أزمة داخلية وخلافات حول الميزانية.. المجلس الجماعي بمولاي يعقوب على صفيح ساخن
يشهد المجلس الجماعي لمولاي يعقوب، خلال الأسابيع الأخيرة حالة من الشد والجذب، إذ وبعد توقيفه عن مهامه رفقة رئيس الجماعة وعدد من الأعضاء، يرفض النائب الأول للرئيس يوسف بابا ما يعتبره محاولات للعبث بميزانية سنة 2026، رغم حسمها بشكل قانوني ونهائي خلال الدورة العادية لشهر أكتوبر 2025.
وأوضح بابا، في هذا السياق، أن إعادة طرح ميزانية سنة 2026 للمناقشة خارج الإطار القانوني يشكل “ذبحاً صريحاً” لمقتضيات القانون التنظيمي، “وتنكرا فجا لانتظارات ساكنة مولاي يعقوب التي تنتظر تدبيراً مسؤولاً يخدم المصلحة العامة، لا العبث بالمؤسسات من الوريد إلى الوريد”.
أصل الصراع
وبالعودة إلى جذور الأزمة، تعود بداية التوترات إلى سنوات خلت، بعدما أفرزت نتائج الانتخابات الجماعية، أغلبية هشة، يقودها حزب الحركة الشعبية، في مقابل معارضة يقودها حزب الأصالة والمعاصرة.
ومنذ ذلك الحين، عرف المجلس حالة شد وجذب بين الأغلبية والمعارضة، تخللتها صعوبات في عقد الدورات وتأجيل بعضها، قبل أن يحتد الصراع بشكل أكبر مع نهاية سنة 2024.
حينها، تقدمت المعارضة بشكاية لدى النيابة العامة، تتهم رئيس الجماعة ياسين الشرقاني الحسني ونائبه يوسف بابا وموظفين بـ “التزوير في ملفات العمال العرضيين والإنعاشيين، والتلاعب في الصفقات، واختلالات إدارية ومالية”.
وبعد تحريك الشكاية، أحيل الملف على قاضي التحقيق، الذي استمع إلى جميع الأطراف، وقرر متابعة الرئيس ونائبه وموظف بالجماعة في حالة سراح، قبل إحالة الملف على غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بالجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بفاس.
وأسفرت المحاكمة عن إدانة الرئيس والموظف بستة أشهر حبسا نافذا، مع براءة نائب الرئيس يوسف بابا، ليتجدد الصراع فيما بعد.
وتواصلت، على إثر ذلك، حالة الشدّ والجذب بين السلطة المحلية، ممثلة في مصالح عمالة إقليم مولاي يعقوب، ورئيس الجماعة، حيث يوجّه أعضاء المجلس اتهامات للسلطة بـ “عرقلة عمل المجلس خدمةً لطرف سياسي معين”، في إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة، وبالسعي إلى “فرض رئيس على المقاس”.
وتواصل هذا التوتر إلى أن صدر الأربعاء 17 دجنبر الجاري قرار توقيف الرئيس وأربعة أعضاء آخرين عن مزاولة مهامهم بالمجلس الجماعي، بدعوى “تضارب المصالح”، وهو ما ينفيه يوسف بابا، نائب الرئيس، مؤكداً “عدم وجود أية علاقة له بشركات داخل النفوذ الترابي للجماعة”.
ويتعلق أمر التوقيف بالرئيس الشرقاني ونائبه بابا ومحمد الزعر النائب الثالث، وكريم بوعلام كاتب المجلس، ورشيد الرياحي نائب كاتب المجلس، إضافة إلى محمد محصون نائب رئيس لجنة المرافق العمومية والخدمات، المنتمي للمعارضة.
وبعد أن توصل المعنيون بالأمر، بقرار التوقيف، جرى إشعارهم بضرورة تسليم السيارات الوظيفية، وهو ما تم فعلاً، غير أن هذا القرار يهم التوقيف عن المهام فقط، ولا يرقى إلى العزل الذي يبقى من اختصاص القضاء.
وفي هذا الإطار، أحال عامل إقليم مولاي يعقوب ملف المعنيين بالأمر على المحكمة الإدارية بفاس، التي يرتقب أن تبت في قرار عزلهم من عدمه خلال جلسة يوم الثلاثاء 29 دجنبر 2025، وذلك استنادا إلى مقتضيات المادتين 64 و 65 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية.
حرب ضروس ضد المجلس
وفي سياق متصل، اعتبر يوسف بابا أن ما يجري يشكل “حرباً ضروساً” ضد المجلس الجماعي، مشيراً إلى “وجود شكايات كيدية تستهدف بعض أعضائه”، وأكد أن “أعضاء المجلس يشعرون بأنهم مستهدفون من طرف بعض الموظفين داخل العمالة”، مشدداً على أنه “سيعمل على تقديم ما يثبت هذه المعطيات أمام القضاء خلال الجلسة المرتقبة”.
