“وفرة بلا حصاد”.. مهني: ضيعات الزيتون تعاني نقصاً حاداً في اليد العاملة
تعيش الضيعات والحقول الفلاحية، خلال الموسم الحالي، مفارقة لافتة تتمثل في وفرة غير مسبوقة في إنتاج الزيتون، مقابل أزمة حادة في توفير اليد العاملة اللازمة لجني المحصول، وهو ما يهدد جزءاً من هذا الإنتاج بالتلف أو التأخر عن موعد جنيه المناسب.
فبين أشجار مثقلة بالثمار وحقول واسعة تنتظر الجني، تتعثر العملية بسبب غياب العمال، رغم الموسم الاستثنائي الذي تشهده ضيعات الزيتون من حيث وفرة إنتاج الزيتون، بحسب مهنيين في القطاع.
في هذا الصدد، يُرجع رحال شكلوط، منتج زيت الزيتون البكر الممتاز بإقليم تاوريرت، هذه الأزمة إلى عدة عوامل، من بينها مغادرة عدد كبير من الشباب لمناطق ضيعات الزيتون، سواء في إطار الهجرة الداخلية أو الخارجية، وهو ما يُعد سبباً مباشراً في تفاقم أزمة اليد العاملة.
ويضيف شكلوط، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب” أن برودة الطقس، خاصة خلال هذا العام، زادت من عزوف العمال عن الاشتغال في الضيعات، الأمر الذي جعل عملية الجني تواجه صعوبات كبيرة، خصوصاً أنها تمتد أحياناً من شهر إلى آخر دون أن تُستكمل في الوقت المناسب.
ويشير المتحدث إلى أن الانتشار الواسع للضيعات الفلاحية، مقابل محدودية اليد العاملة المتوفرة، يجعل من الصعب تغطية المساحات الشاسعة المزروعة بالزيتون، رغم أن الموسم الحالي يُعد استثنائياً من حيث حجم الإنتاج. غير أن هذا العامل الإيجابي، حسب قوله، يتحول إلى عبء في ظل غياب الموارد البشرية الكافية.
وأوضح شكلوط أن طبيعة الإنتاج تلعب دوراً أساسياً في تعقيد الوضع، إذ إن جزءاً كبيراً من الزيتون المنتج يُوجَّه إلى زيتون المائدة، ما يفرض جنيَه يدوياً للحفاظ على سلامته وجودته، وتفادي أي خدوش أو عيوب قد تؤثر على تسويقه، على خلاف الزيتون الموجَّه إلى المعاصر، الذي يمكن جنيُه بواسطة الآلات.
وأشار إلى أن التقنيات المتوفرة حالياً لا تُستعمل على نطاق واسع، نظراً لكون أغلب أشجار الزيتون معمّرة وكبيرة الحجم، ولا تناسبها آلات الجني المتوفرة، والتي تُستخدم عادة مع الأصناف المجددة.
ورغم وفرة الإنتاج، فإن نقص اليد العاملة تسبب في تأخر عملية الجني، كما أن موجات البرد والصقيع، بحسب شكلوط، “تشكل تهديداً حقيقياً لحبات الزيتون التي لم تُجْنَ بعد”، محذراً من أن ذلك “قد ينعكس سلباً على جودة المحصول ومردوديته”.
وفي ما يتعلق بالأجور، أوضح المتحدث أن أصحاب الضيعات يقدمون تحفيزات مالية، مشيراً إلى أن التعويض يتم غالباً على أساس الصندوق، الذي يتراوح وزنه بين 25 و27 كيلوغراماً، ويتقاضى العامل عنه ما بين 25 و30 درهماً في بعض الحالات، وقد يصل إلى 50 أو 60 درهماً، “وهو ما يعادل حوالي درهمين ونصف للكيلوغرام الواحد”، دون احتساب المصاريف الإضافية المرتبطة بالنقل وغيره، “مما يرفع من الكلفة الإجمالية على الفلاحين”.
ولم تقتصر أزمة اليد العاملة على الضيعات فقط، بل امتدت كذلك إلى المعاصر، التي أصبحت تعاني بدورها من نقص في اليد العاملة. ويرى شكلوط أن الحلول الظرفية “لم تعد كافية”، مشيراً إلى أن أصحاب الضيعات يفكرون حالياً في اتخاذ إجراءات حقيقية، من بينها اللجوء إلى المكننة وتنظيم العمل الفلاحي بشكل أكثر احترافية.
كما شدد على ضرورة احترام الآجال الفلاحية، معتبراً أن شهر يناير ينبغي أن يكون آخر موعد لجني الزيتون، حتى تُمنح الأشجار قسطاً من الراحة وتدخل في مرحلة السبات، بما يضمن إنتاجاً جيداً في الموسم الموالي.
وأمام هذا الوضع، أصبحت المكننة، حسب المتحدث، خياراً لا مفر منه، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن تعويضات العمال وصلت إلى ما بين 400 و500 درهم في اليوم، ورغم ذلك يظل العثور على اليد العاملة “أمراً بالغ الصعوبة، ما يدفع أصحاب الضيعات إلى عرض تحفيزات إضافية دون نتائج ملموسة”.
وتبقى الهجرة وتراجع عدد العاملين في القرى من أبرز الأسباب التي فاقمت هذه الأزمة، في ظل مغادرة أغلب الشباب للمجال القروي. وهو ما يضع قطاع الزيتون، أحد أعمدة الفلاحة المغربية، أمام تحديات بنيوية تتطلب حلولاً هيكلية عاجلة، “تشمل تعميم المكننة حيثما أمكن، وتنظيم سوق الشغل الفلاحي، وتحفيز الشباب على العودة إلى العمل في هذا القطاع الحيوي، تفادياً لمزيد من الخسائر مستقبلاً”، وفق تعبير المتحدث.