story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

ندوة وطنية تسلط الضوء على “فجوة التواصل” بين الشباب والمؤسسات الرسمية

ص ص

ناقش صناع قرار وممثلون عن فئة الشباب في المغرب طبيعة العلاقة القائمة بين المؤسسات والشباب المغربي، وطرق تحسين تفاعلهم وتعزيز الثقة المتبادلة، وذلك في ندوة وطنية نظمتها “حركة المواطنون” يوم الخميس 10 يوليوز 2025، تحت عنوان “رؤى متقاطعة حول المشاركة المواطنة”، ضمن جلسة خُصّصت لموضوع “المؤسسات والشباب نحو حوار فعّال”.

وفي السياق، قال الفنان وصانع المحتوى المغربي مصطفى الفكاك إن المؤسسات والإدارة في المغرب تعتمد خطابًا ولغة تخلق “هوة عميقة” بينها وبين فئة الشباب، معتبرًا أن “غياب الوضوح والتواصل” مع المواطنين، خاصة الشباب، ليس صدفة، بل جزء من “ثقافة مقصودة” تكرّس الضبابية كأداة من أدوات التحكم.

وأوضح الفكاك، أن الشاب المغربي “يعاني من صعوبة كبيرة في الوصول إلى المعلومة، رغم وجودها”، مؤكدًا أن الشاب المغربي لا يستطيع الحصول حتى على معلومة بسيطة دون “مصادر خاصة”، وهو ما يعمّق الإحساس بانعدام الشفافية وفساد المنظومة.

وأضاف أن المسؤولين لا يقدّمون المعلومة للمواطن، ولا يفسّرون السياسات أو الأرقام بلغة مفهومة، مشيرًا إلى أن “اللغة الدقيقة” التي يستخدمها الفاعلون السياسيون والإداريون “لا تُسعفهم في التواصل مع جمهور واسع، أغلبه من الشباب”.

وتابع الفكاك: “أنا مؤثر أتحدث في مواضيع تهم الشباب، ويُقبل عليّ الناس، ليس لأنني عبقري، بل لأن هناك فراغًا كبيرًا لم تملأه المؤسسات الرسمية، وأنا فقط استغل هذا الفراغ”.

“غياب الثقة”

وفي تحليله للعلاقة المعقدة بين المجتمع والسياسة، يرى الفكاك أن هناك “انقسامًا في الوعي” داخل المجتمع، “فمن جهة، هناك شعور دائم بأن المجتمع هو الضحية، وأن أشياء تُمارس عليه دون مشاركته فيها، ومن جهة أخرى، هناك فئة سعت جاهدة لتأمين موطئ قدم لها داخل المنظومة السياسية، لكنها تُقابل بعدم الثقة والريبة”.

وفي هذا الصدد يستدل الفكاك بكون أن “الناس مثلا يرون أن رئيس الجماعة لا يتقاضى أجرًا”، مضيفا أن هذا الاعتقاد يجعلهم يفكرون بأن “هذا الشخص يسعى جاهدا للوصول إلى ذلك المنصب حتى تتسنى له السرقة، حيث يرى الناس أن كل شيء محكوم بالمصالح الشخصية”.

تبسيط المفاهيم

ولتقريب المفاهيم من الشباب، اختار الفكاك تبسيط القضايا الكبرى بلغة الحياة اليومية، قال: “في فيلم قصير عن الحق في المعلومة، بدأت بسيناريو بسيط: ذهبت إلى البقال وقلت له: أعطني كيلوغرامًا من الزبدة، بكم؟ قال بـ12 درهمًا، أجبته أن السعر الحقيقي 10 دراهم، وهناك درهمان هما (TVA) — ضريبة القيمة المضافة”.

وتابع: “ثم نُظهر في الفيلم رجلًا أنيقًا يرتدي ربطة عنق، ونقول: هذا هو رئيس الجماعة، نشرح للمشاهدين أن الضريبة لا تذهب فقط إلى خزينة الدولة، بل يجب أن تعود إليك على شكل خدمات عمومية، بهذه الطريقة، نساعد المواطن على الفهم والمتابعة والمساءلة”.

وختم الفكاك بالتأكيد على أن الفيديو حقق نسب مشاهدة عالية لدى الشباب لأنه كان نابعًا من بحث في هويتهم، وثقافتهم، واهتماماتهم، ومحاولة جادة في تبسيط المفاهيم بلغة قريبة منهم.