كما اتهم ما سماه “تحالفا” بين بعض أطراف المعارضة والعامل السابق، وبتنسيق مع رئيس قسم الجماعات الترابية، بهدف إسقاط المجلس، مؤكدا أن “هذه المعطيات موثقة بمحاضر ومراسلات رسمية”.
وأشار بابا إلى أن “التوقيت الذي جاءت فيه قرارات التوقيف يثير أكثر من علامة استفهام، خاصة أنها تزامنت مع التحضير لدورة استثنائية كان المجلس يعتزم خلالها استدعاء مدير وكالة حوض سبو، لمساءلته حول استغلال بعض المنشآت المائية المرتبطة بحامات مولاي يعقوب، واستعمال المياه الباطنية دون عقود”.
واعتبر أن “هناك جهات لا تروقها صراحة المجلس ونزاهته وفضحه للمستور”، موردا أن “التماسيح والعفاريت تسعى إلى التشويش وإسقاط المجلس”.
كما استحضر المتحدث عرضا قدمته عمالة مولاي يعقوب بتاريخ 23 ماي 2025، يتعلق باتفاقية لترحيل الساكنة قسرا إلى منطقة زليليك، مؤكدا أن “المجلس، أغلبية ومعارضة، رفض هذا المقترح، باستثناء بعض أعضاء المعارضة الذين اتهمهم بالتحول إلى مسوطة وجلاد ضد الساكنة وخدمة أجندات داخل العمالة”.
وحذر يوسف بابا مما وصفه بمحاولات “جلب مجلس على المقاس”، داعيا الساكنة إلى اليقظة ومشددا في نفس الوقت، على خطورة تمرير قرارات مستقبلية قد تمس مصالح المواطنين.
وعبر في هذا الصدد، عن أمله في أن يخيب قرار المحكمة التوقعات التي تراهن على إسقاط المجلس، مشددا على أن “التوقيف أربك أشغال الدورة الاستثنائية التي كان من المقرر عقدها، والتي كانت تنتظرها الساكنة، خاصة وأن جدول أعمالها كان يتضمن نقاطا تتعلق بالميزانية ومراسلة لعامل الإقليم”، واعتبر أن “ما جرى أثر بشكل مباشر على السير العادي لشؤون الجماعة”.
ميزانية نهائية وواجبة التنفيذ
وبخصوص رغبة السلطة في إعادة طرح ميزانية مجلس جماعة مولاي يعقوب لسنة 2026 للنقاش وعقد اجتماع بهذا الخصوص، يرفض أعضاء المجلس الموقوفون هذا الأمر بشكل قاطع، معتبرين أن “الميزانية تمت المصادقة عليها وفق المساطر القانونية وأصبحت حائزة لقوتها القانونية، ولا تقبل أي إعادة مناقشة خارج الإطار الذي يحدده القانون”.
وأوضح بابا في آخر خروج له، أن “ميزانية 2026 تمت مناقشتها والتصويت عليها وفق المساطر القانونية المعمول بها، واستوفت جميع الشروط المنصوص عليها في القانون التنظيمي رقم 113.14، قبل أن تتجاوز مرحلة التأشير المنصوص عليها في المادة 118، ما يجعلها نهائية وواجبة التنفيذ”.
وانطلاقاً من ذلك، اعتبر المتحدث أن الاجتماع الذي انعقد صباح يوم الخميس 18 دجنبر 2025، والذي تم خلاله التداول في موضوع الميزانية، يُعد اجتماعاً “غير قانوني، غاب عن أشغاله جميع الأعضاء المنتخبين الشرعيين”.
وذكر بابا أن الاجتماع حضره فقط النائب الثاني وأربعة أعضاء من المعارضة، من بينهم مستشارون سبق أن تمت معاينة إقالتهم خلال دورات سابقة، وهو ما يفقدهم، حسب قوله، الصفة التمثيلية القانونية.
ويتعلق الأمر، بالمستشارة خديجة بونواضر التي تمت معاينة إقالتها خلال دورة ماي 2025، والمستشار اليزيد شكراني الذي تمت معاينة إقالته خلال دورة أكتوبر 2025، “ما يجعل كل ما ترتب عن الاجتماع منعدماً قانوناً”، وفق تعبيره.
واعتبر بابا أن “خطورة ما وقع لا تتوقف عند حدود الخرق المسطري، بل تمتد إلى ما وصفه بالإجهاز على الديمقراطية المحلية، وضرب مبدأ الشرعية، والتنكر لانتظارات ساكنة مولاي يعقوب”.
كما لفت إلى حضور باشا باشوية مولاي يعقوب لهذا الاجتماع، وهو ما يطرح بحسبه تساؤلات حول احترام مبدأ الحياد الإداري، وصون المشروعية القانونية، وضمان سلامة المسار الديمقراطي داخل الجماعة.