مشاورات الانتخابات بدون رئيس حكومة.. قراءة في دلالات الغياب وبروز “الداخلية”

ترأس وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، يوم السبت 2 غشت 2025، اجتماعاً مع قادة وممثلي الأحزاب السياسية، خُصّص للتحضير للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها سنة 2026.
الاجتماع الذي انعقد بالرباط في إطار توجيهات الملك محمد السادس، ضمن خطاب الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، عرف غياب رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في وقتٍ اعتُبر هذا النوع من اللقاءات، خلال الحكومات السابقة، من صميم اختصاصات رئيس السلطة التنفيذية.
تهميش بعد مسار تراجعي
في هذا الصدد، يرى إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، أن اجتماع وزير الداخلية بقادة الأحزاب السياسية للتشاور حول الانتخابات المقبلة “انطوى على تجاوز وتهميش واضح لرئيس الحكومة”.
يوضح حمودي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أنه منذ اعتماد دستور 2022، كانت المشاورات حول الانتخابات في الحكومات السابقة تنطلق باجتماع يترأسه رئيس الحكومة، “لكن هذا التقليد تم تجاوزه هذه المرة، بالعودة إلى ما قبل 2011”.
وعدد حمودي مجموعة من الدلالات من وراء هذا الحدث، مشيراً إلى أن “تهميش” رئيس الحكومة في عملية التشاور حول الانتخابات المقبلة “يؤكد المسار التراجعي في ميدان الديمقراطية وحقوق الإنسان”، وهو المسار الذي “تعمّق أكثر مع حكومة أخنوش، التي أهملت تطوير وتعزيز الخيار الديمقراطي”. وقال: “لعل تهميش رئيس الحكومة هو نتيجة لذلك الإهمال أيضًا”.
أما الدلالة الثانية، فتتعلق بالتكليف الملكي لوزارة الداخلية بالإشراف على عملية إطلاق المشاورات، وهو ما “يعكس تفاعلاً إيجابيًا مع الانتقادات التي وُجّهت للمؤسسات المنتخبة منذ 2021، وهي مؤسسات مغشوشة”.
ويشير حمودي إلى أن تأكيد وزير الداخلية على الحاجة إلى مؤسسات تتمتع بـ”الشرعية والثقة والاحترام” في انتخابات 2026، قد يكون “إقرارًا ضمنيًا بسلبية، بل فداحة التجربة الحالية، إذ إن العديد من المؤسسات المنتخبة منذ 2021 لا تحظى بالاحترام فعلاً”.
ويرى الأستاذ الجامعي في دلالة ثالثة، أن تكليف وزارة الداخلية بالتشاور مع قادة الأحزاب “يتضمن تشكيكًا ضمنيًا” في قدرات رئيس الحكومة عزيز أخنوش على إدارة هذه العملية السياسية الانتخابية، بما تتطلبه من حياد وموضوعية عندما يتعلق الأمر بالمصالح العليا للدولة، وهو ما “أثبت في محطات عديدة أنه يفتقر إليه، حيث يُرجّح مصالحه الخاصة على المصلحة العامة”، في إشارة إلى قضايا تضارب المصالح التي تلاحق أخنوش أمام الرأي العام.
ويعتبر حمودي أن هذا التكليف ينطوي في الوقت نفسه على تعزيز للموقع المهيمن لوزارة الداخلية، ولدورها المركزي في الإشراف على العملية الانتخابية.
الداخلية.. المدير الفعلي
من جانبه، يذهب المحلل السياسي خالد البكاري إلى أن ترؤس وزير الداخلية للقاء الأول من مشاورات التحضير للانتخابات، دون المرور عبر “الشكليات البروتوكولية” المتمثلة في افتتاح اللقاء من طرف رئيس الحكومة، يُعدّ “عودة إلى الحقيقة الجوهرية، وهي أن وزارة الداخلية في حقيقتها ليست تابعة لرئيس الحكومة، وإنما تندرج ضمن المجال المحفوظ للملك”.
