أحداث لقليعة.. تقرير يؤكد “خرق” مبدأي الضرورة والتناسب
كشف تقرير لجنة تقصي الحقائق حول أحداث فاتح أكتوبر 2025، التي شهدتها جماعة القليعة، التابعة لـ عمالة إنزكان آيت ملول، مجموعة من التفاصيل التي تؤكد أن “استخدام القوة من قبل الأمن لم يلتزم بمبدأي الضرورة والتناسب”، موضحا أنه “جرى اللجوء إلى القوة رغم إمكانية استخدام وسائل أقل، كما كانت شدة القوة المستخدمة أكبر من اللازم مقارنة بخطورة الموقف، ما أدى إلى إصابات غير مبررة”.
وأفاد التقرير الذي أعدته الجميعة المغربية لحقوق الإنسان، أنه “بالموازاة مع احتجاجات ‘جيل Z’ التي انطلقت منذ الساعة الخامسة والنصف من يوم فاتح أكتوبر 2025، دعا بعض المتظاهرين إلى التوجه نحو سرية الدرك الملكي، بينما اقترح آخرون التوجه إلى مقر الجماعة، فتوجهت المسيرة بشكل موحد نحو آيت ملول”.
وأضافت الوثيقة أنه عند اقتراب المحتجين من سرية الدرك الملكي، بدأ بعض المشاركين برشق مؤسسات عامة وخاصة بالحجارة، من بينها مؤسسة “فضاء المعرفة” الخصوصية التي تضررت واجهتها، ومركز خاص بالأشخاص في وضعية إعاقة تعرضت نوافذه للتكسير، كما أحرقت بعض حاويات الأزبال على جنبات الطريق، مشيرة إلى تدخل خمس سيارات تابعة للقوات المساعدة لمحاولة احتواء الوضع، لتنسحب فيما بعد المواجهات مع بعض المحتجين.
المسيرة انقسمت بعد ذلك إلى مجموعتين، يوضح المصدر، إذ واصلت الأولى طريقها نحو مقر الجماعة، حيث تم رشق واجهته بالحجارة، ما تسبب في أضرار طفيفة، فيما بقيت الثانية أمام سرية الدرك الملكي، “الذي كان خاليًا تمامًا من أي وجود أمني”.
وتشير معطيات التقرير، إلى أن “بعض المحتجين بدأوا برشق سرية الدرك بالحجارة دون أي رد فعل من عناصر الدرك، الذين كانوا متواجدين داخل مقر السرية، حيث لم يُسجل حضورهم أمام بابها أو بجانبيها أو محيطها في إطار التدابير الاحترازية للحماية، رغم أنهم كانوا على علم بأن عددًا من المحتجين اقترحوا الهجوم على السرية بعد انطلاق المسيرة في اتجاه آيت ملول، بحسب أخبار وردتهم من قبل مخبرين وأعوان سلطة”.
وتتابع اللجنة أنه “بعد ذلك، حضرت أربع أو خمس عربات تدخل، حاولت تفريق المحتجين لكنها انسحبت بسرعة بعد تعرضها للرشق بالحجارة من حوالي 40 إلى 50 شخصًا”، مشيرة إلى أن “نحو 15 ملثما استغلوا هذا الفراغ الأمني لإشعال النار أمام بوابة السرية، إذ توجه بعضهم نحو الشباك الحديدي الخارجي لسرية الدرك، الذي يبدو من خلال أحد المقاطع المصورة أنه لم يكن مثبتًا بإحكام، ليتمكنوا من اقتلاعه في غياب أي تدخل أمني لردعهم”.
هذا التطور، يتابع التقرير، “دفع عناصر الدرك إلى الاستنفار، حيث أطلقوا قنابل مسيلة للدموع والرصاص المطاطي من النوافذ وسطح مبنى السرية، ما أدى إلى تراجع المحتجين”، مضيفا أنه “عندما حاول بعضهم التقدم مجددًا نحو الباب الرئيسي السميك، تم تكثيف إطلاق القنابل والرصاص المطاطي، مما أدى إلى تفريقهم في اتجاهات مختلفة”.
“وفي الوقت الذي كان من الممكن الاكتفاء بهذه الوسائل لتفريق المحتجين، خصوصًا مع بدء انسحابهم، خرج بالمقابل عدد من عناصر الدرك الملكي من مقر السرية، وشرعوا مباشرة في إطلاق الرصاص الوظيفي في الهواء، دون أن يبادروا إلى إخماد النيران التي كانت تلتهم مدخل السرية، والتي اندلعت بفعل إحراق الحاويات والمواد البلاستيكية”.
في غضون ذلك، سجل التقرير “غيابا تاما لسيارات الوقاية المدنية وعناصر الإطفاء، سواء عند اندلاع الحريق أو بعده، رغم خطورة الوضع”، مضيفا أن “عناصر الدرك لم يتخذوا أي إجراء لإخماد الحريق، رغم أن محيط السرية كان خاليا من المحتجين الذين انسحبوا فور سماعهم طلقات الرصاص المطاطي”.
