story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

لسنا بخير ولكن!

ص ص

على مدار أسبوعين تابعنا جميعا مرور عرض تلفزي على قناة رسمية لشخص امتهن فنا مخلوطا بالابتذال، واقتحم منازل المغاربة ليخاطبهم بأسفه العبارات، وهو يقف على منصة موازين عازفا لحن الاسفاف على آذان عشرات الآلاف على الأقل من أبنائهم. ثم ما لبثت أن طلت علينا وزارة الشباب والثقافة والتواصل وهي تكرم شخصية شابة مؤثرة تصدرها للشباب كنموذج للنجاح والإنجاز والتأثير، وهو نموذج ليس ببعيد عن الأول. ثم بعد ذلك بأيام مرت علينا مقاطع ألسنة النيران تلتهم عجلات السيارات وقناني الغاز ومواجهات بالحجارة بين السلطات العمومية والشباب الملثمين، في مشهد هليودي مثير حوّل ليلة عاشوراء من لعب الأطفال وقصعة المكسرات إلى لحظة انفجار جزئي لا ندري هل سيأتي بغيره أم سيقف هنا!

وآخر ما تابعناه بكثير من الاعتزاز والأسى في الوقت نفسه، هو خروج أهالي الهضبة السعيدة والذين لا يبدو أن ما أخرجهم هو سعادتهم بما ينعمون به من التنمية المتكافئة، والتي لا تفرق كورنيش الرباط عن آيت بوكماز، بل أخرجهم الانتماء للمغرب المنسي وهم لا يطلبون سوى طبيب رئيسي وتغطية كافية للهاتف والانترنت ورخص بناء وتعبيد الطريق الرابط بينهم وبين أقرب مدينة لهم. هذه المطالب هي في النهاية ملفات أغلبية دواوير المغرب العميق والتي للأسف لا زالت تركَن سنة بعد سنة وولاية انتخابية بعد أخرى على رفوف مكاتب المسؤولين والمنتخبين، وفي المحصلة نجد أن خط سير التنمية هو الرابط فقط بين طنجة ومراكش وفاس في مناطق معينة من المدن الكبرى وأماكن أخرى تكرمت عليها الأيادي البيضاء.

كل هذا وغيره من قصص وأحداث نعيشها أو تمر على مسامعنا في حديث عائلي أو جولة تسوق أو منشورات إخبارية، والتي بالتأكيد لا تكاد تخرج عن هذا الإطار: تنمية شبه منعدمة لطبقتي المجتمع المتوسطة والفقيرة وتهميش للمدن البعيدة والدواوير المنسية، وعملية تخدير مستمرة إعلاميا وثقافيا لكي يتنفس هذا الجيل الكثير من التفاهة والانحراف فلعله ينسى الطريق للمطالبة بشيء من الاستحقاق.

بعد هذا لا يمكن أن يظهر في صورة هذه البلاد سوى السواد ولكنّ الانتماء للوطن يوجب علينا أكثر من مشاهدة الصورة والتواري للخلف ولعن الظلام.

إن أهم ما يرمي إليه كل من يُنظّر لهذا البؤس الذي نعيشه أو يعمل على تنفيذه هو تكبيل الأيادي المناضلة وتكميم الأفواه الحرة، إلا أن المسؤولية تقتضي ثلاثة مستويات أساسية يجب أن يتمثلها كل من يؤمن بأن هذا الوطن لازال يستحق النضال من أجل غد أبنائه:

أولا : اليقظة

لا يمكن أن نواجه كل هذا العبث وأن نقاوم هذا المد الفاسد بدون مستوى يقظة عالي يسمح برصد قضايا المجتمع الحارقة والاشتباك معها. يقظة مجتمعية فاعلة كالتي عشناها اليوم مع أهالي آيت بوكماز وعشناها البارحة مع ضحايا الزلزال وقبل ذلك وبعده مع قضايا الفساد وتضارب المصالح والمساس برصيد هذا الوطن هوية وأسرة وتعليما وإعلاما. وهي كالمكابح التي تعمل على فرملة هذا المد وإنقاص سرعته والحد من انتشاره والتطبيع معه.

ثانيا: الوعي

بالتأكيد أن مسارات الإصلاح والتغيير ليست قصيرة ولا يسيرة، وتتعرض لكثير من الانتكاسات وقد تفتح في طريقها أقواسا وتغلق أخرى. وقد عشنا هذا في المغرب الحديث مع بداية العهد الجديد وحكومة التناوب وسرعان ما أقفل القوس، ثم فتح مرة أخرى بعد الربيع العربي وقبل سنوات بدأ الإقفال ولازال مستمرا، ويبدو أن الرغبة موجودة من أجل اقتلاع هذا القوس كي لا يفتح مرة أخرى. ولذلك فإن الوعي بطبيعة المسار الإصلاحي في المغرب وتقلباته مع الظروف الخارجية والداخلية كفيل بأن يوفر نوعا من المناعة تسمح بالتأقلم مع لحظات المد والجزر بدون توقف مسار العمل.

ثالثا: العمل

إن العمل هو الذي يصنع الفارق بين واقع نعيشه وغد نحلم به لوطننا، والرباط على مواقع العمل مسؤولية اليوم وخاصة على مستوى مؤسسات التنشئة: الأسرة والمدرسة والإعلام، فلا مستقبل لهذا الوطن بدون جيل يريد أن يعيش فيه ويهمه أن يعمل من أجله، أما على مستوى المجتمع المدني والنسيج السياسي “المعقول” فلا أظن أن الأولوية اليوم هي المؤسسات وإنما العمل من أجل فعل مدني وسياسي جماهيري يسع الجميع ويعيد انخراط فئات المجتمع ويجدد الثقة.

لا يختلف اثنان على أن معركة التدافع مع الفساد والإفساد ستكون طويلة، لكن الأهم أن تكون فيها الغلبة للوطن …