story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

ليس دفاعا عن غالي..

ص ص

امتلأت الساحات (الرمزية) بالغوغائيات من جديد، ونصبت المشانق واستلّت السيوف والخناجر، لأن مواطنا مغربيا يحمل صفة ومسؤولية رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان، اسمه عزيز غالي، عبّر عن رأي مخالف لما هو سائد أو يراد له أن يسود بشأن قضية الصحراء.
انطلقت العاصفة ضد الرجل مباشرة بعد نشر مقابلة مصوّرة أجراها مع بودكاست تنتجه وتبثه منصة “عربي21″، فماذا قال الرجل؟
قال إن موقف الجمعية من قضية الصحراء كان في السابق هو ضرورة تقرير المصير، وبعدما انطلقت المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو، غيّرت الجمعية موقفها ليصبح هو “الحل التفاوضي الذي يرضي جميع الأطراف ويجنّب المنطقة الحرب”.
وعندما سأله محاوره هل يفترض في هذا الحل أن يكون في إطار الحكم الذاتي، ردّ غالي ب”لا”، معتبرا أن المفاوضات والمسار الذي ترعاه الأمم المتحدة لم يحسم بعد في اتجاه أي حل.
دعونا نسجّل في البداية تحفّظا لا يسقط شرعية الموقف الذي يصدر عنه عزيز غالي بقدر ما يندرج ضمن النقاش المطلوب والمستحب.
أن تكون مرجعية الجمعية المغربية لحقوق الانسان في ملف الصحراء هي الأمم المتحدة هو دفع غير مقنع، لأن الأمم المتحدة ليست عدالة سماوية مطلقة، بل هي مجرّد انعكاس لتوازن هشّ للقوى الدولية، يحوز قدرا من الشرعية ويستحق أن يكون ضمن المرجعيات الحقوقية، لكن وحده لا يكفي.
والدفاع عن حقوق الانسان لا يمكن أن ينفصل عن حقوق الوطن التي هي جزء من حقوق المواطنين، لهذا لا يمكن لأية هيئة سياسية أو مدنية أن تقفز فوق المصلحة الوطنية تحت أي مبرر كان.
كما لا يمكن للمنطق الحقوقي أو السياسي أن يبرّر استعمال مفهوم “الشعب الصحراوي” هكذا كما لو كان مفهوما بريئا ومحايدا، أو كأننا لا نعرف أنه مفهوم مفتعل ومثقل بالحمولات المنحازة والمفتقدة لأي أساس علمي.
الشعب الصحراوي لم يكن يوما كتلة بشرية محصورة في إقليمي وادي الذهب والساقية الحمراء حتى نقبل اليوم باستعماله في وجه المغرب.
بعد هذا التدقيق البسيط، ما المشكلة في المواقف التي عبّر عنها غالي؟
البعض أرغى وأزبد لأن الرجل استعمل عبارة “تقرير المصير”، كما لو أنها تعني الانفصال. بينما جوهر مشكلتنا كلّها مع الخصوم هي هذا التفسير المتهافت والمجتزأ الذي يريدون إعطاءه لمفهوم تقرير المصير.
بل إننا أصحاب السبق في المطالبة بتقرير المصير، وهذا ما لا يعرفه الكثير من الجهلة المتنطّعين، حين تصدّينا في الستينيات، إلى جانب موريتانيا، لمحاولة اسبانيا استثناء الصحراء من دخول قائمة الأقاليم غير مقررة المصير، كي تضمن استمرار سيادتها عليها، فكان أن نجحنا في جعل الصحراء ضمن المناطق التي ينبغي للأمم المتحدة الإشراف على تقرير مصيرها.
وما لا يعرفه البعض هو أن اتفاقية مدريد التي تم توقيعها بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا في نونبر 1975، انطوت على جميع مقوّمات تقرير المصير، أي إشراك الساكنة المحلية ممثلة في الجماعة الصحراوية التي كانت إسبانيا قد سعت في البداية إلى جعلها أداة لفرض الانفصال كتقرير لمصير الإقليم، ومن ثم إبقائه خاضعا لنفوذها.
