story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
أمن وعدالة |

ياسين شبلي.. قصة موت شاب طال ليله في مخفر شرطة بنجرير

ص ص

لو كُتب له أن يعيش مرة أخرى، لأجّل ذاك اللقاء العابر بإحدى حدائق المدينة، الذي قاده إلى مصيره المحتوم، بعد توقيفه من طرف عناصر الشرطة بمدينة بنجرير ذات مساء من أيام شهر أكتوبر سنة 2022.

وبينما كانت الشمس تميل نحو مغيبها، مودنة بنهاية يوم من أيام مدينة بنجرير الهادئة، سيكون شاب في مقتبل العمر يسمى قيد حياته ياسين شبلي على موعد مع صديقته بإحدى الحدائق العمومية بالمدينة. وهو الموعد الذي سيبقى ذكرى أليمة لقصة حب كُتب لها أن تنتهي بطريقة مأساوية، كانت ربما سببا في وفاة ياسين داخل أقبية أحد مخافر الشرطة بالمدينة.

إلى داخل المخفر

في 07 أكتوبر سنة 2022، خيّم الحزن على مدينة بنجرير، بعد أن لفظ الشاب ياسين شبلي أنفاسه الأخيرة “داخل أحد مخافر الشرطة”، حيث كان رهن تدابير الحراسة النظرية، بعدما تم توقيفه رفقة صديقته.

هذه الوفاة لم تكن مجرد حادث عابر، بل كانت بداية لمسار طويل من الألم، والاحتجاج، والمعارك القضائية، التي ما تزال أطوارها مستمرة إلى الآن.

كان ياسين، المزداد في 10 يناير سنة 1994، شابًا في مقتبل العمر، معروفًا في أوساط المدينة، بإتقانه فنون الحرب، ويحظى بمحبة جيرانه ومعارفه، لكن دخوله لمقر الشرطة في ذلك اليوم المشهود كان بدايةً لنهاية مأساوية، لا تزال تفاصيلها تهز الضمائر والنفوس.

يقول سعيد شبلي شقيق الهالك ياسين شبلي في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، “مساء الأربعاء 5 أكتوبر 2022 قرابة الساعة السابعة مساء بحديقة عمومية قرب مسجد الراضي وسط مدينة بنجرير، كان ياسين جالسا رفقة فتاة بأحد الكراسي الإسمنتية في وضعية عادية، قبل أن يفاجأ بوقوف عناصر من رجال الأمن، الذين طلبوا منه مرافقتهم لمخفر الشرطة، ولما امتنع عن الامتثال تم تكبيله بالأصفاد واقتادوه قسرا، لمخفر الشرطة بالمنطقة الأمنية ببنجرير”.

وأضاف “أن ياسين اعتاد الرجوع إلى بيت والدته دون تأخير”، غير أنه هذه المرة سيتأخر، مما دفع بوالدته إلى الاتصال به عدة مرات، لكنه لم يرد على اتصالاتها، سألت عنه الأصدقاء والرفاق بالحي، لا أحد يمتلك معلومة تهدئ من روع قلب الأم المفجوع، فما كان منها إلا أن انتقلت رفقة شقيقه الأكبر سعيد إلى المستشفى الإقليمي بالمدينة للبحث عنه، فلم يجدا له أثرا.

بعدها انتقلا إلى المنطقة الأمنية الإقليمية، هناك سيتم إخبارهما من طرف أحد الضباط المداومين، “أن ياسين في ضيافتهم وأنه سيتم الإستماع إليه غدا الخميس 6 أكتوبر 2022 صباحا وسيخلى سبيله وأن الأمر لا يعدو أن يكون إجراء عاديا”.

