين الدولة الجديد».
جاء ذلك في مداخلةٍ لها ضمن ندوة نظّمها مسار التميّز في الصحافة والإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة بني ملال، مساء الأربعاء 9 أبريل الجاري، بعنوان «قراءة في كتاب: التلفزيون المغربي وصناعة القيّم»، لمؤلفته مونية المنصور.
وأوضحت صاحبة الكتاب أنّ «زاوية أخذ الصورة، على سبيل المثال، لها دلالات ورسالة معينة، ويحكمها منطق معيّن، إذ أنّ عمليّة تفضيل زاوية على حساب زاوية أخرى تدخل فيها الذاتية، ففي التلفزيون لا شيء بريء 100 في المائة».
وعن كيفيّة غرسِ التلفزيون لقيم معينة على حساب أخرى في ذهنية المتلقي، نبّهت الإعلامية والباحثة الأكاديمية إلى «الإنتاجات الدرامية» معتبرة إياها من أخطر المحتويات الإعلامية وأكثرها تأثيرا على المتلقي لأنها تلعب على التضخيم والتشويق وعلى مُخاطبة العواطف.
وفي هذا السيّاق تساءلت: «هل المتلقي، عندنا، مسلح بأدوات إعلامية؟ هل يعرف كيف يستخدمها؟ وهل يفهم كيف يفك شفراتها؟».
المُحافظة أم الصِّناعة؟
وضمن المداخلة ذاتها، أوردت الإعلامية أنّ المغاربة لا يزالون يتابعون إنتاجات التلفزيون على الرغّم من كلّ الانتقادات؛ إذ أن كثرة النقد يعني الاهتمام والمشاهدات، مستدلة بالنّقاش أو الجدل الذي يُرافق الانتاجات الدارمية خلال شهر رمضان.
وكانت أغلب مدخلات وأسئلة الطلبة تصب في اتجاه مفاده: «هل يُعتبر التلفزيون جهازا للتكريس والحفاظ على قيّم موجودة داخل المجتمع أم أنه يصنع قيماً جديدة؟».
وتعليقا على ذلك، قالت مونية المنصور: «أعتقد أن التلفزيون مرآة للمجتمع؛ إذ يعكس ما يقع داخله، مع العلم أن من أدواره التصحيح والضبط للحفاظ على نسقٍ قيمي يضمن تماسك المجتمع، فلا يُمكن أن نتخيّل مؤسسات مترابطة ومجتمع متماسك دون وجود قيم».
وتساءلت: «كيف يمكن أن نحصن هذا الجيل حتى لا يكون هشا؟ كيف يمكن تأطيره حتى لا يكون مهووسا بشكل مرضي بجسده؟ حتى يُقدر ذاته؟ وحتى لا يكون ضحية للمقارنات الاجتماعية التي تُغذيها وسائل التواصل الاجتماعي؟»، مشيرة إلى أن التلفزيون يتحمّل مسؤولية تُجاه المجتمع، باعتباره يُقدّم خدمة عمومية.
تحوّلات داخل المجتمع
وفي نفس السياق، أشار الأستاذ والصحافي محمّد جليد إلى الانتقادات التي تُوجه للإنتاجات التلفزيونية، قبل أن يتساءل: «ما الذي يُوجد داخل المجتمع؟»، مورداً أن «السوشيال ميديا كشفت كل شيء تقريبا في الوقت الراهن».
وذكر الأستاذ الجامعي أن «الأسرة المغربية ظلت، إلى وقتٍ قريب، تعتمد في بناء قيمها ونقلها من جيل إلى آخر على الإرث الشفوي وعلى الطقوس والعادات»، مضيفا أنه «مع انتشار وسائل الإعلام الحديثة، لا سيما التلفزيون ووسائط السمعي البصري، أصبحت هذه المهمة موكولةً بشكل كبير إلى السرديات الدرامية وبرامج الواقع وغيرها».
ويرى جليد أن الإشكالية الأعمق، في الوقت الراهن، تكمن في تحوّل التلفزيون نفسه من أداة توحيد وطني، كما كانت في حقبة القناة الواحدة، إلى فضاء تعددي يعكس تنوع المجتمع ويعكس أيضا انقساماته.
وأبرز المتحدث أنّ هناك «قنوات محافظة تعيد إنتاج الخطاب التقليدي المحافظ، وأخرى تتبنى توجها ليبيراليا أو تقدميا يتواءم مع الاقتراحات الدولية حول حقوق الإنسان».
