أحد أبطال “نفق الحرية”.. من هو “تنّين جنين” المفرج عنه في “طوفان الأحرار”؟
“سُجِن، ثم حَفر حفرة مستحيلة وخرج منها، فعلاً قصته لا تصدق”. بهذه العبارة وصفت متضامنة أجنبية قصة زكرياء الزبيدي، الذي أُفرج عنه، الخميس 30 يناير 2025، مقابل المجندة الإسرائيلية الخامسة، في الدفعة الثالثة للمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل.
وجاء وصف المتضامنة الأجنبية تعليقاً على حدث “نفق الحرية”، في شتنبر 2021، والذي استطاع الزبيدي من خلاله مع 5 أعضاء من حركة الجهاد الإسلامي الفرار عبر نفق حفروه أسفل سجن جلبوع الحصين، كما أنه كان تفاعلاً مع رد زكرياء عليها عندما أرادت كتابة قصته، قائلاً: “لن تقدري لأنك لن تصدقيها”.
وتأتي عمليةالإفراج عن زكرياء الزبيدي في إطار صفقة التبادل “طوفان الأحرار”، ضمن 110 أسرى فلسطينيين 32 منهم محكومون بالسجن المؤبد و48 من ذوي الأحكام العالية و30 من الأطفال.
من هو زكريا الزبيدي؟
زكريا محمد عبد الرحمن الزبيدي، ولد عام 1976 في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، هو أحد قادة كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وعضو سابق في المجلس الثوري للحركة.
يتمتع الزبيدي بتاريخ طويل من النضال، إذ نفذ العديد من العمليات العسكرية في الضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقاد النشاط العسكري للكتائب إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000، تعرض على إثر ذلك للعديد من محاولات الاغتيال الفاشلة، وكما كان لسنوات على رأس المطلوبين لسلطات الاحتلال، ليواجه الاعتقال مرات عدة، آخرها إعادة أسره في أعقاب محاولة الهروب الكبير عبر “نفق الحرية من سجن جلبوع عام 2021.
انضم زكريا إلى جامعة بيرزيت في ماي 2017 لمتابعة الدراسات العليا، إذ التحق بقسم الدراسات العربية المعاصرة لنيل درجة الماجستير، التي اختار لها موضوعاً من وحي تجربته النضالية، حمل عنوان “الصياد والتنين: المطاردة في التجربة الفلسطينية من عام 1968 إلى 2018″، تقمص فيها زكريا شخصية التنين التي يكون لها الغلبة على الصياد، وفقاً لإحدى الأساطير القديمة.
ورغم اعتقاله في فبراير 2019 من قبل سلطات الاحتلال، وإعادة اعتقاله بعد الهروب عام 2021، تمكن الزبيدي من اجتياز ما تبقى من مسافات، وإتمام الفصول المتبقية من الرسالة داخل المعتقل، ليجتاز مرحلة الماجستير بنجاح في يوليوز 2022، إذ ناقشت لجنة، رسالته في غيابه بجامعة بيرزيت.
نضال وملاحقات
بدأ الزبيدي مسيرته في مقاومة الاحتلال منذ سن مبكرة، إذ كان في الثالثة عشرة من عمره عندما أصيب برصاصة في قدمه خلال مظاهرة أمام مدرسته في ماي 1988، ما تسبب له في إصابة دائمة، انضم بعد ذلك إلى حركة فتح، بتشجيع من والده.
لم تمضِ فترة طويلة حتى واجه الاعتقال لأول مرة عام 1989، حيث أمضى ستة أشهر في الأسر. وبمجرد الإفراج عنه، عاد إلى نشاطه المقاوم، لكنه سرعان ما وجد نفسه خلف القضبان مجدداً عندما صدر بحقه عام 1990، حكم بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف، بتهمة إلقاء عبوات حارقة على قوات الاحتلال.
داخل السجن، عانى الزبيدي من التنقل المستمر بين المعتقلات، إذ نُقل بين عدة سجون، منها طبرية وتلموند وعسقلان وبئر السبع والفارعة ومجدو وعتليت وعناتا، قبل أن يستقر في سجن جنين المركزي، وهو ما زاد من معاناته، إلا أنه ظل صامداً في وجه قسوة الاعتقال.
في ماي 1994، وقبل أن يكمل محكوميته التي تبقى منها خمسة أشهر، أُفرج عن الزبيدي ضمن دفعة من الأسرى الفلسطينيين بموجب اتفاق أوسلو لعام 1993، وتم ترحيله إلى أريحا حيث فُرضت عليه الإقامة الجبرية، مما قيّد حركته وأبقاه تحت المراقبة المستمرة. ثم بدأ بعد ذلك عمله مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
العودة إلى المقاومة
الأجهزة التي عمل معها حتى شتنبر 2000، اعتقلته بعد 12 عاماً في موجة اعتقالات شملت نحو 150 شخصاً، بعد إطلاق النار على منزل محافظ جنين، وتعرض الزبيدي أثناء الاعتقال لإساءة المعاملة والتعذيب من قبل شرطة السلطة الفلسطينية.
