أبو الذهب: قرار مجلس الأمن أنصف المغرب لكن المرحلة المقبلة ستكون أعقد
قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط زكرياء أبو الذهب، إن “القرار الأممي رقم 2797 يشكل محطة مهمة في مسار قضية الصحراء المغربية، لكنه ليس النهاية، لأن المرحلة المقبلة ستظهر إشكالات كبيرة ومعقدة تتعلق بالجوانب القانونية والسياسية، ينبغي إيجاد حلول لها”.
وأكد أبو الذهب، في مداخلة له خلال ندوة نظمها بعنوان “الصحراء المغربية: تحولات المشهد الدولي ورهانات القرار الأممي”، نظمها منتدى المتوسط للتبادل والحوار مساء الجمعة 07 نونبر 2025 بالرباط، أنه “رغم نشوة اللحظة، فإن المعركة لم تنته بعد، إذ تشمل الخطوات المقبلة ضرورة سحب الملف من اللجنة الرابعة للجمعية العامة، وتصحيح بعض القرارات القضائية، ومعالجة الإشكالات القائمة داخل الاتحاد الإفريقي”.
كما أشار إلى إن “تأخر نشر القرار رسميًا حتى صباح اليوم أمر يثير الاستغراب”، إذ لم يسبق له أن لاحظ مثل هذا في مسار قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصحراء، متسائلا عما إذا كانت هناك مشاكل تتعلق بالترجمة، أو ربما حسابات سياسية بالنظر إلى كون الجزائر عضوًا غير دائم في مجلس الأمن، لكنه شدد في الوقت ذاته، على أن المغرب يتابع هذه التطورات، وأن السفير عمر هلال يراقب الوضع عن قرب.
وأشار المتحدث إلى أن القرار 2797 يمثل جزئيًا إنصافًا للمغرب وتتويجًا لمسارات ديبلوماسية طويلة وكفاح شعب بكامله، مضيفًا أن المغرب يمكنه من الآن فصاعدًا أن يحتج بهذا القرار للمطالبة بمجموعة من الحقوق، من ضمنها مسألة التواجد غير الشرعي للجمهورية الوهمية داخل الاتحاد الإفريقي، حيث يمهد القرار لإعادة النظر في مواقف بعض الدول التي كانت تتبنى مواقف مبهمة.
كما لفت إلى أن الخطاب التاريخي للملك محمد السادس في 31 أكتوبر الفائت، جاء كرد فعل مباشر على تصويت مجلس الأمن، كما عبر عن وحدة الشعب المغربي حول قضيته الوطنية، مبرزا أن المغاربة، وفق تعبيره، “خرجوا وكأنهم يحجون من جديد إلى ملحمة السادس من نونبر 1975.
وأردف الأستاذ الجامعي أن هذا التلاحم القوي بين الدولة والشعب دفاعًا عن الوحدة الترابية، هو ما يرعب أعداء المغرب، سواء تعلق الأمر بالجزائر أو بأي طرف آخر.
وأوضح أبو الذهب أن ما تحقق لم يأت من فراغ، بل كان ثمرة صبر استراتيجي طويل الأمد، شارك فيه المغرب بجدية من أجل بلوغ هذه النتيجة، إذ أنه خاض معارك ديبلوماسية وحقوقية، وتجاوز أمواجًا عاتية بتفاعل استباقي وحكمة في إدارة المواقف.
وبيّن أبو الذهب أن من بين نقاط قوة المقاربة المغربية ما سماه “تطويع القانون”، أي التعامل المرن مع مقتضيات القانون الدولي دون التخلي عن المبادئ العامة، فالقانون الدولي، وفق تعبيره، “ليس نصًا جامدًا، بل له روح وغاية تتمثل في تحقيق الأمن والتنمية وحماية السلم والبيئة، ومن هذا المنطلق، أكد أن “المغرب طور مدرسة خاصة في التعامل مع القانون الدولي، تقوم على قراءة روحية وموضوعية للقانون”.
كما توقف أبو الذهب عند البعد الروحي الذي طبع خطاب الملك، حيث افتتح بكلمات من القرآن الكريم: “إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا”، معتبرًا أن هذا الاختيار لم يكن اعتباطيًا، لأنه يرمز إلى جهاد أكبر من أجل الحق والوحدة، واستحضر قول محمد الخامس رحمه الله حين قال: “رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”.
وكان مجلس الأمن الدولي قد اعتمد، يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025 قرارًا جديدًا رقم 2797 يدعم مبادرة الحكم الذاتي بشأن قضية الصحراء المغربية، وذلك بعد تصويتٍ سجل 11 صوتًا مؤيدًا وامتناع 3 دول، دون اعتراض من أي دولة دائمة العضوية، فيما لم تشارك الجزائر في عملية التصويت.
ويؤكد القرار، الذي قدّمته الولايات المتحدة الأمريكية، دعم مجلس الأمن لمقترح الحكم الذاتي الذي قدّمته المملكة المغربية سنة 2007 باعتباره الإطار المقبول والواقعي لمعالجة النزاع. كما قرّر المجلس تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لصالح تنظيم استفتاء في الصحراء (MINURSO) حتى 31 أكتوبر 2026.
وفي أعقاب هذا الإنجاز التاريخي، وجه الملك محمد السادس، خطابا إلى الشعب المغربي، أكد فيه أن المملكة تدخل مرحلة فاصلة في تاريخها الحديث، مع ترسيخ مغربية الصحراء والطي النهائي للنزاع المفتعل على أساس مبادرة الحكم الذاتي.
وأكد الملك حرص المغرب على إيجاد حل سياسي نهائي يحفظ ماء وجه جميع الأطراف، داعيا سكان مخيمات تندوف إلى اغتنام هذه الفرصة التاريخية للعودة إلى وطنهم والمشاركة في تدبير شؤونهم المحلية، والاستفادة من مبادرة الحكم الذاتي للمساهمة في تنمية أرضهم وبناء مستقبلهم في إطار المغرب الموحد.