story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

أحلام تتكسر على أرصفة الشارع.. مسار مظلم لأطفال عاصمة الأنوار

ص ص

في مدينة تُصنَّف ضمن الوجهات الخمس المفضلة عالميًا، وتتهيأ بكل ألقها لاستقبال أكبر التظاهرات العالمية، يتربص البرد والظلام بأطفالٍ وقاصرين يبيتون في الشوارع والأزقة، هنا، حيث الأضواء تزين الطرقات، يضطر هؤلاء الصغار إلى البحث عن أي ركنٍ آمن، ولو كان على الأرض، يحتمون به من البرد ومن اعتداءات المارة.

يجول هؤلاء الأطفال نهارًا بين الشوارع والأزقة بحثًا عن لقمة تسد جوعهم، وحين يحل الليل يعودون إلى أماكنهم المعتادة، يفترشون الأرض ويغطون أجسادهم بقطع الكرتون في محاولة لانتزاع شيء من الدفء، يتضورون جوعًا، ويواجهون مخاطر الاعتداء والاستغلال والعنف، لتتكرر هذه الدورة المؤلمة يوميًا، في مشهد يلخص قسوة الشارع وواقع الطفولة الضائع.

طفولة ضائعة

محمد وسعد (أسماء مستعارة) ليسا سوى نموذجين مصغّرين لهذه الفئة، فقد ظهرا في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، وهما يتعرضان للاعتداء من طرف أطفالٍ آخرين، قبل أن يعودا إلى مرقدهما ويغطيا أجسادهما الصغيرة بقطع الكرتون.

صحيفة “صوت المغرب” انتقلت إلى عين المكان، حيث التقينا فضيل، أحد حراس الأمن الخاصين، الذي أكد أن “عدد الأطفال يفوق العشرين، تتراوح أعمارهم بين 12 و14 سنة، بينهم من هم أصغر سنًا”، كما أوضح أن “المكان معروف بوجود حانة ليلية قريبة، ما يجعلهم يتجمعون في محيطها، إذ يحصلون أحيانًا على المال أو على مواد مخدّرة من بعض الزبائن”.

وعلى جنبات المكان، وقفنا على آثار نارٍ صغيرة ما تزال ظاهرة، يوقدها الأطفال للتدفئة في ليالي البرد القاسية، مستعملين في إشعالها بقايا الكرتون نفسه الذي ينامون عليه.

فضيل أشار إلى أن أسباب وجودهم في الشارع متعددة، فمنهم من ينحدر من أسرٍ مفككة أو دون أولياء، ومنهم من طُرد بسبب تعاطي المخدرات، وآخرون فرّوا من مراكز الرعاية، لكنه شدد على أن “اختلاف الأسباب لا يغيّر في النتيجة شيئًا، فهؤلاء جميعًا مسؤولية الدولة، التي يفترض أن تتكفل بهم وتعيدهم إلى مؤسسات الرعاية المختصة”.

وأضاف أن وجودهم في هذا المكان يشكل خطرًا مزدوجًا، فهم عرضة لمختلف أنواع الاستغلال والعنف، كما قد يتحول بعضهم مع الوقت إلى مصدر خطر على الآخرين، قائلاً “قبل يومين رأيت أحدهم يحاول فتح باب عمارةٍ ليلاً، وما الذي قد يدفع طفلاً لذلك إن لم يكن دافع السرقة؟”.

المارة ورواد مواقع التواصل الاجتماعي عبّروا بدورهم عن قلقهم من استمرار هذه الظاهرة، مطالبين السلطات بالتدخل العاجل لجمع هؤلاء الأطفال والبالغين الذين يعيشون في العراء، لما يشكلونه من خطر على أنفسهم وعلى المارة، خاصة في ساعات الليل المتأخرة.

واستغرب آخرون استمرار مثل هذه الظواهر في العاصمة، في وقتٍ تستعد فيه الرباط لاحتضان تظاهراتٍ كبرى، ففي مفارقةٍ صارخة، أظهر أحد مقاطع الفيديو شاشة العدّ العكسي لكأس أمم إفريقيا مضاءة في شارعٍ رئيسي، بينما ينام طفل على الأرض بجانبها.

وقد حاولنا التواصل مع عددٍ من الأطفال الذين ظهروا في الفيديو، غير أنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريح، فاحترمنا رغبتهم، وذلك قبل أن تتدخل الشرطة، أول أمس الثلاثاء، وتنقلهم من المكان.

مشهد لا يُحتمل

الجمعيات الحقوقية المدافعة عن حقوق الطفل سارعت إلى التفاعل مع الفيديو، موجهة نداءً عاجلاً إلى السلطات المحلية والأمنية والاجتماعية للتدخل لحماية هؤلاء الأطفال المعرضين للخطر.

نجاة أنوار، رئيسة منظمة ماتقيش ولدي، قالت في تصريح لـ”صوت المغرب” إن المشاهد التي وثقها الفيديو “مؤلمة ولا تُحتمل”، “وهي ليست مجرد مشهد عابر، بل إنها جرح مفتوح في ضمير المجتمع، وإنذار خطير بأن أطفالاً بلا حماية يعيشون في وضعية لا إنسانية”.

