أحمد فرس.. عظيمٌ عاش في ثوب البسطاء

ص
ص
أحمد فرس أسطورة كرة القدم المغربية و”مول الكرة” الذي انتقل إلى جوار ربه عشية اليوم الأربعاء 16 يوليوز 2025 بقدر شموخ المكانة الكروية التي بلغها، بقدر ما عاش متواضعا بسيطا لم تغير إنجازاته الشخصية شيئا من معدنه الأصيل.
كان الراحل يجد صعوبة كبيرة في الحديث عن نفسه. فالعميد التاريخي للمنتخب المغربي، وأول لاعب عربي يتوّج بالكرة الذهبية الإفريقية سنة 1975، يفضّل الحديث بصيغة الجمع، ناسبا كل الإنجازات إلى العمل الجماعي، سواء رفقة المنتخب الوطني أو فريقه الأم شباب المحمدية.
ذاك التواضع الهادئ ظل رفيقه منذ بزوغ نجمه في ستينيات القرن الماضي، لاعبًا خجولًا، ثم نجمًا بارزًا، ثم مدربًا ومسيرًا.
ورغم كل العروض المغرية التي تلقاها، ظل وفاؤه لشباب المحمدية أقوى من أي إغراء، بما في ذلك عرض خيالي من نادي ريال مدريد عام 1972، حين جاء رئيسه شخصيًا إلى مدينة المحمدية لمحاولة إقناعه، دون جدوى.
يرتبط اسم أحمد فرس في ذاكرته وذاكرة المغاربة، بالمواقف النبيلة، ومن أبرزها لحظة خروجه من نهائي كأس العرش سنة 1979، حين اقترب منه الملك الراحل الحسن الثاني ليواسيه بكلمات خالدة: “لا عليك يا فرس، نسمع عنك دائمًا كل الأخبار الجيدة. الله يرضي عليك ويوفقك دائمًا.”
لقد كان فرس أول من أدخل الكرة المغربية إلى نادي الكبار في إفريقيا. نال الكرة الذهبية الإفريقية عام 1975، وتُوّج مع المنتخب الوطني بكأس إفريقيا الوحيدة في تاريخ المغرب سنة 1976 بإثيوبيا. وإلى اليوم، لا يزال يتربع على صدارة الهدافين في تاريخ المنتخب بـ42 هدفًا.
منذ ظهوره الرسمي الأول في مونديال 1970 بالمكسيك، لفت الأنظار بمهاراته العالية، وقيادته الذكية، وكان حاسمًا في تأهل المغرب إلى تلك البطولة، بعد منافسة قوية مع تونس وغانا ونيجيريا والسنغال. كما شارك في الألعاب الأولمبية سنة 1972، وواجه منتخبات من العيار الثقيل كألمانيا الغربية والاتحاد السوفييتي، مسجلًا ثلاثة أهداف.
وعلى صعيد البطولات الإفريقية، ظل فرس الهداف التاريخي للمنتخب الوطني بستة أهداف، وكان هداف أولمبياد ميونيخ، وهداف البطولة المغربية في مناسبتين (1969 و1973). وبالرغم من كل هذه الإنجازات، لم يرتدِ يومًا قميصًا غير قميص شباب المحمدية، الذي لعب له لما يقارب عقدين من الزمن، قبل أن يعتزل سنة 1982 ويتحول إلى عالم التدريب.
حقق مع شباب المحمدية بطولة المغرب سنة 1980، وكأس العرش سنة 1975، وبلغ النهائي سنة 1979. كما فاز بكأس المغرب العربي وكأس الصحراء. وكان أول لاعب مغربي يسجل في الأقاليم الصحراوية المغربية بعد استرجاعها من المستعمر الإسباني، حسب رفيقه الكاتب الصحافي عبد العزيز بلبودالي.
فرس لم يكن نجمًا عابرًا. لقد رفض الشهرة العالمية والاحتراف في كبريات الأندية الأوروبية والخليجية، مفضلًا البقاء بجانب زملائه في مدينته وبين جماهيره. بل إن نادي ريال مدريد لم يكتفِ بالوسطاء، بل أوفد رئيسه “سانتياغو بيرنابيو” إلى المغرب عام 1972 في محاولة لضم فرس، غير أن الأخير أبى أن يترك مدينته وناديه.
تلقّى عروضًا من أندية فرنسية وأمريكية وخليجية، أبرزها من نادي باستيا وكوزموس الأمريكي، فضلًا عن فرق من السعودية والإمارات، لكنه زهد في المال والنجومية، متمسكًا بقيم الوفاء والانتماء.
ورغم ما قدمه، عاش فرس محنة إنسانية مؤلمة سنة 2008، عندما تم الحجز على منزله بسبب ملف ضريبي تبين لاحقًا أنه كان ضحية له. وهو القرار الذي أثار استغراب الرأي العام المغربي والعالمي، إلى أن تدخل الملك محمد السادس، فأنهى معاناته، وسوّى ملفه المالي، وأعاد الطمأنينة لعائلته.
أمضى أحمد فرس سنوات عمره قبل محنة المرض ملازما لعالم كرة القدم بكل حيوية الشباب، من خلال مدرسة “أشبال الأطلس”، حيث كان يُدرّب الأطفال، ويعيش حياة بسيطة، متواضعة، خالية من مظاهر الرفاه، حتى أن مقربيه كانوا أحيانا يجدون صعوبة في تحديد مكان وجوده، لأنه كان يرفض أن يمتلك هاتفًا محمولًا. من يعرفه عن قرب، يلمس فيه صفات الرجل الوطني المخلص، المتواضع، الزاهد.
أحمد فرس كان لا يرى في نفسه نجمًا صنع المجد وحده، بل دائمًا ما ينسب النجاح لكل من رافقه في رحلته، كما عبّر عن ذلك في تصريح مؤثر: “أدين بكل شيء لكل من رافقني في هذا المشوار: زملائي، أصدقائي، الجماهير، الصحافة، العائلة الملكية… شكرًا للجميع، وشكرًا جلالة الملك.”
لقد كان الراحل أحمد فرس – وسيبقى – من أعظم ما أنجبته الكرة المغربية، ليس فقط بإنجازاته، بل بتواضعه، ووفائه، ونبله.