“هروب إلى الأمام وتستر على الخروقات”.. انتقادات للطالبي العلمي بعد “تبريراته” لدعم الأغنام

أثار رد رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، على المعطيات والأرقام التي قدمها كل من وزير التجهيز والماء، نزار بركة، ووزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، بشأن الدعم المخصص لاستيراد الأغنام، جدلاً حول مصداقية هذه الأرقام، ودور البرلمان في ممارسة الرقابة على عمل الحكومة بدلًا من الدفاع عنها.
وأوضح الطالبي العلمي خلال استضافته في برنامج “السياسة بصيغة أخرى” الذي تنظمه مؤسسة الفقيه التطواني، الجمعة 28 مارس 2025، أن “المبلغ الذي تم صرفه لم يتجاوز 300 مليون درهم، وليس 1.3 مليار درهم كما تم الترويج له”، كما كشف أن “عدد المستوردين الذين حصلوا على الدعم بلغ 100 مستورد، وليس 18 كما كان قد ورد في تصريحات بركة ومزور”.
“هروب إلى الأمام“
في هذا السياق، أوضحت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن “تصريحات الطالبي العلمي ليست سوى محاولة للهروب إلى الأمام”، مشيرة إلى أن “الأرقام التي يتم تداولها حول الدعم مصدرها مسؤولون حكوميون، وليس مواطنون عاديون، مما يجعلهم مسؤولين عن صحتها وتبعاتها”.
كما أوضحت التامني، أن “تعليق العلمي يعكس حالة ارتباك داخل الحكومة، بحيث تظهر تناقضات واضحة بين أعضائها، سواء من خلال التصريحات الإعلامية أو الحملات الانتخابية المبكرة التي يقومون بها، في إطار الاستعداد لمن سيقود حكومة المونديال، بدلا من التركيز على الأدوار الرئيسية المتعلقة بالسياسات العامة، ومعالجة أزمة البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة”.
وأشارت التامني في حديثها لـصحيفة “صوت المغرب”، إلى أنه “إذا كان هناك صراع داخلي بين أعضاء الحكومة حول هذه الأرقام، فذلك لا يعني شيئا بالنسبة للمواطنين، لأن ما يهم فعليًا هو نتائج هذه السياسات على أرض الواقع”.
وفي هذا الصدد، أكدت النائبة البرلمانية، أن “المشكلة الحقيقية تكمن في فشل المبادرات الحكومية، التي لا تعتمد على مقاربة عادلة لإيجاد حلول حقيقية، بل تقوم على سياسة الترضيات التي تخدم أصحاب النفوذ ورجال الأعمال المقربين، على حساب باقي فئات المجتمع”، مستشهدة بالدعم الذي قُدِّم للمستوردين خلال عيد الأضحى لاستيراد الأغنام واللحوم، والذي “لم يسهم في خفض الأسعار، حيث بقيت مرتفعة رغم ضخ هذه الأموال”.
وأضافت المتحدثة ذاتها، أن “الحكومة رغم فشل هذه المبادرة العام الماضي، أعادت تنفيذها مجددًا هذا العام، متجاهلةً جميع الانتقادات التي وُجِّهت لها بسبب سوء تدبيرها وهدر المال العام لصالح بعض المستوردين المقربين من رئيس الحكومة وحزبه”، مشددة على أن “الحكومة تتصرف وفق رؤيتها الخاصة في غياب للشفافية والرقابة”.
واختتمت التامني بالقول “إن هوية المستفيدين من هذا الدعم لا تزال غير واضحة، سواء من حيث عددهم الفعلي أو هويتهم، إذ لم تقدم الحكومة أي معلومات دقيقة عنهم”، معتبرة أن “هذا الغموض يثير تساؤلات جدية حول النزاهة والشفافية والحكامة الجيدة داخل هذه الحكومة، في ظل غياب آليات واضحة للمساءلة والمحاسبة”.
تستر على”فضيحة” قانونية وأخلاقية
من جهته، عبر رضا بوكمازي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن أسفه إزاء موقف الطالبي العلمي، معتبرا أنه “لم يحترم موقعه الدستوري ومكانته في هرم الدولة، باعتباره المسؤول الأول عن مجلس النواب الذي من وظائفه الأساسية تقييم السياسات العمومية المتخذة من قبل الحكومة وإعمال الرقابة على عملها”.
وأشار بوكمازي في تصريحه لصحيفة “صوت المغرب”، إلى أن “العلمي لم يتخذ أي مبادرات رقابية لكشف حقيقة الأموال العمومية المصروفة دون جدوى، بل سعى إلى التهوين من حجمها وتضخيم أعداد المستفيدين منها”، مؤكدا أن هذا السلوك “يثير الشبهات حول تستره على الجهات المستفيدة، والتي تشمل الحكومة التي منحت هذه الأموال والمقربين من أخنوش وشبكة الأعيان الداعمة لحزب التجمع الوطني للأحرار”.
