مطالب حقوقية بتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة وإنقاذ آسفي من الكوارث المستقبلية
طالب حقوقيون بضرورة محاسبة المسؤولين على فيضانات مدينة آسفي، مؤكدين أن “الفيضانات لم تكن حدثا طبيعيا صرفا، بل نتيجة مباشرة لخلل تدبيري بنيوي سبق التحذير منه”، ومحملين الدولة، بمؤسساتها المركزية والترابية، المسؤولية الكاملة عن هذه الفاجعة، باعتبارها “نتيجة مباشرة لسياسات الإهمال والتهميش والفساد البنيوي”.
وفي هذا السياق، قال محمد مربيح، نائب رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع سلا، إن “الوقوف على واقع مدينة آسفي قبل الفاجعة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، يكشف عن واقع التهميش والفقر والبطالة والفساد، إضافة إلى القمع والاعتقالات والمحاكمات الصورية لشباب ومناضلي الحركة الاجتماعية”.
وأكد مريبح في حديثه لـ”صوت المغرب”، أن “غياب أي مقاربة بيئية شاملة على مستوى مدينة آسفي قبل الفاجعة يكشف عن واقع تراكم المشاكل البيئية، بدءًا من تدهور قطاع التطهير والسائل إلى العشوائية في التعامل مع قطاع النظافة والمساحات الخضراء، وغياب البرامج والمشاريع سواء المحلية أو الوطنية، مما انعكس سلبًا على حياة الساكنة وجودتها، خاصة مع تدهور القطاع الصحي العمومي وخوصصته”.
وفي هذا الإطار، أكد أن “ما تسميه الدولة برنامج إعادة التأهيل لا يعالج هذه التراكمات البيئية العميقة، بل يحاول التغطية على تأخر الدولة في التدخل قبل وقوع الفيضانات، رغم علمها بالمنخفض الجوي المتوقع، وعدم اتخاذ أي إجراءات استباقية لحماية الأرواح، على عكس ما تقوم به الدول التي تحترم شعوبها وتضع حياة المواطنين في أولوياتها”.
كما شدد على أن “تراكمات الأزمات لا تقتصر على الفيضانات فقط، بل تشمل التلوث المستمر الناتج عن أنشطة المكتب الشريف للفوسفاط ومركب الطاقة، إضافة إلى تلوث المياه والنفايات الصلبة، وهو ما يفاقم هشاشة البنية البيئية للمدينة ويجعل أي تدخل متأخر عاجزًا عن مواجهة الكوارث الطبيعية والاستثنائية”.
وفي هذا الصدد، طالب الحقوقي “بضرورة تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي لا يزال شعارًا أجوفًا دون تطبيق”، مؤكداً أن “المسؤولية تقع بشكل أساسي على عاتق المجالس المحلية والبرلمانيين والسلطات المحلية، والتي يجب محاسبتها أولًا قبل أي جهة أخرى، لضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث”.
كما شدد على “ضرورة تقديم الأرقام الحقيقية للضحايا والمفقودين”، مؤكدا على “ضرورة إشراك الساكنة والقوى الديمقراطية في المدينة في كل مراحل التدخل والإغاثة، لضمان إدارة عادلة وفعّالة للأزمة بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية”.
وختم مربيح بالقول إن “اعتبار مدينة آسفي مدينة منكوبة يعد خطوة أولى أساسية، تتطلب تفعيل صندوق الإغاثة على نطاق شامل، وإعادة النظر الجذرية في السياسات المحلية، بدءًا بحل المجالس المحلية ومحاسبة المسؤولين عن الفاجعة، وانتهاءً بوضع برامج تنموية حقيقية تحمي الساكنة وتضمن حقوقهم في بيئة سليمة وبنية تحتية قادرة على مواجهة أي كارثة مستقبلية”.
وفي الاتجاه نفسه، أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن “الفاجعة لم تكن حدثا طبيعيا صرفا، بل نتيجة مباشرة لخلل تدبيري بنيوي سبق التحذير منه في تقارير رسمية، حيث ذكرت التقرير التقني مؤرخ في 5 يناير 2022 الذي أنجزته الجماعة الحضرية لآسفي بشراكة مع وزارة إعداد التراب الوطني، والذي حدد بدقة المناطق المهددة بالخطر واقترح حلولا تقنية لم ينفذ منها شيء”.
وأضافت في بلاغ لها، أن “المسؤولية على الفيضانات تتقاطع أيضا مع التغييرات التي أحدثتها وزارة التجهيز والماء في البنيات المائية ومسارات الجريان السطحي دون تقييم شامل لآثارها، وهو ما ساهم في تحويل السيول نحو مناطق آهلة بالسكان”.
وتابعت أن “المعطيات المحلية تشير إلى أن مخلفات المكتب الشريف للفوسفاط، خاصة المرتبطة بوحدات الغبار الأسود والغسيل والتجفيف، ساهمت في خنق مصارف المياه الطبيعية والاصطناعية، مما أدى إلى انسدادها وعجزها عن استيعاب كميات الأمطار”.
وأضافت أن “مخطط التهيئة الحضرية لمدينة آسفي لم يحين منذ الحقبة الاستعمارية، رغم التحولات العمرانية والبيئية الكبرى، ما جعل البنية الترابية عاجزة عن مواجهة أي ضغط طبيعي استثنائي، علاوة على تهالك وتقادم قنوات صرف المياه وغمرها بالنفايات والأتربة، محملة المسؤولية للشركة المخول لها تدبير قطاع النظافة وتلك المخول لها تدبير قطاع الماء والصرف الصحي”.
ولكل هذه العوامل، أكدت الجمعية على “ضرورة فتح تحقيق قضائي نزيه وشفاف، ومحاسبة كل المسؤولين عن الفساد المالي والغش والمضاربات، واسترجاع الأموال المنهوبة، مع الكشف عن مآل المشاريع المبرمجة لحماية المدينة من الفيضانات، وعلى رأسها مشروع تهيئة واد الشعبة”.
كما طالبت “بمساءلة وزارة التجهيز والماء عن التغييرات التي أحدثتها في البنيات المائية، والكشف عن الدراسات التقنية التي اعتمدت، وفتح تحقيق تقني مستقل لتحديد مدى تأثير مخلفات المكتب الشريف للفوسفاط على انسداد المصارف، وكشف مدى احترامه للمعايير البيئية”.