ويعتبر البكاري، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن إشراف رئيسي الحكومة السابقين عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني على اللقاء الأول من مشاورات انتخابات 2016 و2020، “لم يكن يتجاوز الجانب الشكلي”، إذ في نهاية المطاف، كانت وزارة الداخلية هي “من تدير المشاورات الحقيقية نظرًا لعدة اعتبارات”.
وذكر من بين هذه الاعتبارات كون وزارة الداخلية هي “الجهاز السياسي للدولة”، بحسب تعبيره، إضافة إلى امتلاكها جميع الأدوات التقنية، كما أنها تتوفر على خريطة دقيقة للمجال الترابي، حتى في أبعاده السياسية والرمزية والمستقبلية.
ومع ذلك، يشير البكاري إلى أن غياب أخنوش عن هذا اللقاء يطرح تساؤلات من قبيل: “هل يُمكن اعتبار هذا الأمر بمثابة ‘غضبة غير معلنة’ على أداء رئيس الحكومة؟ أم أنه مجرد تجسيد لوضع بنيوي يخص توزيع السلط داخل الدولة؟”
ويرى أنه لا يمكن تقديم “جواب حاسم” في هذا الموضوع، “لأن الأمر في نهاية المطاف يبقى في نطاق التكهنات”، مشيرًا إلى أنه “كثر الحديث، في مرات عديدة، عن ‘غضبة’ تجاه مسؤولين، غير أن هؤلاء في ما بعد أُسندت إليهم مهام أخرى”، وهو ما يدل على أنهم “لا يزالون يحظون بالثقة، وأن مكانتهم ما زالت محفوظة ضمن ما يُعرف بالثقة المولوية”.
إعداد لأدوار مستقبلية
وتوقف خالد البكاري عند ما بدا أنه حملة منظمة ضد وزير الداخلية، من خلال مجموعة من الكتابات في الآونة الأخيرة، وصلت في بعض الحالات إلى حد اتهامه بـ”علاقات مشبوهة” مع جهات تهاجم المؤسسات، وهو ما أسفر عن تكهنات بأن “إقالة وزير الداخلية أصبحت مسألة وقت فقط”، قبل أن يُكلَّف بثلاثة ملفات استراتيجية وأساسية.
ويرى البكاري أن ذلك يعني أن وزير الداخلية “لا يزال يحظى بثقة الملك”، كما يمكن القول، يضيف المتحدث، “إنه أصبح من بين الشخصيات السياسية والتكنوقراطية الأكثر قربًا وثقةً من طرف المؤسسة الملكية”.
ويشير البكاري إلى أنه يتم إعداد وزارة الداخلية للعب أدوار مستقبلية مهمة على ما يبدو، سواء في المجال السياسي، أو في تدبير الشأن الترابي، أو على صعيد التنمية، وذلك وفق مقاربة جديدة “تختلف عن المقاربة الأمنية الصرفة التي كانت سائدة في زمن إدريس البصري”. وتتمثل في كونها “مقاربة تكنوقراطية، وتنموية، وسياسية، مدعومة مباشرة من القصر”.
وتتعلق الملفات الثلاثة التي ذكرها البكاري بإسناد مهمة الإشراف على إعادة بناء قطيع الماشية خلال آخر ظهور رسمي للملك قبل خطاب العرش إلى وزير الداخلية، وذلك بعد الأزمة الأخيرة التي أدت إلى دعوة المواطنين إلى عدم أداء شعيرة الأضحى، إذ “تم انتزاع الملف من وزارة الفلاحة ليُكلّف به وزير الداخلية الذي أُوكلت إليه مهمة التنسيق مع مختلف القطاعات المعنية لإعادة بناء هذا القطاع الحيوي”.
أما الملف الثاني، فينطلق من مضامين الخطاب الملكي الأخير، من خلال إسناد ملف الإشراف على الانتخابات إلى وزير الداخلية، “وهو ملف حساس ومهم بالنظر إلى الاستحقاقات المرتقبة في 2026، والسياق السياسي الذي يحيط بها”. وذلك بالإضافة إلى ملف التنسيق بين القطاعات لتنزيل مخطط التنمية المجالية المندمجة، “وهو مشروع استراتيجي يروم إعادة تنظيم وتفعيل التنمية على المستوى الترابي”.