خلخلة القيّم السائدة
وقال الأستاذ الجامعي إنّ «هذا التعدد يُخلخل فكرة القيم السائدة، إن لم نقل يُضعفها، كما يفتح الباب أمام أسئلة جوهرية، منها: من يملك حق تعريف القيم المغربية في عصر التعدد الإعلامي؟».
وطرح محمد جليد في هذا الصدد فكرة مثيرة تتمثل في أن «المشاهد المغربي ينتقل على الفور من مسلسل تُركي أو مكسيكي يعرض حياة أرستقراطية مشحونة بالقصص حول الانحلال الأخلاقي إلى برنامج ديني يدعو إلى الاستقامة والتحلي بالأخلاق الحميدة؟».
وأوضح «صحيح أن هذا الانتقال يعكس من ناحية ما، تعددية في المضمون، لكنه قد ينتج وعيا متناقضا ويخلق شتاتا قيميا».
التفاوض حول القيّم
ومن جانبه، أبرز الطالب الباحث في سلك الدكتوراه، أيوب الظهراوي، أن مجال القيّم هو مجال للتفاوض المجتمعي، متسائلا: ماهي قيّم المجتمع المغربي إذا ما استحضرنا اختلاف المشارب والاتجاهات الإيديولوجيا؟
وجوابا عن السؤال، يرى الطالب الباحث أن المجتمع سيكون دائما أمام محطات تفاوضية حول القيّم، معتبرا أن الإعلام هو الأداة الوسطى أو السليمة لتأطير هذا التفاوض المجتمعي المستمر.
وضمن مداخلته التي قدّم فيها قراءة لكتاب “التلفزيون المغربي وصناعة القيّم”، تساءل الظهراوي إلى أي حد يلتزم التلفزيون المغربي بالمساهمة في ترسيخ القيّم مثل قيمة تماسك المجتمع أو قيمة تعزيز روابط الأسر؟
وأضاف «ما مدى تطابق مضامين برنامج “مداولة” مع واقع الأسر المغربية؟ مثلا»، مردفا: «ليست كل الأسر المغربية تعيش صراعات داخلية.. عموما هذا مجال فتحه الكتاب أمام الباحثين للبحث فيه بتقنيات أخرى عن طريق الاستبيانات والمقابلات وعن طريق العينات».
وفيما افترض الظهراوي أن «برنامج مداولة» يهدف إلى زرع قيم في الأسر المغربية عن الطريق «التعليم بالنقيض»؛ أي أنه يهدف من خلال القصص الدرامية التي يبثها إلى إرسال رسالة مفادها «تجنّب فعل بعض الأمور كي لا تصل للمحاكم»، فقد تساءل: «هل هاته الطريقة صحيحة من الناحية البيداغوجية؟».
ويرى أن المواضيع التي يتناولها برنامج مداولة يُمكن أن تعزّز عدم الأمن في العلاقات، فعلى سبيل المثال، يمكن للمشاهد الدرامية المتمثلة في “الزوجة تسرق زوجها” و”الزوج يعنّف الزوجة” أن يزرع قيما داخل المجتمع من قبيل “اتخاذ الحذر من الزوجة ومن أمها”، معتبرا أن هذا «لا يبني أسرا متماسكة».
مضامين الكتاب
وضمن الندوة ذاتها، قدّمت الطالبة الباحثة في سلك الماستر، أسماء برطالي، قراءةً في كتاب “التلفزيون المغربي وصناعة القيّم”، من خلال الشكل والمضمون.
وأبرزت الطالبة الباحثة أن الكتاب الذي يضم حوالي 300 صفحة من الحجم المتوسط، ينقسم إلى شقين؛ شق نظري يحتوي على المفاهيم والنظريات والإشكالية المؤطرة لأطروحة الكتاب، وشق ميداني تناولت فيه الكاتبة مضامين بعض حلقات برنامج “مداولة”.
وكشفت الطالبة الباحثة في مداخلتها أن صاحبة الكتاب اعتمدت على مرجعيات نظرية أبرزها «نظرية الغرس الثقافي» و«نظرية التلقي» و«نظرية المسؤولية الاجتماعية»، على اعتبار أن التلفزيون له دور تأطيري بالغ الأهمية إلى جانب مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالمدرسة والأسرة.
جدير بالذكر أن الندوة، التي سيرتها الأستاذة مليكة الزخنيني، أشرف على تنظيمها الأستاذ إدريس جبري، منسق مسار التميز في الصحافة والإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة السلطان سلميان، بمدينة بني ملال.
*المحفوظ طالبي