وأوضح المتحدث، أن “المشكلة الأساسية تكمن في تورط الطالبي العلمي والأغلبية الحكومية في خرق القانون الإطار للإصلاح الجبائي، الذي يمنع الجمع بين الدعم العمومي والإعفاءات الضريبية”، مشيرا إلى “أن تخصيص 500 درهم عن كل رأس غنم مستوردة، مع إعفاء المستوردين من الضرائب والرسوم الجمركية، يشكل خرقًا قانونيًا واضحًا”.
وتابع أن “هذه الممارسات تعد فضيحة قانونية وأخلاقية تحاول الأغلبية الحكومية التستر عليها، كما تعكس استخفافها بالدستور والقوانين التنظيمية والقوانين الإطار، وتثبت أن الحكومة تفضل مصالح فئة محددة من رجال الأعمال والأعيان على حساب المصلحة العامة”.
وشدد بوكمازي على أن “هذه السياسة تعكس سعي الحكومة إلى استغلال المال العام لخدمة فئة قليلة من ذوي النفوذ، على حساب باقي فئات المجتمع، وذلك بهدف تمويل الاستحقاقات الانتخابية وضمان استمرار سيطرة بعض الشبكات الاقتصادية على المشهد السياسي، في غياب تام لمبادئ الشفافية والمحاسبة”.
الحق الدستوري في الشفافية
وفي سياق متصل، أكد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، ضرورة رفع الغموض والشفافية بشأن المستفيدين من هذا الدعم، متسائلا عن إمكانية نشر لائحة أسماء المستفيدين من الدعم وما إذا كانت شروط منح هذا الدعم قد تم احترامها.
وأكد الغلوسي في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن “المواطنين لهم الحق في الاطلاع على كيفية صرف أموالهم العمومية، وهو حق دستوري لا يمكن مصادرته”، مشددا على أن “التصريحات المتضاربة بين المسؤولين بخصوص عدد المستفيدين وحجم الدعم زادت من الشكوك حول كيفية صرف هذا الدعم، معتبرا أن عدم الكشف عن التفاصيل يساهم في تغذية الشائعات والاتهامات بالتلاعب”.
كما شدد الغلوسي على أن “الشفافية هي الأساس في التعامل مع الأموال العمومية”، موردا أن “تصريحات الطالبي العلمي بخصوص حجم الدعم والمستفيدين لم تكن كافية لطمأنة الرأي العام”، كما أن “وجود فوارق كبيرة في الأسعار رغم الدعم يعكس اختلالات في تطبيق السياسات المتبعة، ما يستدعي تدقيقًا أكبر في هذا الملف”.
وفي تصريحات اعتبرها البعض تعكس “حملة انتخابية سابقة لأوانها وخطابًا متناقضًا بين الدور الحكومي والخطاب الأقرب للمعارضة”، انتقد نزار بركة، وزير التجهيز والماء، خلال مشاركته في برنامج “نقطة إلى السطر” على القناة الأولى، طريقة توزيع الدعم الحكومي، معتبرًا أن المستوردين استفادوا بشكل غير عادل وحققوا أرباحًا كبيرة، بينما لم ينعكس ذلك على الأسعار النهائية.
وأوضح بركة أن الدعم الحكومي بلغ 500 درهم عن كل رأس غنم مستورد، لكن المستوردين باعوا الأغنام وفق أسعار السوق بدلاً من الالتزام بالسعر المدعوم، ووصف هذا الأمر بأنه “غير أخلاقي وغير مقبول”، مشيرًا إلى أن المواطنين لم يستفيدوا بالشكل المتوقع من هذا الإجراء.
من جانبه، أكد رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، أن 18 مستوردًا استفادوا من هوامش ربح كبيرة مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، مضيفا أن الحكومة سمحت باستيراد 200 ألف رأس من الأغنام وألغت الرسوم الجمركية لتخفيف العبء على المستهلكين، لكن بعض المستوردين استغلوا هذا الوضع لتحقيق مكاسب إضافية.
وشدد مزور خلال مروره ضيفا على برنامج “من الرباط“، الذي يبث على منصات صحيفة “صوت المغرب”، على أن بعض المستوردين تمكنوا من تحقيق أرباح مضاعفة، حيث تراوحت هوامش الربح بين 20 و25 درهمًا للكيلوغرام، بينما كان يفترض ألا تتجاوز 10 دراهم، موضحا أن هذا الفارق أدى إلى ارتفاع هوامش الربح إلى 40 درهمًا، مما أثر على الأسعار في السوق، موردا أننا “اليوم قلنا الأرقام، وغدًا نقول الأسماء”.