والخلاف منذ ذلك الحين، هو حول مضمون تقرير المصير. المغرب ليس ضد هذا المبدأ ولا معترضا عليه، بل يعطيه معنى مختفا عن المعاني التي يريدها خصومه. هذا كل شيء.
حق تقرير المصير، كما تُعرفه المرجعيات الدولية الموثوقة كميثاق الأمم المتحدة والقرارات الصادرة عن الجمعية العامة، هو مبدأ يتيح للشعوب تحديد نظامها السياسي ومستقبلها بحرية، دون أن يعني بالضرورة الانفصال أو تأسيس دولة مستقلة.
والقرار 1541 الصادر عن الجمعية العامة عام 1960 يشير إلى أن تقرير المصير يمكن تحقيقه عبر خيارات متعددة، منها الاستقلال، أو الاندماج مع دولة قائمة، أو تبني شكل من أشكال الحكم الذاتي ضمن سيادة دولة أخرى.
بعض الأصوات السخيفة والمتهافتة ذهبت بها خفّتها إلى المقارنة بين تصريحات غالي والمقال الذي كتبه أحمد الشرعي في صحيفة إسرائيلية يدافع فيها عن مجرم الحرب بنيامين نتانياهو.
مصيبة هؤلاء أنهم لا يدركون أنهم يطلقون النيران الصديقة ضد صديقهم أحمد الشرعي (أفضل استعمال كلمة الصديق لأنني لا أريد أن أجرح أحدا). فإذا كان المرء يعتبر المقال إياه ممارسة لحرية التعبير، لماذا سيضعه في ميزان المقارنة مع تصريح يصفه بالخيانة والخروج عن الثوابت الوطنية؟ أليس هذا اعتراف صادر عن اللاوعي؟
ثم كيف يجرؤ هذا البعض على وضع مجرم حرب وزعيم عصابة مستوطنين محتلّين مغتصبين قتلة الأطفال، في الكفة نفسها مع الآلاف من مواطنينا الصحراويين، المخطئين والخاضعين لسيطرة الخصوم هذا صحيح، لكنهم إخوتنا في الوطن، نعمل على إقناعهم وحملهم على ترك السلاح والالتحاق بأرض الوطن الغفور الرحيم، وقد أعددنا لهم ما يشكل بداية اندماجهم من خلال النموذج التنموي الخاص بأقاليم الصحراء؟
إذا كنا من منطلقات إنسانية أو إيديولوجية حتى نرغب في حمل الغزاة المحتلّين علي الرحيل عن أرض فلسطين، فإننا في حالة إخوتنا الصحراويين نرغب في جعلهم يتحرّرون من سيطرة الخصوم ويأتون إلينا كي نبني الوطن معا.
فهل يستوي عندكم الصحراوي، كيفما كان موقعه وموقفه حالي، بالمستوطن السفّاح؟
ما تدعون إليه ليس وطنية يا سادة، هذه في الأدنى شوفينية تؤسس لعداوات وكراهيات جديدة، وتزرع ألغام إضافية في تربة الوطن، ولا تحرّره كما تزعمون.
نحن لم نكسب المعركة بعد، والاعترافات التي حصلنا عليها حتى الآن لم تتجاوز عتبة إعلان النوايا، ومثلما اختُلقت لنا مضامين ملغومة لمفهوم تقرير المصير لا نعرف ماذا يدسّون داخل مفهوم “الحكم الذاتي” الذي يبشّروننا بدعمه، وإلى أي حدّ سيحملوننا على التنازل وابتلاع ما يصفونه لنا من أدوية مرّة.
على الرغم من كل الاختلافات الكائنة والممكنة مع رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان، فلو لم يكن هناك عزيز غالي بيننا لوجب علينا أن نحدثه.
الاختلاف في التقدير رحمة، وتسمية الأشياء بمسمّياتها الحقيقية، لا ما نحلم به، جرعة ضرورية لمناعة الذات الوطنية.