وجاء هذا الاعتقال بعد عودة الزبيدي إلى صفوف المقاومة المسلحة، بالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، متخلياً عن قيود العمل الرسمي، ليصبح أحد القادة البارزين في كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة فتح، والتي تولى فيها، بفضل خبرته وشجاعته، قيادة المجموعات المسلحة في جنين، لينفذ العديد من العمليات ضد قوات الاحتلال في الضفة الغربية.
وكان الزبيدي قد تعرض، أثناء تنفيذه إحدى العمليات العسكرية في 24 دجنبر 2001، لانفجار مروّع أصابه بحروق شديدة في وجهه وعينيه، تاركاً ندوباً سوداء دائمة، وأثراً بالغاً على بصره، وذلك في عملية كشفت هويته السرية وأسلوب عمله، مما جعله عرضة للملاحقة المستمرة.
لم يستسلم الزبيدي لهذه الظروف، بل ابتكر استراتيجية جديدة في العمل النضالي، هي نفسها التي أطلق عليها في أطروحته لنيل شهادة الماجستير اسم “التنين والصياد”، والتي تقوم على التخفي التام، والابتعاد عن الوسائل التقليدية التي يمكن تتبعها مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية. بحيث أنه اعتمد أسلوب التنقل الدائم، وتجنّب البقاء في مكان واحد لفترة طويلة، ما ساهم في استمراره بالمقاومة مدة أطول رغم كل التحديات.
وبعد اعتقاله من قبل السلطة الفلسطينية في ماي 2012، دون توجيه أي تهمة أو تقديمه للمحاكمة، أعلن الزبيدي إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على احتجازه التعسفي.
ولم يمضِ سوى يومين حتى تدهورت حالته الصحية، حيث نُقل إلى المستشفى إثر معاناته من مشكلات حادة في الكلى.
وعندما تلقى تطمينات بأنه سيُفرج عنه بعد جلسة محكمة مقررة في 17 شتنبر 2012، قرر استئناف تناول السوائل، لكن آماله سرعان ما خابت، إذ أصدرت المحكمة قراراً بتمديد اعتقاله لمدة 19 يوماً إضافية لاستكمال التحقيق.
نفق الحرية
في عام 2019، تعرض الزبيدي لاعتقال جديد على يد قوات الاحتلال، وذلك بعد اقتحام عسكري واسع لمدينة رام الله، أعلنت السلطات الإسرائيلية على إثره أنه كان متورطاً في “أنشطة تحريضية جديدة”، متهمةً إياه بتنفيذ هجومين مسلحين على حافلتين بالقرب من مستوطنة بيت إيل في نونبر 2018 ويناير 2019، مما أسفر عن إصابة ثلاثة إسرائيليين.
ووُجهت إليه تهم تتعلق بقضايا قديمة بدءاً من عام 2003، بما في ذلك بعض الهجمات التي سبق أن نال عنها عفواً بموجب اتفاق العفو.
ومن هذه التهم التي بلغ عددها 24 “التسبب في الموت عمداً”، و”العضوية في جماعة إرهابية”، و”تجارة الأسلحة”، و”إطلاق النار على أشخاص”، و”إعداد المتفجرات”، ومحاولة تجنيد فلسطينيين لتنفيذ عمليات استشهادية.
في 6 شتنبر 2021، استطاع زكرياء الزبيدي مع 5 أعضاء من حركة الجهاد الإسلامي الفرار، في عملية أُطلق عليها “نفق الحرية”، عبر نفق كانوا قد حفروه أسفل سجن جلبوع الحصين.
لكن سرعان ما أعادت سلطات الاحتلال اعتقالهم جميعاً في غضون أيام، وتعرضوا إثر ذلك للعنف الجسدي انتقاماً لهروبهم، إذ كسرت الشرطة الإسرائيلية فك الزبيدي واثنين من أضلاعه أثناء إعادة القبض عليه.
وكان زكرياء لا يزال موقوفاً من دون تحديد محاكمة أو إصدار حكم بحقه، ولكن محكمة عسكرية إسرائيلية حكمت عليه بـ5 سنوات إضافية لفراره، كما عانى من سوء المعاملة والعزل الانفرادي ومنعت عنه زيارات عائلته.
وفي يناير 2025، أدرجت إسرائيل اسم زكرياء الزبيدي ضمن قائمة الأسرى المقرر الإفراج عنهم في إطار اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي تطلق عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وصف صفقة “طوفان الأحرار”، مع السماح له بالعودة إلى منزله في جنين.
وبعد حديث وسائل إعلام إسرائيلية عن إبعاد الزبيدي خارج فلسطين بعد الإفراج عنه اليوم، نفى مسؤول دائرة العلاقات الدولية بنادي الأسير الفلسطيني، رائد عامر، هذه الأخبار، وقال إن الأسير الفلسطيني زكرياء الزبيدي، لن يبعد خارج الأراضي الفلسطينية ولكن سيعود إلى مخيم جنين.
وأوضح في تصريحات إعلامية: “تتضمن القائمة المقرر الإفراج عنها اليوم ضمن صفقة التبادل، 110 من أسرى المؤبدات والأحكام العالية والأسرى الأطفال، مقابل أربيل يهود، وآجام بيرجر، وجادي موشي موزسس، إلى جانب 5 تايلانديين”.