story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

مدارس الڤيلا ومعتقلات الفاڤيلا

ص ص

كم هو احتمال أن يدرس ابن الطّبيب أو المهندس، مع ابن سبّاك أو حمّال في مغرب اليوم؟ إنّه شبه منعدم. يكفي أن يولد الطّفل فقيرا في حيّ شعبي، ليدرك أنّه مطالبا ب “الرّيمونتادا” منذ صرخته الأولى. ولا يحتاج المرء كثيرا من التّأمّل والتّدبّر ليدرك أنّ مغرب الأمس، كان أكثر عدالة ورحمة من مغرب اليوم.

كان من البديهي أن يدرس أبناء الفاڤيلا، وأبناء الڤيلا في نفس المقرّرات. أن يتعلّمو من نفس الأساتذة. أن يرتادوا نفس الحمّامات. أن يلعبوا نفس الألعاب في ساحات المدرسة. أن يستعملوا نفس اللّغة للتّعبير عن رغباتهم واحتيّاجاتهم. أن يقعوا في حبّ بعضهم البعض، ويكتبوا بنفس الأقلام، على نفس الأوراق ما يختلج في صدورهم.

كان بالإمكان الفقير أن يثأر لأيّ تنمّر طبقي بنتائج الاختبارات. لم يكن الآباء يحملون همّ الدّروس الخصوصيّة ليعبروا بفلذات أكبادهم لبرّ الأقسام التّحضيريّة أو المعاهد أو المدارس الوطنيّة. كانت الدّراسة بالمال ل “الدّمدومات”. أمّا اليوم فقد تبخّرت هذه العدالة المعرفيّة.

صار لأبناء الڤيلا مدارسهم ومقرّراتهم وأصدقاءهم، ولأبناء الفاڤيلا معتقالاتهم الّتي عليهم أن يحفروا أنفاقا معقّدة تحت بيئة ظالمة للنّجاة منها. أبوان يذهبان في جنح اللّيل من أجل لقمة عيش، فيما يترك الأطفال لمصيرهم. وعليهم أن يتحمّلوا المسؤوليّة قبل الأوان، فيما أقرانهم من الطّبقات المحظوظة في كنف “النّونو”.

على أبناء الفاڤيلا أن يتعلّموا في عزّ براءتهم الحذر من الاغتصاب، والسّيليسيون، والعنف، وأمور كثيرة لا طاقة لهم بها. مجبرون على أن يتعلّموا اللّغات ب “المصّاصة” في مقرّرات بئيسة، فيما الآخرون في المدارس الخصوصيّة والبعثات الأجنبيّة، لديهم ما يكفي من السّاعات لينهلوا من مقرّرات قد تشبههم، لكنّها قطعا لا تشبه أبناء الفاڤيلا.

إنّ هذه “الحگرة” للمدرسة العموميّة، تؤسّس لمجتمع مفكّك نحن على أعتابه. السّيّاسة التّعليميّة في هذا البلد بصدد صناعة قنبلة موقوتة تسمّى الحقد الطّبقي. وأيّ حقد مردّه للظّلم. وكلّ ظلم مصيره أن يواجه إمّا بالسّلم أو العنف. ظلم ألّا يحصل أبناء هذا الوطن على نفس المعرفة. ظلم أن تصبح مكانة الأهل بوّابة للسّعادة أو الشّقاء. ظلم ألّا يُنظر إلى أبناء الفاڤيلا إلّا كخزّان انتخابي. ظلم أن يصبح أبناء الفاڤيلا مجرّد أرقام في سجّالات البطالة بذريعة عدم الكفاءة.

ما جنّب المغرب كثيرا من المطبّات على مدار السّبعين سنة الماضيّة، هو العدلة المعرفيّة الّتي كانت تتمّ داخل المدرسة العموميّة. من غير المعقول أن يصبح المال رديفا للتّعليم أو التّطبيب الجيّد. هل يعلم هؤلاء السّاسة إلى أيّ مغرب يقودوننا؟ ألا ينظرون بأعين مفتوحة إلى كلّ هذه الفوران الاجتماعي من المدن إلى القرى والفيافي!

أقولها للمرّة الألف: إذا لم يتساوى المغاربة في التّعليم، فإنّهم لن يتساووا في أيّ شيء مستقبلا ولو كان موتا. فبالأمس فقط، قضت عائلة بأكملها في الخ…