وكشف سعيد شبلي، لصحيفة “صوت المغرب”، أن الضابط المداوم أفصح له عن مقطع فيديو لشقيقه ياسين، “يظهر فيه مُكبّل اليدين إلى الخلف وعليه علامات الضرب والعنف، وحينما أصريت على رؤية أخي رفض الضابط ذلك، وهددنا أنا وأمي بالانصراف وإلا سيقوم باعتقالي إلى جانب أخي ياسين، فما كان من والدتي إلا انصاعت لأمر الضابط وطلبت مني الانصرف لحال سبيلنا، فاستجبت لطلب أمي وانصرفنا” يقول سعيد.

في صباح يوم الخميس وفي حدود 8:30 صباحا انتقلت والدة ياسين شبلي مع أخويه أيمن وسعيد لزيارته حاملة له وجبة الإفطار “دون أن يتمكنوا من رؤيته بعدما تم رفض طلبهما من أحد الحراس المداومين الذي أخبرهم أن ياسين نائم وسوف يمدونه بالإفطار عند استيقاظه طالبا من والدته وإخوانه الإنصراف ومطمئنا إياهم أن ياسين سيخلى سبيله بعد الإستماع إليه من طرف الضابطة القضائية”.

الصدفة/ الصدمة

انصرفت الأم وشقيقا ياسين إلى بيتهم، يقول المصدر، “وعند الساعة 13:30 سيصل ياسين إلى المستشفى الإقليمي بالمدينة، وهذه المرة سيدخله ميتا على متن سيارة إسعاف الوقاية المدنية ببنجرير، وسيسجل الهالك في سجل استقبال المستشفى أنه وصل ميتا، دون أن يتم إخبار أسرته لا من طرف المنطقة الأمنية التي غادرها على متن سيارة الوقاية المدنية ميتا، ولا من طرف المستشفى الإقليمي الذي وصله ميتا”.

غير أنه وبمحض الصدفة لاحظت إحدى العاملات بالمستشفى أن الإسم العائلي لياسين مطابق لإسم أخته سهام العاملة كممرضة بنفس المستشفى، “حيث ستتصل بها وتسألها إن كان من أقاربها شخص يسمى ياسين شبلي قد وصل المستشفى من مخفر الشرطة ميتا”.

هنا ستنتقل أسرة الضحية الى المستشفى أولا لتتأكد من الخبر، ثم تتوجه إلى مخفر الشرطة للإستفسار عن سبب الوفاة، “فما كان من رجال الأمن إلا إنكار معرفتهم بالأمر”، مما أثار الشك والريبة في سبب وفاة ياسين شبلي “وخصوصا أنه كان يتمتع بصحة جيدة”، مما دفع أسرة الهالك بالمطالبة من مدير المستشفى الإذن برؤيته بمستودع الأموات، وقد وافق على ذلك.

“غير أن عناصر الشرطة طوقت المكان ومنعت العائلة من الدخول لأزيد من ثلاث ساعات بدون جدوى، مما جعل العائلة في حالة هيجان وبالتالي قامت بدفع الباب واقتحام المستودع بالقوة لفتحه والدخول في صراع مع رجال الشرطة الذين منعوا العائلة من رؤية ابنهم ليقتحموا المستودع”، يوضح شقيقه سعيد.

وكانت صدمة أفراد الأسرة كبيرة لما وجدوا ياسين جثه هامدة باردة “وعليها آثار الضرب والتعذيب الموغل في الوحشية من رأسه إلى أخمص قدميه، جراء التعذيب الذي تعرض له بمخفر الشرطة وقد تجمدت أطراف يديه وسقط أحد أنيابه بعدما قضى ساعات وهو ميت بمخفر الشرطة مكبلا بالأصفاد” يؤكد المصدر ذاته. مما حدا بالأسرة إلى أن تأخد لجثة ابنها ياسين صورا وفيديوهات توثق بها آثار التعذيب.

وبعد ساعات أعطى الوكيل العام للملك بمحكمة الإستئناف أمره بنقل الجثة إلى مدينة مراكش قصد إجراء تشريح لها للتعرف على ملابسات وظروف وفاة الهالك.

