نحن والضفدع المغلي

هل سبق أن سمعت عن “الضفدع المغلي”؟ إليك القصة.

هي قصة الضفدع إذا ألقي في ماء ساخن، فإنه سرعان ما يقفز خارج القِدْر، لأنه يدرك بسرعة الخطر الداهم الذي يتعرّض له. أما الضفدع الذي يوضع في ماء غير ساخنٍ، ويُفضّل أن يكون فاتراً، ثم يتعرض للحرارة فيسخن بالتدريج، لا يكون قادرا على إنتاج ردّ فعل، ويبقى في الماء هادئا يحاول التكيّف باستمرار مع ارتفاع درجة حرارة الماء إلى أن يلقى مصيره المحتوم.

الحكومة الحالية تدبّر شؤون المغاربة، منذ 32 شهرا، وفق تقنية الضفدع المغلي. على نار هادئة تقضم باستمرار من مقدّرات المغاربة وقدرتهم على العيش. تتراكم الإكراهات، وتزداد الأعباء، مدفوعة بسياسات اقتصادية متغوّلة، لكنها في سبيل تفادي رد الفعل الذي يدفع المغاربة إلى “القفز خارج الإناء” تعتمد تقنية الضفدع المغلي، الذي لا يسمح للمواطنين باستشعار “السخونية” إلى الحدّ الذي يجعلهم ينتجون رد فعل.

كاتب هذه السطور ليس خبيرا اقتصاديا، لكنه مواطن مغربي يمشي في الأسواق ويرتاد كل الفضاءات التي يتم فيها البيع والشراء، ويشعر أنه “ضفدع في ماعون الحكومة”، يُغلى على مهلٍ، ويفقد باستمرار قدرته الشرائية، ويتورّط بشكل تراكمي في وضعية تجعله هشّا أمام احتياجات صارت أكثر كلفة، لكنه يفقد بالتوازي شيئاً أكثر فداحةً: القدرة على إنتاج رد الفعل.

لا أعتقد أن الدولة، بما فيها الحكومة، على استعداد لتجريب طهينا في ماء ساخنٍ، مخافة أن ننتج رد فعل ونقفز من القِدْر، لكنها تغلينا بماء فاترٍ يسْخُن باستمرار، يقودنا إلى وضعية العجز، والخصاص، والإنهاك، والغرق في صعوبات معيشية تزداد قسوة.

إنهاك الطبقة المتوسطة، الأقدر على “امتصاص الضربات” واستشعار الخطر، والقدرة على قيادةِ دفعه، وتجريب “ممكنات القفز”، يجري وفق تقنية الضفدع المغلي، إذ تفقد باستمرار قدرتها على تأمين وساطة بين الفقر والغنى تؤمّن الاستقرار المجتمعي، إلى وضعية تجد فيها نفسها تقترب أكثر وأكثر من الفقر، دون قدرة على التنبّه السريع إلى أن حرارة ماء المعيشة ترتفع باستمرار وتقود إلى الإرهاق. ولربما الفقراء أكثر تحسّسا لسخونة الماء، لكنهم الأكثر عجزا عن إطلاق رد الفعل المنتج للأثر السياسي.

إلى هذا الحد يبدو أن الفكرة صارت أوضح. لننتقل إلى مستوى آخر.

كيف يتمّ غلينا؟

إن الماء الفاتر يمنحك عموما شعورا بالاسترخاء، ويشعرك بالثقة، وأن لا خطر وشيكٌ، وأن البيئة مثاليةٌ لاستقطاع لحظة هدوء. هذا ما فعلته آلة إعلامية بيدِ من يدبّرون اليوم الشأن الحكومي. جرّفوا خصوما باستعمال وسائل شديدة الفتك في كل وسائل التأثير، التقليدية والحديثة، وصرفوا أمولا طائلة، للوصول إلى حالة مزاجٍ عامٍ مُسْتَمالٍ يومها إلى أن البديل لن يكون غير الماء الفاتر في قِدْرِ حزب مُتَوَثِّبٍ يتمتع بقدر معتبرٍ من الإمكانات المادية، جعلته قادرا على ممارسة التنويم الجماعي، بعدما كان قد حذّر من الماء الساخن في إناء “حكومة الإسلاميين”. والقصة يعرفها الجميع، وكيف انتقل أخنوش من وضعية وزير ثريٍ مستهدف شعبياً إبّان حملة مقاطعة واسعة استهدفت إحدى شركاته، إلى رئيس حكومة أكثر ثراءً.

إلى هنا نتبيّن خطورة التغييرات البطيئة والتدريجية التي لا يُدرَكُ أثرها إلا بعد فوات الأوان، بعدما يكون قد تبلّد حسّ الجمهور وهو يطفو في الماء الفاتر، وفَقَد القدرة على إدراك الخطر، في مقابل التغييرات السريعة والفجائية التي تحدث أثرا فوريا وتخلق حالة من التنبّه للمخاطر، التي تفسح المجال لمعالجتها، وقد يكون القفز من الإناء، في الوقت الصحيح، خيارا متاحا وبديلا عن السلبية في التعامل مع التغيير التدريجي الذي يمنح شعورا خادعا بالاسترخاء.
وأخيرا، لا يهمّ أن تكون معارضا أو موالياً للحكومة، فالقِدْرُ واحد، والماء واحد، ويهمّك أن تتحسّس “ماء جيْبك” لتُدرك ما أنت فيه، إلا مترفا ومحظوظا ومستفيدا لا يعنيه هذا التحذير، فهو ممن يصدق فيه قول الشاعر إنه “الطاعِم الكاسي”.