ربط الخدمات بالمؤسسات

من جهته، أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، أن فئة من الشباب المغربي ما تزال غير واثقة من المؤسسات، إلا أن الوزارة تعمل تدريجيًا على بناء هذه الثقة من خلال الحضور الميداني، والاستماع، وتقديم مبادرات ملموسة تعكس الاهتمام الحقيقي بالشباب، بهدف إشراكهم في الحياة السياسية بشكل مباشر.

وأضاف بنسعيد، أن فقدان الشباب للثقة في السياسيين غالبًا ما يؤدي إلى غياب الضغط الإيجابي الديمقراطي، قائلًا: “إذا لم يُمارَس ضغطٌ سياسي من طرف المواطنين، فإن المسؤول يظن أن كل شيء على ما يرام، لأنه لا يشعر بأن هناك من يطالبه بالتغيير”.

وأشار إلى أن ربط الخدمات بالمسار المؤسساتي يخلق نوعًا من العلاقة الجديدة بين الشباب والمجال السياسي، لأن “الاستفادة من خدمة تنطلق من سياق سياسي ومؤسساتي، وبالتالي يبدأ الشاب في الاهتمام بمصدر هذه الخدمة، وبالبرامج الانتخابية، وبعمل الأحزاب، ويطالب بتطوير حقه فيها، ومن هنا يبدأ الانخراط التدريجي في الحياة السياسية”.

وشدد الوزير على أن البلاد بحاجة إلى “نقاش سياسي حقيقي”، وإلى حضور أكبر للشباب داخل مواقع القرار، من الأحزاب إلى المجالس المنتخبة، معتبرًا أن “هذا هو جوهر الديمقراطية، وذلك أن يشارك المواطنون، وخاصة الشباب، في التغيير، والضغط الإيجابي، وتقديم المقترحات”.

وتابع قائلًا: “حين كنا شبابًا، كنا نردد أن الكبار لا يفهموننا، وأنهم لا يمنحوننا الفرصة، واليوم، نحن في موقع المسؤولية، وعلينا أن نُظهر أن الحلول ممكنة، والحلول تبدأ من داخل المؤسسات، ومن خلال بناء تصورات بديلة تنطلق من الواقع”.

وفي معرض حديثه عن المبادرات العملية التي أطلقتها الوزارة، أشار بنسعيد إلى أن أول ما فكر فيه بعد تعيينه وزيرًا سنة 2021، هو كيفية استقطاب الشباب، وإظهار اهتمام الدولة بهم، مشيرًا إلى أن هذا التفكير هو ما أدى إلى إطلاق فكرة “جواز الشباب”.

وأوضح الوزير أن الهدف من هذه المبادرة هو توحيد الخدمات التي تقدمها الدولة لفائدة الشباب، وإضافة خدمات جديدة ثقافية وترفيهية ورياضية وتكوينية، وذلك وفق رؤية تستحضر تنوع اهتمامات هذه الفئة.

وتابع: “في الماضي، كانت بعض الخدمات موجودة وأخرى غير كافية، جيلنا لم يكن يملك نفس الإمكانيات الرقمية التي يتوفر عليها شباب اليوم، ولا التطبيقات والمنصات التي تسهّل الولوج إلى الخدمات، واليوم هناك أكثر من 80 مليون اشتراك في الهاتف النقال، أي بمعدل يزيد عن جهازين لكل شخص، فقررنا استغلال هذا المعطى في تقديم الخدمات بشكل رقمي ومبسّط”.

وكشف بنسعيد أن التجربة الأولى أُطلقت في جهة الرباط، شهدت إقبالًا كبيرًا من طرف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و30 سنة، مؤكدا أن المبادرة تسعى إلى تغطية جميع المجالات، لأن “كل شاب له اهتمامات مختلفة: من يهتم بالرياضة، ومن يهتم بالثقافة، أو السفر، أو التكوين المهني”.

كما أقرّ الوزير بوجود صعوبات في إيصال هذه الخدمات إلى بعض المناطق القروية والجبلية، مؤكدا في هذا السياق أن الوزارة تنظر إلى الشباب المغربي ككل، وتأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين الجهات.

وأردف أن “الشباب في الرباط لديهم طرامواي وملاعب، لكن في بني ملال أو مناطق أخرى الوضع مختلف، ونحن نعي هذا التباين، ونعمل على الاستجابة له وفقًا لخصوصية كل جهة”.