story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

محطات مفصلية في تاريخ الأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر

ص ص

تعيش العلاقات المغربية الجزائرية على وقع أزمة دبلوماسية عميقة بدأ مسلسلها منذ عقود واشتدت حدتها في السنوات الأخيرة، بعدما أقدمت الجارة الشرقية في غشت سنة 2021، على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب من طرف واحد وأغلقت مجالها الجوي أمام حركة الطيران المغربي، بسبب ما اعتبرته “الأعمال العدائية” للمملكة، دون أن تكشف المزيد عن تفاصيل هذه الأعمال.
وإذا كان قطار هذه الأزمة قد وصل اليوم إلى محطة قطع العلاقات من جانب واحد، فإن نقطة انطلاقه كانت مباشرة بعد نيل الجزائر لاستقلالها في بداية ستينيات القرن الماضي بسبب أزمة الحدود بين البلدين التي انتهت باندلاع ما سمي بحرب الرمال سنة 1963، قبل أن تنتهي هذه الأخيرة بوساطة كل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الافريقي حاليا).
ورغم أن الحرب بين الجارين قد توقفت أشهرا بعد اندلاعها، إلا أن مخلفاتها وارتداداتها لم تتوقف يوما، وظلت رقعتها تتسع يوما بعد يوم. وبعد وصول الرئيس هواري بومدين إلى كرسي الرئاسة الجزائري بدأت الحياة تدب في شرايين العلاقات بين البلدين بعد وساطة من طرف الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه، توجت بزيارة الرئيس الجزائري بومدين للمغرب سنة 1969 ولقائه بالحسن الثاني، والتوقيع على “معاهدة إفران”، كما تم تبادل الرسائل والزيارات الديبلوماسية بين الجانبين بعد هذه الزيارة.
لكن حينما أعلن المغرب عن تنظيم المسيرة الخضراء سنة 1975، لاسترجاع أقاليمه الصحراوية من إسبانيا، قامت الجزائر في نفس السنة برد فعل عدواني تجلى في طرد ما يقارب 350 ألف مواطن مغربي من ترابها، صبيحة يوم عيد الأضحى، في ما سمي بالمسيرة السوداء. الأمر الذي بدا معه أن هدف تحسين العلاقات بين البلدين كان مجرد وهم، بسبب الحدود بين البلدين من جهة وقضية الصحراء من جهة ثانية، قبل أن تأتي وفاة بومدين سنة 1978، أياما قبل موعد لقاء كان مقررا أن يجمعه بالحسن الثاني في العاصمة البلجيكية بروكسيل لتنسف كل شيء.
وبخصوص هذا اللقاء يقول الكاتب والمحلل السياسي حسن أوريد في حوار له على قناة الجزيرة، “كانت حقيقة فرصة مجهضة ومخلفة لقائدين لهما وزنهما وكاريزماهما ومعرفتهما وقادرين على إحداث التحول”.
وبعد سنوات من وفاة هواري بومدين ومجيئ الشاذلي بنجديد بدأت العلاقات المغربية الجزائرية تعرف نوعا من الانفراج، بعد وساطة المملكة العربية السعودية، واستأنفت العلاقات سنة 1988، بمسلسل واعد انتهى بالتوقيع على معاهدة مراكش سنة 1989، لتأسيس اتحاد المغرب العربي، لكن الأحداث التي عاشها العالم العربي سنتي 1990 و1991، بعد اجتياح العراق للكويت وحصار ليبيا بعد أحداث لوكيربي والمظاهرات في الجزائر خلال مرحلة ما يعرف بالعشرية السوداء والإضرابات في المغرب بسبب الأوضاع المعيشية، أثرت كلها بشكل كبير على العالم العربي وعطلت مسيرة الاتحاد المغاربي.