ولم تكد تصل جثة الضحية إلى المكتب الجماعي لحفظ الصحة بمراكش حيث ستجرى عملية التشريح، “حتى خرج تصريح المديرية العامة للأمن الوطني حسب ما تم نشره في مجموعة من المواقع الإلكترونية أن ياسين توفي أثناء نقله للمستشفى الشيء الذي لقي استهجانا من الجميع كون مخفر الشرطة ببنجرير لا تفصله عن المستشفى الإقليمي سوى مسافة أقل من 200 متر”.

وهنا يتساءل سعيد شبلي، شقيق الهالك، “هل يعقل أن يكون ياسين قد توفي أثناء نقله في هذا الظرف الوجيز الذي لا يتعدى دقيقتين على أبعد تقدير؟ أم هو التخبط والجنون الذي لفّ القضية وجعل المعنيين يتسترون عن هذه الفضيحة وإبعادها بأي شكل كان؟”.

آثار التعذيب

وتبعا لذلك، جاء في معاينة الجثة بمستودع الأموات الجماعي بمراكش من طرف نائب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتاريخ 2022/10/07، حسب تقرير العائلة، “أن على جثمان الهالك زرقة و كدمة على مستوى الأنف، كما عاين انتفاخا خلف الرأس، وكدمة كبيرة وراء الأذن اليسرى، كما تمت معاينة أن عنقه ينزلق بشكل غير عادي وتمت معاينة على جثمان الهالك ثلاثة ندبات على مستوى الكتف الأيمن وندوب وكدمات على مستوى الجهة الأمامية العليا من القفص الصدري من الجهة اليسرى ومجموعة من الكدمات على مستوى البطن واحمرار على مستوى المرفق الأيسر والأيمن، كما تمت معاينة زرقة على مستوى الساق الأيمن وكدمات زرقاء على المستوى الأيسر من الظهر، وكدمات على مستوى الساعد الأيمن”.

وعلى إثر ذلك كلفت المديرية العامة للأمن الوطني الفرقة الوطنية للقيام بالبحث والتحري في ملابسات وظروف وفاة ياسين شبلي حيث ستحل بالمنطقة الإقليمية ببنجرير في اليوم الموالي الجمعة 7 أكتوبر 2022 لتباشر عملية البحث والتحقيق.

واصلت أسرة الضحية ومعها المتعاطفون من جيران وأصدقاء الضحية وحقوقيون الإحتجاج أمام المنطقة الأمنية، مرددين شعارات متهمة المنطقة الإقليمية “بقتل ياسين شبلي عمدا وتحت التعذيب”، رافعين صوره “التي تكشف عن جسده المضمخ بأثار التعذيب الذي تعرض له بمخفر الشرطة”، ومطالبين بتحقيق العدالة وإلحاق الجزاء بالجناة.

استمرت الإحتجاجات دون أن تفقد وهجها طيلة ستة أيام لتختتم يوم الأربعاء 12 أكتوبر 2022 بعد أن وافقت الأسرة على دفن جثة ابنها، “إذ تلقت حينها وعودا وطمأنة سواء من السيد الوكيل العام بمحكمة الإستئناف بمراكش (…) أو من الفريق الطبي الذي باشر عمل التشريح (…)”، ليتم دفن جثة الهالك يوم الخميس 13 أكتوبر 2022 بمسقط رأسه بمدينة ابن جرير.

بعد هذا الحادث المفجع، تفاعلت السلطات القضائية مع القضية، فتم فتح تحقيق رسمي، وتم تقديم ثلاثة عناصر من الشرطة منهم ضابط أمام النيابة العامة في حالة إعتقال، بجنحة ارتكابهم العنف أثناء قيامهم بوظائفهم والتسبب في القتل غير العمدي الناتج عن عدم التبصر وعدم الإحتياط والإهمال، وعنصر رابع في حالة سراح من أجل الإشتباه في ارتكابه جنحة التسبب في القتل غير العمدي نتيجة عدم التبصر وعدم الإحتياط والإهمال.

