story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

مخاطر تحلية مياه البحر

ص ص

جميل هذا الإقبال الجماعي الكبير على مناقشة موضوع صفقة إقامة محطة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء، لما تنطوي عليه من شبهات كبيرة لتضارب المصالح لدى رئيس الحكومة عزيز أخنوش؛ لكن هل قرار إنتاج ما يقارب المليار ونصف مليار متر مكعب من المياه من خلال تحلية مياه البحر هو الحلّ الأمثل للحد من نقص المياه؟

أين نحن من النقاشات العالمية حول الآثار الجانبية لهذه الممارسة، سواء على التوازن البيئي أو الصحة العامة؟

هل لدينا ما يؤكد سلامة هذا الاختيار، وغياب آثاره السلبية على السواحل المغربية ومخزونها السمكي، وانعدام أي أثر صحي سلبي على المواطنين الذين سيصبح ماء البحر المحلى مشربهم الرئيس؟

وأين هو الدليل العلمي الذي أثبت أن تحلية مياه البحر وضخها في الشبكات العمومية للماء الشروب هو الحل الوحيد المتبقي أمامنا؟

أين ذهبت مياهنا الجوفية وماذا فعلنا من أجل تجديدها ومنع استنزاف ما تبقى منها؟

لماذا نتعامل مع الموارد المائية الاعتيادية، على أنها في حكم المندثر نهائيا؟

ألا تكفي وارداتنا السنوية من مياه الأمطار لتلبية الطلب على الماء الشروب؟

ولماذا لم توجّه محطات تحلية المياه نحو تلبية الطلب على السقي الفلاحي مثلا، وتحميل المنتجين كلفتها المرتفعة؟

إذا كان توفير المياه العذبة، سواء للشرب أو السقي أو الاستعمالات الصناعية والخدماتية الأخرى، يمثل أولوية استراتيجية لمواجهة أزمة ندرة الموارد المائية، فإن هذا التوجه لا يمكن أن يظل معزولا عن دراسة تأثيراته الجانبية طويلة الأمد، كما أكدت العديد من الدراسات العلمية.

بحثت عن أجوبة من خلال الدراسات والبحوث العلمية والتجارب المقارنة، خاصة أن بعض دول الخليج العربي تعيش أزمات بيئية خطيرة في سواحلها البحرية بفعل انعكاسات تحلية مياه البحر على التوازن البيئي وانقراض الكثير من مظاهر الحياة البحرية.

من الناحية الصحية، تُظهر الدراسات العلمية الحديثة، المنشورة في مواقع مراكز ومجلات علمية ومؤسسات مثل منظمة الصحة العالمية والمنتدى الاقتصادي العالمي… أن المياه المحلاة تفتقر إلى المعادن الأساسية، على رأسها المغنيسيوم، وهو عنصر حيوي في جسم الانسان.

إحدى هذه الدراسات العلمية التي عثرت عليها، أجريت في إسرائيل التي يعتبرها البعض الأكثر تقدما في تكنولوجيا تحلية مياه البحر، والتي تعتمد بشكل كبير على هذه المياه.

وأظهرت هذه الدراسة الميدانية التي تطلّب إجراؤها عشر سنوات، زيادة في معدلات أمراض القلب بين السكان الذين يستهلكون هذه المياه، بسبب انخفاض مستويات المغنيسيوم فيها.

وفي تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية نجد تشديدا على أهمية إضافة المغنيسيوم إلى مياه البحر المحلاة، مع الإشارة إلى ارتباط نقصه بأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، وحتى بعض أنواع السرطان.

كما يمكن أن تنقل المياه المحلاة آثار المواد الكيميائية المستخدمة في عملية التحلية، مثل الكلور والأحماض، مما يهدد صحة الجهاز الهضمي والكلى على المدى الطويل، علاوة على احتمال تسبّب هذه المياه في اختلال توازن المعادن في الجسم، مما يضعف المناعة ويؤثر على صحة العظام والأسنان.

وإذا كانت هذه التهديدات المتعلقة بصحة الإنسان الذي يستهلك مياه البحر المحلاة، في طور الدراسة ولم تتحوّل بعد إلى يقين، خاصة في ظل استمرار تطوير التكنولوجيا وتدارك الثغرات؛ فإن الانعكاسات البيئية لهذا النشاط الصناعي لا تحتاج إلى تأكيد.

فعملية التحلية تُنتج كميات ضخمة من المحلول الملحي الغني بالأملاح الثقيلة والمواد الكيميائية، والتي تُصرّف في البحار، مما يؤدي إلى تغير مستويات الأكسجين وملوحة المياه، ويهدد التنوع البيولوجي البحري.

وقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة “Science of the Total Environment” أن المحلول الملحي الناتج عن التحلية يحتوي على مستويات مرتفعة من الكلور والنحاس، التي تضر بالنظم البيئية البحرية بشكل كبير.

ففي الخليج العربي، الذي يعدّ من أكثر المناطق اعتمادا على تحلية المياه، تسبب التصريف الملحي الناتج عن عمليات التحلية في زيادة ملوحة مياه السواحل، مما أثر سلبا على النظم البيئية البحرية مثل الشعاب المرجانية والأسماك.

كما يعتبر هذا النشاط من بين الواجهات التي يناضل فيها المدافعون عن البيئة في أوربا، بما فيها إسبانيا، بفعل الأضرار التي يسبّبها نشاط تحلية مياه البحر في السواحل.

فمن جهة أولى تؤدي عملية المعالجة إلى القضاء على الكثير من مظاهر الحياة البحرية، خاصة منها اليرقات والكائنات البحرية متناهية الصغر، والتي يتم تدمير توازن بيئتها وبالتالي القضاء عليها؛ ومن جهة ثانية يؤدي طرح المخلفات الناتجة عن عملية المعالجة في البحر إلى القضاء على كائنات بحرية أخرى.

تحلية مياه البحر إذن، ليست مجرد حل تقني لأزمة المياه؛ بل هي خيار يتطلب نقاشا عاما ومراجعة علمية شاملة. وإذا كان المغرب يسعى إلى تحقيق تنمية مستدامة، فلا بد من النظر إلى التحلية كجزء من منظومة متكاملة تأخذ في الاعتبار صحة الإنسان وسلامة البيئة.

الرهان اليوم ليس فقط على توفير المياه، بل على كيفية ضمان أن تكون هذه المياه مصدر حياة لا تهديدا صامتا.

ومثلما أقبلنا اليوم على مناقشة الأبعاد الاقتصادية والمالية لصفقة واحدة من محطات إنتاج هذه المياه، ينبغي أن يحضر هذا النقاش الصحي والبيئي، وننتج الأجوبة المقنعة حول سلامة هذا القرار.