story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

مبروك العود!

ص ص

أخيرا وبعد انتظار طويل ومخاض عسير، تعرّف المغاربة على تشكيلة الحكومة الثانية لعزيز أخنوش. نعم هكذا، بدون مناسبة ولا مبرر في ميزان القوى وتوافقات الأحزاب، بات علينا انتظار حكومة ثانية منتصف كل ولاية تشريعية، كما لو أن المغاربة لا يعرفون أن هذه المؤسسة لا تغيّر من واقع الحال، وأن كل من سيعيّن فيها، بصرف النظر عن انتمائه الحزبي أو لونه السياسي أو انحداره الاجتماعي، سينخرط في تنزيل ما هو مسطّر ومقرّر سلفا.

التعديل الحكومي الذي شهده المغرب في 23 أكتوبر 2024 جولة جديدة من مسرح السياسة المغربية، حيث تتغير الأسماء وتظل اللعبة نفسها.

وإذا كان المتابعون ينتظرون شيئا جديدا أو تغييرات حقيقية تمس حياتهم، فربما لم يدركوا بعد أن “القصبة” التي يمتطيها السياسيون في كل تعديل هي ذاتها، وأن “العود” الذي يُبارك عليه المغاربة في كل مناسبة ما هو إلا سراب.

المقولة الشعبية “للي شفتيه راكب على القصبة قل له مبروك العود” تلخص كل ما يمكن قوله عن هذا التعديل: الوجوه تتغير، لكن اللعبة تظل لعبة قصبات ينفخ في خوائها هواء شفاف.

بالأمس تم تعيين الحكومة الجديدة، واليوم سيبدأ أعضاؤها في ترتيب مكاتبهم ودواوينهم وتسلّم المهام من أسلافهم، وقد ينطلقون من الغد في مناقشة مشروع القانون المالي 2025 في الشق المتعلق بقطاعاتهم الحكومية، وسيخبروننا بكل الثقة الممكنة في النفس أنهم مقتنعون بما سطّر فيها، وأنهم بصدد ترجمة رؤى وتصوّرات وأحلام وتمثلات عبر هذه الميزانية التي لم يشاركوا في تحضيرها ولا صياغتها ولا هندسة بنودها. وسيكون علينا أن نصدّقهم وربّما نصفّق لهم.

المعطى الواضح الوحيد من هذه الخطوة هو أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، قد أتقن فن الركوب على القصبة السياسية بشكل لا مثيل له. فمن خلال وضع أتباعه وموظفي فروع شركاته الخاصة في مواقع سياسية واجتماعية حيوية، تمكّن أخنوش من تحويل الحكومة إلى منصة شخصية، تدير مصالحه وتُعبّد طريقه نحو اكتساح الانتخابات المقبلة.

ولعل أكبر دليل على ذلك هو التغيير الذي طال وزارة التربية الوطنية، حيث تمت إقالة شكيب بنموسى، صاحب مشروع “المدرسة الرائدة”، والذي كان يُفترض أن يقود إصلاحا تعليميا جذريا.

لكن في المغرب، من الواضح أن الإصلاح الحقيقي ليس هو الهدف، بل إن الهدف الأساسي هو “ركوب القصبة” بأمان وضمان البقاء على “العود” حتى “حْركة” أخرى.

بنموسى، الذي تم تصويره سابقا على أنه الرجل الذي سيحدث نقلة نوعية في التعليم، وجد نفسه خارج الحكومة بشكل غير مبرر، وكأن مشروع “المدرسة الرائدة” قد تحول إلى “المدرسة المفقودة”. والحقيقة أن المغاربة اعتادوا على رؤية المشاريع الطموحة تتبخر في الهواء بمجرد أن تتعارض مع مصالح الأجنحة القوية في السلطة.

خروج بنموسى قد يكون له تفسير وحيد: لم يكن من ضمن “الركاب المضمونين” على القصبة السياسية لأخنوش. فالتعديل لم يكن لتحسين التعليم أو الصحة، بل لإرضاء أطراف التحالف الحكومي الثلاثي وضمان بقاء الكراسي ثابتة في الانتخابات المقبلة.

أما عن وزيري الصحة والتعليم العالي، اللذين غادرا المشهد الحكومي، بعدما تسبّبا في الكارثة التي ضربت كليات الطب بتجميدها قرابة عام كامل، فلا يستبعد أن تكون إقالتهما مجرد خطوة نحو ترقية أكبر في المستقبل. فالمعادلة السياسية في المغرب تقول إنك كلما فشلت في موقعك، كلما ارتقيت إلى منصب أعلى.

لعلنا نجد الميراوي وآيت الطالب غدًا في مناصب دبلوماسية أو إدارية رفيعة، فهذا هو النهج المتبع.

وعلى مستوى وكالة الدعم المباشر، والتي تعتبر من المؤسسات الأكثر حساسية في توزيع المساعدات الاجتماعية، فإن تعيين أشخاص مقربين من أخنوش يُظهر بوضوح أن رئيس الحكومة قد قرر أن يضع يديه على مفاصل التأثير الاجتماعي، ليس من باب الإصلاح، بل من باب تأمين الأصوات وضمان الولاءات الانتخابية.

فالتحكم في توزيع الدعم هو ورقة رابحة لكل سياسي يريد أن يعزز قبضته على الساحة، وأخنوش يدرك جيدا كيف يُدار هذا الملف من خلال ال”جود” الذي اشتهر به. ويمكننا أن نتصوّر من الآن كيف سيخوض أخنوش الانتخابات المقبلة وفي جيبه لائحة بأسماء وعناوين المستفيدين من الدعم الاجتماعي… كمّلوا من راسكم.

عفوا، نسيت أن الحكومة تتشكل من تحالف ثلاثي.

من هذه الزاوية تبدو التعديلات الحكومية الأخيرة بمثابة ترضيات سياسية بامتياز. كل حزب خرج بشيء يرضيه، وكل طرف حصل على نصيبه من “الكعكة”، ما يضمن استمرار التحالف الحاكم في السيطرة على المشهد السياسي بعد الانتخابات المقبلة ما لم تتعثّر إحدي قصباتها… أقصد خيولها، وبالتالي الاستمرار في مجاورة الحكم لفترة أطول.

وإذا نظرنا إلى توقيت التعديل الحكومي، سنجده أنه يصادف، وربّ صدفة خير من ألف ميعاد، زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي تنطلق يوم الاثنين المقبل.

كما لو أن ترتيب البيت الحكومي الداخلي للمغرب كان معلّقا على ترتيبات أخرى مع المستعمرين (السابقين).

في النهاية، يمكن القول إن عزيز أخنوش ليس فقط راكبا على القصبة، بل هو (أو من يدعمه) “علاّم” السربة وهو من يدير اللعبة بأكملها.

والانتخابات المقبلة ستكون مجرد محطة أخرى لتأكيد المؤكد: من يمتطي القصبة اليوم سيبارك له الجميع غدا ركوبه على العود، وسيردّون خلف قائد السربة المغوار:
هذا عودي زين الخيول
لونه أدهم يفتن العقول
ما تقول غير عروسة في ليلة الدخول