story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

لماذا على المغرب أن ينضم إلى الناتو؟

ص ص

نعم، هكذا وبدون مقدمات، وبغض النظر عن أية قناعات شخصية هي أقرب للشرق منها إلى الغرب، فإن قراءة الواقع تقول بأن المغرب يحتاج لتقديم طلب مستعجل للانضمام للحلف الأطلسي، ليس من باب “البذخ الجيوسياسي” بل لأن المعطيات المحيطة بنا تكاد تجعل هذا المطلب مطلبا حيويا لأن الحرب الكبرى مهما تأخرت فإنها قادمة لا محالة، بل إنها تكاد تكون حاجة دولية. والاستعداد للحرب لا يتعلق فقط بالتزود بالسلاح والخطط، ولكن يتعلق أيضا وخصوصا بتحديد الصديق من العدو والحليف من الخصم، فالحرب كالصاعقة، إذا ضربت تضرب فجأة وبقوة ولا تترك مجالا لأي فعل أو رد فعل. 

في سياقنا الدولي الحالي، يعيش عالمنا فترة انتقالية مفصلية لن يتم تجاوزها بالمفاوضات في تصوري، وخير مثال (وأسوأ مثال) طبعا هو السيناريو الأوكراني، حيث لا فائدة من الحرب الدائرة رحاها هناك إذا لم تساعدنا على استخلاص الدروس في ما يتعلق بأمننا القومي. 

أول تلك الدروس أن أوكرانيا لم تكن لتعرض نفسها لما تتعرض له لو كانت تحظى حاليا بوضعية العضو في الحلف الأطلسي، وقد كان بإمكانها الانضمام إلى الحلف في فترة تاريخية معينة، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، حين كانت روسيا ضعيفة ومنشغلة بأزماتها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكن اليوم لم يعد بالإمكان القيام بذلك اليوم بعدما أصبحت روسيا قوة عسكرية واقتصادية جبارة وخطيرة على محيطها بما يكفي لدفع كل من فنلندا والسويد إلى المسارعة بتقديم طلبات الانضمام للحلف، اتقاء لأي وضع يجدان نفسيهما في حالة استفراد على غرار أوكرانيا.

بانضمام المغرب إلى اتفاق السلام مع إسرائيل، والمستوى المتقدم جدا من التنسيق السياسي والعسكري بين البلدين، وبعد حصوله على اعتراف أمريكي بسيادته على أقاليمه الجنوبية (وإن كان لا يزال محل تساؤلات عدة)، والموقع الذي صار يحتله في سياق المناورات العسكرية الغربية مثل “الأسد الإفريقي” وغيرها، والعديد من الخيارات والاختيارات السياسية والاجتماعية، وتلك المتعلقة بمنظومة القيم والحقوق والحريات، فإنه يكون بذلك قد اصطف بشكل عضوي وشبه نهائي إلى جانب المعسكر الغربي، وحتما لم يعد بإمكانه التفكير في أي تراجع عن هذا الأمر أو تقارب وثيق مع المعسكر الشرقي، إلا ما تعلق ببعض العلاقات التجارية والاقتصادية المحضة. 

الخطير هنا أنه لا ضمانات لدينا لحد الساعة وفي حدود ما نعلمه، على أن هذا المعسكر الغربي سيقف إلى جانب المغرب ميدانيا في حال تعرضت البلاد لاعتداء عسكري سواء من شرقها حيث لا تتوقف الجزائر عن التحرش بالمملكة وتعمل ليل نهار على تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية في إطار تنسيق وثيق مع كل من روسيا والصين، أو جنوبها حيث يمتد النفوذ الروسي كبقعة الزيت لتشكيل حزام عازل بيننا وبين باقي دول القارة، وربما يأتينا التهديد حتى من شمالنا حيث تتأرجح الجارة الإسبانية مع كل انتخابات بين العداء المستحكم والسلام المشروط. 

فكيف سنضمن أن الولايات المتحدة وحلفاءها لن يتركونا لمصيرنا إذا ما تعرضنا للعدوان، وقد تركوا غيرنا قبل هذا وفي دول وقارات أخرى لا يتسع المجال للتفصيل فيها. ألم تكن أوكرانيا بالضبط تَعتبر نفسها حليفا للمعسكر الغربي؟ ماذا فعل هذا الأخير حين بدأت الحرب بينها وبين روسيا؟ ألم يستطع (أو لم يُرد) فعل أي شيء لها باستثناء دفع الأوكرانيين للمحرقة وتزويدهم بالبارود؟ 

قد يقول البعض إن الحلف هو منظمة تتعلق أساسا بدول أوروبا وأمريكا، ولكن أليست تركيا بلدا آسيويا في جزء كبير منه؟ ثم أليس الحلف الأطلسي حلفا للدفاع عن منظومة إيديولوجية وخيارات قيمية سياسية واقتصادية تَبَنى المغرب جزء ساحقا منها؟ وأخيرا أليس الموقع الجغرافي للمغرب ذا أهمية استراتيجية هائلة بالنسبة للحلف في سياق الأحداث القادمة؟