وتوبع ثلاثة من مقدمي الشرطة بالمحكمة الابتدائية ببنجرير في حين تمت متابعة الضابط، بالمحكمة الابتدائية بمراكش لتمتعه بصفة الامتياز.

معاملة “لا إنسانية”

وأثناء جلسات المحاكمة، كشفت تسجيلات كاميرات المراقبة، التي وثقت لحظات تواجد ياسين شبلي بداخل مخفر الشرطة، عن “معاملة لا إنسانية تعرض لها الشاب، من طرف بعض رجال الأمن، الذين كانوا مكلفين بحراسته”.

ووفقًا لتصريحات هيئة دفاع عائلته، “فقد تم تقييد الراحل لساعات طويلة، وربط يديه بالقضبان الحديدية، وهو واقف على أطراف أصابع رجليه على شكل (T)، ويتلقى ضربات متتالية على الرأس ومناطق حساسة من جسده”.

وفي هذا السياق قال المحامي رشيد آيت بالعربي عضو هيئة دفاع أسرة الهالك إن “ما رأيناه ليس مجرد عنف… إنه تنكيل ممنهج… سلوكيات تعكس سادية وقسوة غير مبررة، لقد خرج ياسين من المخفر جثة، بينما دخل إليه شابًا مليئًا بالحياة”.

وأوضح المتحدث أن استجابة المحكمة لملتمس عرض الأقراص المدمجة بالملف، والتي تتضمن تسجيلات الكاميرات سواء تلك المثبتة على صدر رجال الشرطة الذين ألقوا القبض على الهالك أو تلك المثبتة بمخفر الشرطة، جاء بعد إصرار كبير من هيئة دفاع عائلة المرحوم، مردفا أنه “تبين لنا أن المرحوم ياسين الشبلي رزئ في حياته نتيجة سلوكات عدوانية حاقدة من أشخاص نزعوا إنسانيتهم و ارتدوا ثوب السادية”.

وأضاف المحامي آيت بلعربي “أن شابا في مقتبل العمر يتم التنكيل به دون مبرر مقبول و هو مصفد اليدين للوراء لمدة فاقت ثمان ساعات. شابا مغلوبا على أمره يتم ربط يديه مع القضبان الحديدية و هو واقف على أصابع رجليه على شكل T و يتلقى ضربات جبانة و غادرة من الخلف على مستوى الرأس و بين الفخذين. شابا دخل إلى المخفر كبطل في فنون الحرب معروف في مدينة بنجرير فخرج منه جثة هامدة”.

وخلص عضو هيئة دفاع عائلة شبلي إلى أن “ما شاهدناه اليوم للأسف لم يلحق الضرر بعائلة المرحوم ياسين شبلي فقط، بل ألحق الضرر الأكبر بسمعة الأمن الوطني المغربي، لأن ما وقع كان في مخفر شرطة و من طرف رجال الأمن بزيهم النظامي وفي مواجهة محروس نظريا. و هو أمر لا يمكننا أن نتصوره في أي مخفر آخر من مخافر الأمن، لكن نتمنى ألا يتكرر ذلك”.

رواية الأمن

من جهتها، قالت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في تقريرها حول هذه القضية “إن الهالك المسمى قيد حياته ياسين شبلي قد كان في حالة سكر متقدمة وغير عادية مقرونة بهستيريا وهيجان، عرض من خلاله عناصر الشرطة المتدخلة لإيقافه للسب والشتم والتهديد والايداء الجسدي، حيث أبدى مقاومة شرسة اتجاهم، بل أكثر من ذلك لم يتجرد من عدوانيته حتى أثناء تواجده بمقر الديمومة التي كانت تؤمنها عناصر دائرة الشرطة الأولى ليعمد إلى توجيه العنف وركلات إلى ضابط الشرطة المداوم (أ. ع)”.

