أرقام مخيفة واستثمارات ضخمة.. كيف كان اقتصاد المغرب خلال عام 2024؟

على أعتاب نهاية سنة 2024، تراكمت طوال السنة الحالية أحداث ومحطات فاصلة في صفحة الاقتصاد المغربي، بدءًا من زخم سوق الاستثمارات في المغرب الذي حتمه مونديال 2030، وصولًا إلى الزوبعة الأخيرة التي خلفتها شبهة “تضارب المصالح” التي لاحقت رئيس الحكومة عزيز أخنوش وحزبه، كل ذلك وسط “تراجع مخيف” في مؤشرات التنمية الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وتحسن أخرى كالتضخم الذي رافق المغرب طوال المدة التي تلت جائحة كورونا.
سوق ضخم للاستثمارات
فور إعلان المغرب عن حجم الاستثمارات التي ينوي القيام بها في إطار استعداده لاحتضان كأس العالم لسنة 2030، إلى جانب كل من إسبانيا والبرتغال، سارعت عدد من الدول إلى “تَصرِيف” علاقاتها الجيدة مع المغرب للاستفادة للحصول على حصتها من سوق الاستثمارات في المغرب في السنوات المقبلة.
هذا “السباق المحموم” حمل رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، إلى الرباط في فبراير الماضي لضمان حصة للشركات الإسبانية من سوق الاستثمارات، التي صرحت الحكومة الإسبانية آنذاك أنها قد تصل إلى 45 مليار دولار، حيث تركزت اهتمام الشركات الإسبانية بقطاع الماء والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى قطاع النقل بالسكك الحديدية.
بالموازاة مع ذلك، شهدت العلاقات المغربية الفرنسية “جمودًا” ألقى بظلاله على الشراكات الاقتصادية بين البلدين، وهو ما عزز طموح عدد من الدول بالحصول على حصة من الاستثمارات المغربية، خصوصًا في ظل استمرار فرنسا على رأس قائمة أكبر المستثمرين في المغرب، قبل أن يتغير الوضع مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة، وقبلها الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء اللذان أحيا دينامية استثمار الشركات الفرنسية بالمغرب.
وقد فتحت هذه الزيارة فصلاً جديدًا في العلاقات المغربية الفرنسية، يعكسه توقيع 22 اتفاقية استثمار بين البلدين بقيمة إجمالية بلغت 10 مليارات يورو (حوالي 100 مليار درهم)، حصلت بموجبها فرنسا على حصة من الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية التي ينوي المغرب القيام بها، خاصة على مستوى السكك الحديدية والطاقة المتجددة.
تراجع معدل التضخم
شهد العام الجاري خروج المغرب من واحدة من أكبر الأزمات التي عصفت باقتصاده، بعد تسجيله لنسبة تضخم بلغت 6.3% خلال سنة 2023، يتوقع بنك المغرب أن يتراجع المعدل هذه السنة إلى 1% قبل أن يبلغ 2.4% سنة 2025، وهو ما ينهي أزمة استنزفت بشكل كبير جيوب المغاربة واضعفت قدرتهم الشرائية.
وقد أدى هذا التراجع في المعدل إلى خفض البنك المركزي المغربي لسعر فائدته في مناسبتين بواقع 25 نقطة أساس، لينخفض المعدل من 3% التي بدأ بها العام الجاري إلى 2.5% عقب آخر اجتماع فصلي له هذه السنة، وذلك بهدف تخفيف تكاليف الاقتراض، لدعم المشاريع الاستثمارية الضخمة التي تقودها المملكة، خصوصاً تلك المتعلقة بالاستعدادات لاستضافة كأس العالم 2030، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية.
“تضارب المصالح”
ولم يخلُ عام 2024 من أحداث أثرت سلبًا على مناخ الأعمال بالمغرب، ولعل أبرز هذه الأحداث فوز شركتين لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش رفقة شركة إسبانية، بصفقة بناء محطة تحلية المياه بالدار البيضاء، التي ستكون الأكبر من نوعها على المستوى القاري، حيث كشف حزب العدالة والتنمية “تورط” أخنوش في مختلف مراحل الصفقة بدءًا من إطلاق طلب العروض المعني من طرف المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، الذي يعتبر رئيس الحكومة رئيسًا لمجلسه الإداري.
كما أشار حزب “المصباح” إلى أن أخنوش عبَّد الطريق للاستفادة من صفقة تحلية المياه بتعديل أدرج في قانون مالية 2023، يضمن استفادة الشركة الحاملة للمشروع، والتي تم تأسيسها بعد فوز تحالف أخنوش بالصفقة، من تخفيض على مستوى الضريبة على الشركات، وذلك قبل أزيد من سنة على تأسيسها.
ولم تغادر شبهة “تضارب المصالح” حزب رئيس الحكومة، وهذه المرة مع تعديل أدرج في القراءة الأولى لمشروع قانون مالية العام الجديد، حيث يقضي التعديل الذي قدمته فرق الأغلبية، ووافقت عليه الحكومة آنذاك، بتخفيض الرسوم الجمركية من 40% إلى 2.5% على استيراد عسل المائدة بالعبوات، وهو ما أثار حفيظة أحزاب المعارضة ومربي النحل في المغرب، خصوصًا في ظل ارتباط هذا التعديل باسم نائب برلماني في حزب رئيس الحكومة يستحوذ على الحصة الأكبر من إجمالي العسل المستورد.