وفي هذه الأثناء، تؤكد اللجنة أن “عناصر الدرك اندفعت إلى الشارع الرئيسي الذي بدا فارغًا من قلة بعض المارة، حيث تفرقوا في اتجاهات متباينة، مطلقين الرصاص الوظيفي بشكل عشوائي، إذ خرج حوالي عشرة عناصر من الدرك وواصلوا إطلاق النار بشكل عشوائي، وركضوا في اتجاهات متفرقة، حيث ابتعد بعضهم لمسافات وصلت إلى 400 متر في اتجاه إحدى المدارات حسب شهادات متطابقة”.
وأضافت أنهم “طاردوا المحتجين وأطلقوا النار عليهم، ما أدى إلى سقوط ثلاثة قتلى و14 جريحًا أصيبوا بإصابات متفاوتة الخطورة، من بينهم طفل يبلغ من العمر 12 سنة أصيب برصاصة في الكتف، وطفل آخر اخترقت رصاصة حية ذراعه”.
وأفادت شهادات متعددة، وفق المصدر نفسه، أن “الجرحى تُركوا دون إسعافات أولية، كما يظهر أحد المقاطع المصورة غياب أي تدخل لمساعدتهم، فيما كان المواطنون يحاولون تقديم العون”.
وفي الجانب الآخر من سرية الدرك المؤدي إلى وسط المدينة في اتجاه بيوكري، تبرز اللجنة أن “بعض رجال الدرك واصلوا إطلاق الرصاص مما أدى إلى مقتل الشاب الرحالي بعيدًا هو الآخر عن مقر سرية الدرك، وبالضبط بعد انحرافه يمينًا عبر دراجته الهوائية في أحد الزقاقات المتفرعة عن الشارع الرئيسي، مما يفيد ابتعاده عن مقر السرية ويؤكد أنه لم يكن يشكل أي تهديد”.
وأشارت إلى أن “عددا من الشباب قد أصيبوا بجانبه جراء تعثر دراجته النارية بسبب طلقة نارية”، مؤكدة أنها “وقفت على مخلفات الرصاص على مستوى بوابة محل تجاري في الزقاق الذي قتل فيه الشاب محمد الرحالي”.
كما عاين أعضاء اللجنة آثار الرصاص على الجدران في أماكن سقوط القتلى والجرحى، ووقفوا على بقع الدم التي لا تزال واضحة في موقع الحادث، فيما أكدت أنه بخصوص القتيل الثالث، فقد تم رصد آثار الرصاص على بوابة حديدية لأحد المحلات التجارية، إضافة إلى آثار دمائه في المكان.
وأضاف المصدر ذاته أن “القتيل أوبلا كان يظهر حسب شريط موثق يبدو أنه للكاميرا المثبتة لمراقبة مقر سرية الدرك الملكي، بعيدًا عن مقر السرية بجانب سور إحدى الضيعات”.
وبخصوص الدركي الذي يظهر في العديد من الفيديوهات بعيدًا عن مقر السرية وهو يجول في الشارع الفارغ من المواطنين، ويصوب بدقة نحو المحتجين البعيدين، فقد أكد التقرير أنه “أطلق الرصاص بكثافة، مخالفًا للسردية الرسمية التي ادعت أنه كان يطلق طلقات تحذيرية في الهواء بغرض حماية السرية من أي تهجم”.
وشدد المصدر على أن “هذا التبرير يتناقض مع ما أظهرته الفيديوهات ومعاينات أماكن سقوط الضحايا سواء القتيلين الذين سقطا في ساحة بعيدة بحوالي 120 متر عن سرية الدرك والمتواجدة على الجانب الآخر من الشارع الذي يخترق مدينة القليعة”.
وعقب سقوط الضحايا، سجل التقرير “غيابا كاملا لسيارات الإسعاف عن المكان منذ بداية الاحتجاجات وحتى لحظة سقوط الجرحى، ما تسبب في تأخر نقل المصابين إلى مستشفيات إنزكان وأكادير، نظرًا لغياب مستشفى مجهز بمدينة القليعة التي لا تتوفر سوى على مراكز صحية تفتقر لأبسط التجهيزات الأساسية والأطر الطبية الكافية”.
وبناءً على كل هذه المعطيات، تشدد اللجنة في تقريرها على أن “مبدأي الضرورة والتناسب في استخدام القوة العمومية لم يتم احترامهما، إذ تقتضي الضرورة اللجوء للقوة فقط عند استحالة استخدام وسائل أخرى، ويكون ذلك لتحقيق هدف مشروع وقانوني، فيما يعني التناسب أن درجة ونوع القوة المستخدمة يجب أن تتناسب طرديًا مع خطورة الموقف والتهديد، بحيث لا تتجاوز القدر اللازم لإنفاذ القانون وتقليل الأذى والإصابات إلى الحد الأدنى”.