وأضافت في تقريرها، الذي تقول إنها اعتمدت فيه على تسجيل كاميرات المراقبة بالشارع وداخل المخفر فضلا عن تصريحات عدد من الشهود، أنه “تم نقله إلى الغرف الأمنية بشق الأنفس بعد استنفاد كافة المحاولات لتهدئته لكن دون جدوى”.

وتابعت أن “الحالة هاته حتمت على عناصر الشرطة تصفيده ووضعه بغرفة أمنية منفردة حفاظا على سلامته وسلامة المحروسين والمشرفين على الغرف الأمنية على غرار الإجراءات المتبعة مع المسمى “عزيز الهداني” الذي تم وضعه أيضا بمفرده بغرفة أمنية تفاديا لإيداء نفسه أو باقي المحروسين أو رجال الشرطة”.

“وتم نقله أيضا للمستعجلات لتلقي العلاجات نتيجة حالة السكر المتقدمة التي كان عليها، غير أنه وعلى الرغم من ذلك بقي الهالك على حاله وتمادي في تعنته وتعريض كل من تواجد بالغرف الأمنية للسب والشتم والتهديد مستعرضا مهاراته القتالية في الفنون الحربية بضرب الأبواب الحديدية برجليه رغم تصفيده”، يقول المصدر.

ومع مرور الوقت، “وبالنظر للحالة التي كان عليها الهالك، كان لا يتحكم في السيطرة على توازنه، حيث كان يترنح ويسقط مرارا على الأرضية الصلبة للغرفة الأمنية رقم 02 على وجهه جهة اليمين واليسار وعلى مؤخرة رأسه ورقبته وأنحاء أخرى من جسمه ويقوم بضرب الحائط والشباك الحديدي ثارة برجله وثارة بصدره دون التوقف عن الصراخ مما قد يكون سببا بإصابته بكدمات وتورمات بأنحاء مختلفة من جسده، تبعها بعد ذلك دخوله في حالة تقيؤ شديدة عجلت بنقله إلى مستعجلات المؤسسة الصحية المذكورة حيث رفض الهالك الخضوع لأي فحص طبي وتلقي أي علاج ليتم إعادته إلى نفس الغرفة الأمنية”.

برجوعه إلى الغرف الأمنية، يقول تقرير السلطات الأمنية، “واستمراره في حالة الهيجان والتهديد بإيذاء نفسه والانتحار. الشيء الذي حدا بمقدم الشرطة (ع.ك) إلى تصفيده كل يد في جهة في وضعية وقوف للحد من خطورته والحيلولة دون تحقيق تهديداته بمساعدة من مقدم الشرطة (م.ر)، حيث قام موظف الشرطة (ع.ك) بصفع باليد على مستوى مؤخرة رأسه وركله على مستوى أسفل فخده من الخلف وبقي المعني على هاته الحالة إلى حين هدوئه وتجرده من حالة الهيجان التي كان عليها ومن ثمة تمكينه من غطاء وفراش اسفنجي حيث نزع سرواله بنفسه وخلد للنوم إلى أن تم اكتشافه دون حراك ليتم نقله إلى المستشفى الإقليمي الرحامنة ليتضح بأنه فارق الحياة حيث تم وضعه بمستودع الأموات في انتظار إخضاع جثته لتشريح طبي”.

غير أنه وبتواجد جثة الهالك بغرفة حفظ الأموات، وقبل إخضاعها لتشريح طبي، يضيف التقرير، “فقد تم اقتحام مستودع الأموات من قبل عائلة الهالك وأشخاص آخرين دون معرفة حجم الضرر الذي قد لحق بالجثة جراء ذلك”.

واستنادا إلى نتائج التشريح الطبي لجثة الهالك، حسب تقرير الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، خلصت إلى مايلي:

– أن هذه صورة للاختناق مع الاحتقان الحشوي المتعدد.
– وجود كدمات بالجهة اليسرى للوجه والكدمات العنيفة اللاحقة والتراخي الكبير في الرقبة.
– الإزاحة الأمامية لفقرات العنق (1) و (2) والخلع الثنائي المفاصل الفك الصدغي.

