story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

هل تطفىء المفاوضات نيران الحرب الواسعة؟

ص ص

عبد الحفيظ السريتي

الجواب نعم ولا! فنتنياهو لم يترك جريمة إلا ارتكبها لإفشال أي مسعى بسيط لإيقاف أكبر حرب إبادة جماعية في حق النساء والأطفال، تدور رحاها على أرض غزة وتنقلها الفضائيات بالصوت والصورة على مدار أكثر من عشرة أشهر. إننا إزاء عملية سحق وتدمير لا نجد لها تفسيرا إلا في عقائد العصابات الصهيونية الإجرامية التي تدعو نهارا، جهارا بقتل كل الأجسام التي تتحرك في المنطقة ولم يسلم من عدوانهم ودمويتهم، حتى الحيوانات. فليس غريبا على قتلة الأنبياء أن يوغلوا، سفكا في دماء الأبرياء، مادام الغدر والإفساد من شيمهم. فكيان الاحتلال الذي تم استنباته في المنطقة من قبل بريطانيا وتكفلت برعايته ودعمه الولايات المتحدة ودول غربية، فقد الكثير من قوة الردع وودع الحروب الخاطفة التي كان يشنها من الجو دون أن يكلفه ذلك حياة جنوده. فمنذ العدوان على لبنان عام 2000 ومرورا بالمعارك التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة و انتهاء بطوفان الأقصى، أدرك العدو ومعه الإدارة الأمريكية أن مياها قوية تدفقت تحت الجسر وفوقه وأن أمن إسرائيل لا يسير بحسب التخطيط الأمريكي والرغبة الصهيونية. فالمقاومة في المنطقة وبشهادة الصهاينة أنفسهم، اتسع نفوذها واشتد عودها وباتت تهديدا وجوديا لإسرائيل. فالمفاوضات الأخيرة التي انطلقت في الدوحة، يضع أمامها نتنياهو كل ما من شأنه أن يعيق نجاحها. والحال أن المشكلة الكبرى تتمثل في من لا يزال يثق في كيان مجرم وبارع في المراوغات والتملص من الالتزامات والعهود.

لا للدولة الفلسطينية وأمريكا شريك في العدوان

ويكفينا أن نلقي نظرة سريعة على حجم القرارات الأممية وعلى بنود اتفاق أوسلو لندرك أننا أمام عدو يتحرك ضمن أهداف توسعية، إحلالية وعنصرية وهذا ما عبر عنه الكنيست بوضوح حينما عارض بشدة قيام دولة فلسطينية. وهنا لا بد من توجيه اللوم للأنظمة العربية أولا، التي بسلوكها، شجعت كيان العدو على التطاول والتنكر لحقائق التاريخ والجغرافية وبدرجة أكبر للولايات المتحدة التي تعد الراعي والشريك والداعم لكيان الاحتلال. والغرب الامبريالي بقيادة أمريكا، ينظر للصراع العربي الإسرائيلي على أساس نهاية وحيدة هي انتصار المشروع الصهيوني وسيادته في المنطقة وهو ما أفصح عنه سموتريتش وبنغفير، فالفلسطينيون أمامهم بحسب هؤلاء ثلاث خيارات لا رابع لها، إما التهجير وهو ما فشلوا فيه أو العيش تحت الاحتلال والرضا بالمذلة والظلم والتعسف أو الإبادة الجماعية وهي الأسلوب الذي يمارس الآن، دون أن يتحرك في مجتمع الحضارة والتقدم وتحديدا على مستوى حكوماته وقادته ما يشي بالحد الأدنى من الإنسانية.

مفاوضات على مقاس كيان الاحتلال

فحركة حماس التي يجتهد الغرب في تحميلها أوزار الجرائم الصهيونية، قبلت مبادرة الرئيس بايدن التي أعلن عنها في ال31 مايو 2024 ورحبت بقرار مجلس الأمن رقم 2735 كإطار لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وإنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني، بينما رفضها نتنياهو واضطر الأمريكي الراعي (النزيه!) في المفاوضات إلى تغيير كل بنود الاتفاق، حتى تجاري الاحتلال في رغباته وعدوانه ضد الفلسطينيين. فالمبادرة تضمنت في البداية، الوقف الفوري التام والكامل لإطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال إلى محاذاة الحدود وعودة النازحين إلى بيوتهم دون قيد أو شرط والسماح بدخول المساعدات وصفقة تبادل جدية بين الطرفين. فماذا جنت حماس وفصائل المقاومة من قبولها بنقاط بايدن؟ استمر العدو الصهيوني في ارتكاب المزيد من المجازر وطلع الأمريكي بصيغة جديدة، مختلفة جذريا عن سابقتها، أولها، عدم الانسحاب من معبر رفح وفيلاديفيا ومحور نتساريم وتفتيش العائدين من الجنوب إلى الشمال وتغيير جذري لما تم التنصيص عليه في الصيغة الأولى التي تتعلق بتبادل الأسرى وأخيرا ربط السماح بدخول المساعدات بقبول كافة الشروط السابقة. وطبيعي أن حماس والمقاومة تشبثت بمضمون المبادرة الأولى وحملت الولايات المتحدة مسؤولية الضغط على نتنياهو لإجباره على وقف العدوان، إذا كان الأمريكيون جادون فعلا ولديهم إرادة حقيقية لتجنيب المنطقة حربا شاملة ومدمرة ما دام نتنياهو وفريقه اليميني المتطرف يدفع نحو انفجار الأوضاع وجر المنطقة إلى حافة الهاوية.

