story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

ما بعد فيديو المهدوي.. أزمة أخلاق أم أزمة دولة؟

ص ص

الفيديو الذي نشره الصحافي حميد المهدوي لم يكن مجرد لحظة صاخبة في المشهد الاعلامي، بل كان حدثا سياسيا بمعنى الكلمة، لانه كشف ما تحاول بعض المؤسسات اخفاءه خلف ستار الخطاب الرسمي، اي الهوة العريضة بين ما يُعلن وبين ما يُمارس، وبين لغة الاخلاق المرفوعة في البيانات ولغة الحسابات الصغيرة التي تتحكم في القرار.

صورة اللجنة التي ظهرت في الفيديو لم تصدم الناس فقط لانها مهزوزة مهنيا، بل لانها تعكس ذهنية سياسية تعتبر المواطن هدفا لا شريكا، وتتعامل مع الصحافة باعتبارها خطرا لا سلطة رابعة. وهذا في حد ذاته مؤشر على ان الازمة ليست ازمة اشخاص، بل ازمة نمط اشتغال قائم على التحكم والضبط وادارة الملفات بالمنطق الامني اكثر من منطق دولة القانون.

ومع مرور الوقت من دون موقف رسمي واضح، ازداد حجم الاسئلة السياسية، اذ يبدو ان الصمت لم يكن مجرد تردد او انتظار، بل كان تعبيرا عن ان ما ظهر في الفيديو ليس نشازا بل جزءا من طريقة اشتغال مؤسسات فقدت حساسيتها اتجاه الراي العام وفقدت قبل ذلك الثقة في قدرتها على مواجهة الحقيقة. وهنا يصبح السؤال اكبر من فيديو مسرب، لان المسرب يمر، اما البنية التي انتجته فهي التي تبقى وتستمر في انتاج الازمات.

الفضيحة ايضا اعادت الى السطح سؤال المشروعية السياسية للمؤسسات، لان الاخلاقيات ليست عنوانا زائدا، بل شرطا من شروط استمرار الثقة. وعندما يتأكد الناس ان لجانا يفترض ان تكون حكما تتحول الى طرف، وان هيئات يفترض ان تراقب تحولت الى اداة تصفية، فاننا لا نكون امام خلل بسيط، بل امام مأزق عميق يمس جوهر الحكامة العمومية.

ولعل اخطر ما تكشفه الواقعة ان هناك قانونين في البلاد، قانون مكتوب يضمن الحقوق ويعد بالمساواة، وقانون اخر يتحرك في الظل يحكمه المزاج والولاءات. وهذا الازدواج يفرغ النصوص من مضمونها، ويجعل الحديث عن الاصلاح مجرد واجهة لا اكثر. فالبلد لا يحتاج قوانين جديدة بقدر ما يحتاج ارادة سياسية ترفع الغطاء عن هذه الممارسات وتعيد تعريف حدود المسؤولية والسلطة والمحاسبة.

واذا كان المسؤولون اختاروا الصمت امام هذا الحدث، فان الراي العام لم يعد يقبل الصمت، لان الثقة لم تعد تتحمل مزيدا من التآكل. والاخطر من ذلك ان استمرار التجاهل سيجعل الناس تعتقد ان ما جرى ليس استثناء، بل قاعدة، وان الممارسات التي ظهرت في الفيديو ليست مجرد اختلال، بل جزء من طريقة تسيير متجذرة لا تجد من يوقفها ولا من يراجعها.

لهذا، فان السؤال اليوم ليس كيف نعلق على الفيديو، بل كيف نمنع تكرار ما كشفه. وهل لدى المؤسسات الشجاعة الكافية لتصحيح مسارها داخليا، ام ستواصل ادارة الازمات بنفس الطريقة القديمة، اي بالتغطية بدل الاعتراف، وبالصمت بدل الاصلاح، وبالانكار بدل المواجهة؟

ان اللحظة سياسية بامتياز، ومن الخطأ التعامل معها باعتبارها زوبعة عابرة، لانها كشفت حدودا خطيرة في طريقة اشتغال مؤسسات يفترض فيها ان تكون ضمانة، واذا فقدت الضمانة فقدت الدولة جزءا من مشروعيتها. وما لم يحدث اصلاح شجاع وواضح، فان الصناديق السوداء لن تبقى مغلقة طويلا، والشارع لن يواصل الصمت امام ما يراه بعينيه.