وتابع المصدر أنه أمام عدم الوقوف خلال مجريات البحث من خلال استقراء كل تسجيلات كاميرات المراقبة وكذا شهادة الشهود والبحث المجرى مع عناصر الشرطة المعنيين، “على ما من شأنه أن يؤكد تعرض الهالك لعنف جسدي قد يكون سببا في الإصابات الواردة بتقرير التشريح الطبي والتي قد تكون سببا مباشرا في وفاته، فضلا عن عدم تضمين تقرير التشريح الطبي للسبب المباشر للوفاة، ما عدا بعض اللطمات التي وجهها له ضابط الشرطة (أ.ع) وسوء المعاملة بتصفيده واقفا على باب الغرفة الأمنية كل يد في جهة من طرف موظفي الشرطة (م.ر) و(ع.ك) وتعرضه لصفعة باليد على مؤخرة رأسه وركله على مستوى أسفل فخده من الخلف من طرف هذا الأخير”.

إدانة أسرة الهالك

ومطالبة بحق ابنها، نظمت عائلة الفقيد عدة وقفات احتجاجية، طالبت من خلالها بكشف الحقيقة كاملة ومحاسبة المتورطين في وفاة ياسين، غير أن تلك الوقفات أخذت أبعادًا أخرى، بعدما اتهمت السلطات بعض المشاركين فيها خاصة من عائلة ياسين شبلي بـ”الإخلال بالنظام العام” و”محاولة التأثير على القضاء”، كما شهد بعضها احتكاكًا مع عناصر الشرطة، أدى إلى إصابة اثنين من الأمنيين حسب الرواية الرسمية.

وتبعا لذلك، أصدرت المحكمة الابتدائية ببنجرير، في إطار الدعوى العمومية، أحكاما قضائية في حق عدد من أفراد أسرة ياسين شبلي، تراوحت بين شهر و4 أشهر حبسا موقوف التنفيذ، وغرامات مالية تراوحت بين 300 و500 درهم مع تحميلهم الصائر والإجبار في الأدنى.

وفي الدعوى المدنية التابعة، بالحكم على المدانين جميعا بأدائهم تضامنا لفائدة المديرية العامة للأمن الوطني تعويضا مدنيا قدره (5000) خمسة آلاف درهم، ولفائدة كل واحد من باقي المطالبين بالحق المدني تعويضا مدنيا قدره (3000) ثلاثة آلاف درهم، وتحميلهم الصائر مع تحديد مدة الإكراه البدني في الأدنى وبرد باقي الطلبات.

رغم كل ذلك، استمرت العائلة في المطالبة بكشف الحقيقة كاملة. وفي أحد الوقفات أمام المحكمة، رفع المحتجون شعارات ولافتات، يطالبون فيها بالعدالة لابنهم المغدور.

متابعة المتهمين

وبالعودة إلى رجال الأمن الأربعة المتهمين، المشار إليهم آنفا، فبخصوص الضابط (أ.ع)، حكمت عليه المحكمة الإبتدائية بمراكش بتاريخ 28 فبراير 2023 بعدم الإختصاص النوعي للبث في القضية وإحالة الملف على من له حق النظر والإبقاء على المتهم في حالة إعتقال.

وبتاريخ 04 أبريل 2023، في نفس الملف، حكمت محكمة الإستئناف بمراكش بإلغاء الحكم الذي قضى بعدم الإختصاص النوعي لتدفع العائلة عريضة بطلب الطعن بالنقض بتاريخ 07 يونيو 2023.