رد حزب الله يصل العمق الإسرائيلي

وأمام هذه الأوضاع التي تنذر بالأسوأ، لم يكن أمام حزب الله إلا أن يرد على جريمة اغتيال أحد قادته البارزين فؤاد شكر الذي قضى في عملية إسرائيلية بالضاحية الجنوبية. والحال أن الرد بحوالي 340 صاروخ وعدد غير معلن من المسيرات واستهداف مواقع إستراتيجية في العمق الإسرائيلي وتحديدا قاعدتي غليلوت وعين شيمر العسكريتين، يعد سابقة وكسرا لكل قواعد الاشتباك التي ظلت تحكم وتضبط المواجهات لقرابة إحدى عشر شهرا، منذ طوفان الأقصى الذي انطلق في السابع من أكتوبر الماضي. فالتهديد والوعيد ونفير القوات الأمريكية إلى المنطقة، لم تمنع حزب الله من تنفيذ وعده بالانتقام لأحد قادته وكذلك وربما هذا الأهم، الرفع من سقف الإسناد والدعم للمقاومة الفلسطينية. وهذا برز سريعا في الرسائل التي بعثتها المقاومة بكل فصائلها إلى حزب الله، لمباركة رده وهجومه على كيان الاحتلال. والأكيد أن ما أصبحت تمثله المقاومة من تحد في وجه العدو وحلفائه، بات يربك المشاريع والمخططات التي سهرت على تنفيذها الإدارة الأمريكية وهي أمركة وصهينة المنطقة والقضاء على نهج المقاومة فيها .

وعلى عكس توقعات الأمريكيين، لم يتردد حزب الله – مباشرة بعد رده على العدو الصهيوني- عن بعث رسالة واضحة للأمريكيين حينما قصف شمال الأراضي المحتلة التي حل بها الاثنين 26 غشت 2024 كل من رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي ونظيره الأمريكي تشارلز براون بحوالي 20 صاروخا وهذا يبرز أن المقاومة عازمة على الاستمرار في دعمها وإسنادها للمقاومة الفلسطينية وتأكيدها على وحدة الساحات التي أصبحت، ميزان قوة جديد، يضاعف من أزمات العدو الصهيوني وحلفائه في المنطقة.

أمريكا .. الانتخابات أولا

لذا كان واضحا أن الأمريكيين يريدون ربح مزيد من الوقت حتى تمر الانتخابات ومنع انجرار المنطقة إلى حرب شاملة، ما دام ذلك لا يخدم مصالحهم الآنية، لكن دون أن يعني ذلك أنها منخرطة بثقلها لحمل نتنياهو على إنهاء عدوانه والانسحاب من غزة التي أذهلت الأعداء والأصدقاء بصمودها الأسطوري وقتالها العنيد. ولأن الأمريكيين يشاركون العدو الصهيوني في جريمة الإبادة وفي حصار وتجويع الأطفال والنساء والشيوخ ولكونهم أعلنوا موت القيم ونهاية الأخلاق التي طالما ادعوا تمثيلها والدفاع عنها، فقد جابهت حماس في مصر مكرهم وخبثهم بإباء وشجاعة حيث عبرت عن رفضها للإطار الجديد وتشبثها بالعناصر التي وردت في خطة بايدن الأولى، لتعيد بذلك كرة النار إلى ملعب الصهاينة والأمريكيين. فغزة لم ينفع مع أهلها ومقاومتها وحاضنتها الشعبية القتل والتدمير والحصار والتجويع وكلما اشتد وزاد منسوب الجرائم ضد الأبرياء وقايض العدو والأمريكيين، كرامة الغزاويين بالطعام والماء، رأوا في غزة العزة ما يكرهون ورد الناس بصغيرهم وكبيرهم “كل يهون، كل فدا فلسطين” و”هذه أرضنا ولن نخرج منها”

فنتنياهو الذي فشل وجيشه في تحقيق الأهداف العسكرية، بدءا من تدمير حماس والمقاومة الفلسطينية وتحرير الأسرى، يبحث لإنقاذ مستقبله عبر سرقة نصر مزيف من خلال المفاوضات بعد أن عجز عن تحقيق ذلك عسكريا في ساحة المواجهات. وبما أن المفاوضات تراوح مكانها بسبب العراقيل التي يضعها نتنياهو في طريقها وبسبب مسايرة الولايات المتحدة لرغباته الدموية، خوفا من خسارة الانتخابات وخاصة أن ترامب يلعب على كل الحبال بما فيها المزايدة على كامالا هاريس لجلب ود اليهود واستمالتهم للتصويت لصالحه في الانتخابات التي تشهدها الولايات المتحدة في الخامس من نوفمبر 2024، يشعر الديمقراطيون بحساسية الظرف ويعملون كل ما بوسعهم حتى لا تغرق أمريكا بسببهم في حرب في المنطقة لا تبقي ولا تذر.

لا شيء يبدو في الأفق القريب. فنذر التصعيد آتية من كل حذب وصوب. آخرها ما صرح به بن غفير الذي ينوي إقامة كنيس داخل المسجد الأقصى وهو تطاول أخطر من الإقدام على جريمة حرق المسجد الأقصى عام 1969 والذي فجر مواجهات واسعة. أمام كل هذا الصلف والعدوان وهذا الاستهداف، طرف واحد وكأنه ليس من هذا الكوكب الذي نعيش فيه، النظم العربية وتحديدا منها التي طبعت علاقاتها مع القتلة والمجرمين محتفظة بصمتها وخزيها. فهل تتحرك فيها حمية المسجد الأقصى؟.