استيراد المواد الأساسية
في ظل أزمة الجفاف التي يعيش المغرب على وقعها للسنة السادسة على التوالي، اتجهت الحكومة الحالية إلى فتح الباب أمام استيراد عدد من المواد الأساسية، على رأسها الأغنام والمواشي خاصة قبيل عيد الأضحى، حيث بلغ إجمالي المواشي المستوردة خلال السنة الجارية أزيد من مليون رأس حسب تصريحات وزير الفلاحة أحمد البواري، وذلك لمواجهة أزمة الخصاص التي يعاني منها القطيع الوطني، والتي رفعت الأسعار إلى مستويات غير معهودة.
ورغم فتح الباب أمام الاستيراد قبيل عيد الأضحى، اشتكى العديد من المغاربة من “الأسعار الملتهبة” التي عرفتها أضاحي العيد، مما حرم العديد من العائلات من الاحتفال بهذه الشعيرة الدينية، وهو ما دفع العديد من المراقبين إلى انتقاد مقاربة الحكومة لمعالجة مشكلة عدم توفر وغلاء اللحوم، معتبِرين إياها “حلولا ترقيعية تؤدي إلى تبديد الأموال العمومية دون أثر يُذكر على أسعار اللحوم والأضاحي التي بلغت مستويات قياسية”.
وإلى حدود اليوم، لا زالت العديد من المدن المغربية تعيش على وقع موجة الغلاء الذي يطبع أسعار اللحوم الحمراء، والتي لا زالت عند مستوياتها المرتفعة رغم إصدار المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية قرارًا يسمح باستيراد اللحوم الحمراء المذبوحة (المجمدة أو المبردة)، مع تحديد لائحة الدول التي يسمح بالاستيراد منها.
وقد امتدت لائحة المواد التي فتحت الحكومة باب استيرادها لتشمل زيت الزيتون لمواجهة التراجع الكبير في الإنتاج الوطني، الذي قفز بأسعار هذه المادة إلى 150 درهمًا للتر الواحد، وهو ما يشكل ضغطًا كبيرًا على القدرة الشرائية للمغاربة نظرًا لما تكتسيه هذه المادة من أهمية في الاستهلاك الغذائي اليومي.
لعبة الأرقام القياسية
ورغم وضع الحكومة للاستيراد على رأس حلولها لتعويض تراجع إنتاج العديد من المواد الأساسية كالزيوت واللحوم والحليب والقمح وغيرها بحجة “الجفاف”، لا زال المغرب يواصل لعبة تحقيق الأرقام القياسية في صادراته من التوت والفواكه الحمراء والبطيخ والأفوكادو والطماطم الكرزية وزيت المائدة.
فقد بلغ إنتاج المغرب من فاكهة الأفوكادو لموسم 2023-2024 حوالي 70 ألف طن، في حين بلغت الصادرات منه ما يقرب من 60 ألف طن، وذلك رغم الأبحاث العلمية التي تشير إلى أن هذه الفاكهة تُعد من أكثر المواد استهلاكًا للفرشة المائية، حيث تشير مجلة “هيدرولوجيا وعلوم نظام الأرض” العلمية إلى أن كيلوغرامًا واحدًا من الأفوكادو يتطلب في الحقيقة ما يناهز 2000 لتر من الماء.
وتُعتبر فاكهة التوت الأزرق مثالًا آخر على هذا التوجه في الصادرات الفلاحية، والذي لا يعكس الحالة الحرجة التي وصلت إليها الوضعية المائية بالمغرب، بحيث أنه رغم المعطيات العلمية التي تبرز أن كيلوغرامًا واحدًا من هذه الفاكهة يحتاج إلى 845 لترًا من الماء، إلا أن المغرب كان قد حقق رقمًا قياسيًا جديدًا خلال موسم 2023/2024 الذي انتهى في يونيو الماضي، ببلوغه حجم صادرات بلغ أزيد من 67 ألف طن.
معدلات بطالة مرتفعة
بالإضافة إلى كل هذا، شهدت السنة الجارية ارتفاع معدل البطالة في المغرب إلى أعلى مستوى له، ببلوغه نسبة 21.3% حسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، متجاوزة بذلك معدل 13.6% الذي أبانت عنه آخر تحديثات المندوبية السامية للتخطيط التي تتم بصفة دورية، وهو ما اعتبره مراقبون “رقمًا مخيفًا” يعكس “فشل السياسات الحكومية” في مجال التشغيل.
وينضاف إلى هذا الرقم، المعطيات التي سبق أن أعلن عنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في ماي الماضي، والتي كشفت أن عدد الشباب “خارج التعليم والعمل والتكوين” والمعروفين اختصارا بشباب “نييت”، يبلغ 4.3 مليون شاب وشابة ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة، مبرزًا أن النساء يشكلن 73 بالمائة من هذه الفئة، وهو ما يرسم صورة “أكثر قتامة” عن وضع الشباب في المغرب.