وبتاريخ 06 دجنبر 2023، قضت محكمة النقض برفض طلب النقض المرفوع من طرف المطالبين بالحق المدني ذوي الحقوق، (أسرة ياسين شبلي) لتتم محاكمة الضابط من جديد بالمحكمة الابتدائية بمراكش بتاريخ 6 ماي 2024 من طرف نفس الهيئة في المرحلة الإبتدائية قبل النقض، بجنحة الإهمال وعدم التبصر والتسبب في القتل غير العمدي بعقوبة خمس سنوات حبسا نافذا وأدائه تعويضا قدره 200.000.00(مئتي ألف درهم ) درهم لكل واحد من ذوي الحقوق المدنية الستة، وأداء درهم رمزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مع إخراج المدخلين في الدعوى كالمديرية العامة للأمن الوطني.

وبتاريخ 31 يوليوز 2024 تم تأييد الحكم الإبتدائي استئنافيا، وبتاريخ 09 غشت 2024، تم التصريح بالنقض وما زالت العائلة لحد الآن تنتظر الرد.

أما بخصوص مقدمي الشرطة (ع.ك) و(م.ر)، فقد صدر الحكم عليهما في المرحلة الابتدائية ببنجرير بتاريخ 12 يناير 2023 بعدم الاختصاص النوعي للبث في القضية، وإحالة الملف على من له حق النظر مع الإبقاء على المتهمين في حاله إعتقال.

وبتاريخ 07 مارس 2023 ثم إلغاء الحكم المستأنف لتلجأ العائلة إلى رفع عريضة بطلب الطعن بالنقض بتاريخ 15 ماي 2023 وتم التوصل برفض طلب الطعن، “بدريعة أننا مطالبون بالحق المدني وليس لنا الحق في الدعوى العمومية”، لتبدأ أولى جلسات الملف بالمحكمة الإبتدائية ببنجرير يوم 13 مارس 2025، “رغم أن القرار صدر بتاريخ 18 شتنبر 2024″، تقول أسرة الهالك.

وبالموازاة مع ذلك، توبع مقدم شرطة ثالث (م.أ) في حالة سراح من أجل الإشتباه في ارتكابه جنحة “التسبب في القتل غير العمدي نتيجة عدم التبصر وعدم الإحتياط والإهمال”.

وقد مرت حتى الآن أكثر من سنتين على وفاة ياسين، لكن جراح العائلة لم تندمل بعد، القضية لا تزال أمام القضاء، والشهادات تترى، فيما ينتظر الرأي العام كشف كل ملابسات ما جرى داخل ذلك المخفر، لعلّ العدالة تُنصف شابًا فقد حياته في ظروف غامضة، لا يزال كثيرون يرفضون تصديقها.

وفي آخر تطورات القضية، قضت المحكمة الإبتدائية ببنجرير، في ساعات متأخرة من ليلة الأربعاء 23 أبريل 2025، ببراءة مقدم شرطة (م.أ)، الذي كان متابعا في حالة سراح، من المنسوب إليه، وبإدانة كل من مقدم شرطة (م.ر) بسنتين ونصف حبسا نافذا، ومقدم شرطة (ع.ك) بثلاث سنوات ونصف حبسا نافذا.

وتفاعلا مع ذلك، استنكرت أسرة الهالك هذه الأحكام، معتبرة إياها أحكاما “ظالمة ولم ترق لحجم الجرم” الذي ارتكب في حق ابنها، وأعلنت لحظتها عن اعتصام أمام المحكمة الابتدائية ببنجرير من أجل المطالبة بتمكينها من نسخ من المحاضر القضائية، ونسخ من الحكم، ونسخ من تسجيلات الكاميرات، “التي وثقت عملية التعذيب التي تعرض لها المرحوم ياسين”.

وفي غضون ذلك، أكدت الأسرة أنها ستطعن في هذه الأحكام أمام محكمة الاستئناف، مجددة مطالبتها بإعادة فتح التحقيق في القضية، استنادًا إلى المستجدات التي وصفتها بـ “الخطيرة”، والتي كشفت عنها تسجيلات الكاميرات المعروضة في إحدى جلسات المحاكمة.