وخلال هذه الفترة وتزامنا مع هذه الأحداث، كان الحسن الثاني قد أجرى حوارا مع صحيفة الشرق الأوسط دعا فيه إلى احترام مسار الانتخابات التي أجريت في الجزائر حينها، الشيء الذي أغضب الصحافة الجزائرية وأثار حفيظتها، وفي هذا الباب يقول المحلل السياسي حسن أوريد “إن الذي أثار الصحافة الجزائرية تصريح للملك الحسن الثاني رحمه الله لصحيفة الشرق الأوسط حول مسار الانتخابات الجزائرية قال حينها إنه كان من المستحسن أن يتم احترام مسلسل الانتخابات الذي جرى في الجزائر وكان يمكن أن تكون هذه التجربة مختبرا” وكانت هذه الجملة قد أغضبت وأثارت حفيظة الصحافة الجزائرية، وللموضوعية هي لم تكن فكرة الحسن الثاني وإنما هي فكرة لصاحبها الرئيس الجزائري الشاذلي بنجديد يؤكد المتحدث ذاته.
بعد هذه الواقعة بدأ نوع من الفتور في العلاقات بين البلدين انتهى بغلق الحدود سنة 1994، جراء “قرار غير موفق من قبل السلطات المغربية بفرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين على اعتبار أن المغرب مرتبط باتفاقية اتحاد مغاربي تنص على حرية التنقل”، يقول حسن أوريد الذي استطرد قائلا، “لكن الرد الجزائري كان أقوى من قرار المغرب بكثير وهو إغلاق الحدود”، وذلك على خلفية الحادث الإرهابي الذي عرفته مدينة مراكش سنة 1994.
وأضاف أوريد الذي حل ضيفا على برنامج المقابلة لقناة الجزيرة أنه بعد الانفراج والمصالحة اللذان عرفتهما الجزائر أواخر التسعينيات من القرن الماضي وانتخاب عبدالعزيز بوتفليقة رئيسا للبلاد، “كان أمل المغاربة كبيرا في عودة الأمور إلى مجاريها بين البلدين، بعد نهاية العشرية السوداء سنة 2001. كما كان أمل آخر عندما حضر بوتفليقة جنازة الحسن الثاني، وتبادل الرسائل بين الجانبين”، علما أنه كان من المقرر أن يلتقي بوتفليقة مع الحسن الثاني، لكن وفاة هذا الأخير، جعلت نفس المشهد الذي عاشته العلاقات المغربية الجزائرية على امتداد ما يقارب أربعة عقود حينها، يتكرر مرة أخرى يقول أوريد.
وظلت قضية الصحراء حاضرة في كل الفترات الصعبة التي اجتازتها العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، إلا أنها لم تكن هي جوهر الأزمة وإنما ظلت على امتداد ستة عقود تمثل فقط وجه المشكل، حسب ما ذهب إليه أوريد في تحليل عمق الأزمة بين الجارين، “هناك مسألة ثقة بين النظامين وقضية الصحراء هي الوجه المعبر على هذا المشكل”.
أما بخصوص الدور الفرنسي، الذي لازال ينظر إلى البلدين كحديقة خلفية لحماية مصالحه بشمال إفريقيا، في إذكاء نار الأزمة بين المغرب والجزائر، قلل أوريد من حجم هذا الدور وإن كان حاضرا عند بعض القوى اليمينية في فرنسا التي لم تقبل بالجزائر كدولة مستقلة، وكانت تحن دائما إلى الجزائر الفرنسية ولربما أرادت أن “يكون المغرب عبارة عن جزائر بديلة” على حد تعبير أوريد الذي شدد بالقول على أنه “لاينبغى أن نلقي اللوم على طرف آخر في الأزمة بين المغرب والجزائر”.
ويظل باب الصراع الخفي تارة والظاهر تارة أخرى بين الجارين الشقيقين، مفتوحا على المجهول الذي ينعدم معه الأمل في الأفق المنظور، بالرغم من اليد الممدودة التي ما فتئ الملك محمد السادس يؤكد عليها في جل الخطب الملكية، لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تخدم مستقبل ومصلحة الشعبين المغربي والجزائري، إلا أن حكام الجارة الشرقية لا زالوا مصممين على سلك مسار التصعيد تجاه المملكة، خاصة بعد الاعترافات المتتالية للعديد من الدول الكبرى للمغرب بسيادته على الأقاليم الجنوبية وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد لأجندة الجزائر في الصحراء التي أنفقت باليمين والشمال لإطالة أمد الصراع بين المغرب وجبهة “البوليساريو”.