ودعت رئيسة الجمعية إلى “توفير الرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية لهؤلاء الأطفال، وفتح تحقيق عاجل لتحديد المسؤوليات، وتفعيل آليات حماية الطفولة المنصوص عليها في القانون المغربي والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب”، مؤكدة أن “هذا الوضع لا يمكن أن يستمر”.

وأكدت قائلة: “لا يمكننا أن نبقى متفرجين أمام هذه المشاهد القاسية، فطفل الشارع هو طفل مغربي، وكرامته من كرامتنا، وحمايته واجب دولة ومجتمع”.

من جهتها، اعتبرت هند العايدي، رئيسة جمعية جود لمساعدة المتشردين، أن “الوقت قد حان للتحرك بجدّ وضمير، كي لا ينام أي طفل على الكرتون في بلادنا”.

وأضافت بأسى أن “مشاهد الأطفال الصغار وهم ينامون على الأرض، بلا مأوى ولا أمان، مؤلمة جداً”، “هؤلاء ليسوا مسؤولين عن وضعهم، تُركوا وحدهم في مواجهة الشارع بكل قسوته، دون حماية، دون حضن، ودون أمل”.

واختتمت بالقول “بينما ننشغل بالنقاش حول السياسات والاستراتيجيات، هناك أطفال يفقدون طفولتهم كل ليلة في العراء”.

“جهود” الوزارة

من جانبها، تقول وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، إن الأطفال في وضعية الشارع، يستفيدون من منظومة خدمات القرب، التي تشمل الوقاية والإدماج والمواكبة، وذلك في إطار التنزيل الترابي للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة، من خلال الأجهزة الترابية التي تُحدثها الوزارة بشراكة مع الفاعلين المحليين.

وفي هذا السياق، سبق للوزيرة نعيمة بن يحيى، أن أفادت أنه تم إحداث أجهزة ترابية مندمجة لحماية الطفولة على مستوى الأقاليم، بهدف تقديم خدمات ملائمة لمناهضة مختلف أشكال العنف، بما يشمل حالات الأطفال في وضعية الشارع، حيث تحرص الوزارة على مواكبة هذه الأجهزة من خلال تنظيم لقاءات تواصلية وتكوينية جهوية لفائدة المتدخلين الرئيسيين.

كما تم، وفق تصريح الوزيرة بالبرلمان شهر يوليوز المنصرم، تعميم إحداث 82 لجنة إقليمية لحماية الطفولة بقرارات من السادة العمال، بالإضافة إلى التنسيق مع رئاسة النيابة العامة لإرساء مسارات موحدة للتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة، تتضمن تحديد دقيق لمهام ومسؤوليات كل متدخل حسب مراحل التدخل: الوقاية، التكفل، التأهيل، والإدماج.

وفي السياق ذاته، أكدت أن الوزارة تعمل على إعداد الوثيقة النهائية للمعايير الإجرائية النموذجية للتدخل في حالات الهشاشة، وذلك بهدف المساهمة في تفعيل البروتوكول الوطني، إلى جانب تطوير منظومة معلوماتية مندمجة لحماية الطفولة، تتيح تتبع الحالات من الرصد إلى الإدماج، وتعزيز قدرات الفاعلين، تحت إشراف المنظومات الإقليمية للتعاون الوطني.

وأضافت أنه تم إحداث 43 وحدة لحماية الطفولة بشراكة مع جمعيات المجتمع المدني، وبميزانية تفوق 11 مليون درهم، مع مواصلة دعم الإسعافات الاجتماعية المتنقلة بعدد من المدن، التي تُعنى أساسًا بالأطفال في وضعية الشارع، حيث تمت برمجة 10 وحدات إضافية برسم سنة 2025.

وأكدت الوزيرة أن هذه الهياكل ساهمت في إدماج حوالي 1400 طفل وطفلة في وضعية شارع على الصعيد الوطني خلال سنة 2024، في حين بلغ عدد الأطفال المستفيدين من الإسعافات الاجتماعية خلال النصف الأول من سنة 2025 ما مجموعه 1099 طفل وطفلة، استفادوا من مختلف الخدمات.

وعلى مستوى الدعم التربوي والتأهيلي، تم إعادة الإدماج المدرسي لنحو 585 طفل منقطع عن الدراسة، في حين استفاد 259 طفل وطفلة من برامج التكوين المهني بالتدرج.

من جهة أخرى، أشارت المسؤولة الحكومية ذاتها، إلى أن الوزارة تعمل على تحسين جودة التكفل داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية، من خلال إصدار نصوص تنظيمية خاصة بها، وتعزيز الدعم النفسي للأطفال، ضمن ورش وطني تقوده صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم، قصد إرساء آليات فعالة للتكفل النفسي بصدمات الطفولة.

وفي السياق الأسري، أفادت بن يحيى أن الوزارة بصدد الاشتغال على مشروع سياسة أسرية تراعي المصلحة الفضلى للطفل، موازاة مع تطوير خدمات التربية الوالدية الإيجابية، والوساطة الأسرية، حيث انطلقت فعليًا الدورات الأولى لهذه البرامج، التي من شأنها الإسهام في رفاه الأطفال والأسَر المغربية على حد سواء.