story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

لا تطبيع في المغرب

ص ص

كثيرا ما يغرقنا التداول الواسع للمصطلحات والمفاهيم في معان لا تطابق الواقع في حقيقة الأمر، دون أن نتمكن من رفع رؤوسنا لالتقاط الأنفاس ومشاهدة الواقع كما هو.
هذا بالضبط ما يحصل معنا في قضية ما يعرف بالتطبيع، بما يعنيه من إقامة لعلاقات “طبيعية” مع اسرائيل. فهل نحن حقا مطبعون؟
سواء في القواميس اللغوية، العربية واللاتينية، أو القواميس المتخصصة في المفاهيم مثل قاموس أكسفورد، تعني كلمة التطبيع جعل شيء ما في حكم الشاذ أو الخارح عن المألوف، طبيعيا، أي إدخاله في عداد الأشياء المعروفة والمقبولة والشائعة في الحياة اليومية.
لنتفق أولا وقبل مواصلة النبش في هذا الموضوع، أن إسرائيل بإجماع الضمائر الحية في العالم، هي خطيئة من مبتدئها إلى منتهاها. هي جريمة في حد ذاتها، لا مجرمة فقط. ثم لنتفق أيضا على أن منطق الأخلاق والمبادئ والمثل معطى خارجي وأجنبي عن الدولة بما هي كيان يقوم على المصلحة، ولا تدخل المثل والمبادئ على سلوكها إلا بالقدر الذي يسمح به ميزان القوة في مقابل الشعوب والمجتمعات.
من هنا دعونا نقول إننا في حاجة إلى إعادة النظر في تمثلنا لواقع الحال. المغرب يقيم حاليا علاقات رسمية علنية مع اسرائيل، لكنه غير مطبع.
لا شيء في حياتنا اليومية يجعل اسرائيل أمرا طبيعيا أو غير شاذ. علاقات أهم ما يمكن أن توصف به هو العلنية، لأننا نعلم أن العلاقات مع اسرائيل، بما في ذلك المبادلات التجارية، كانت قائمة قبل توقيع الاتفاق الثلاثي، لكنها كانت سرية، أو شبه سرية.
المغرب ليس هو القرار الرسمي والسلوك الذي تقدم عليه الدولة، أو جزء منها، أو تحت ضغط جزء منها فقط؛ بل المغرب هو كلٌ واسع وكبير، يشمل الدولة وقراراتها والمجتمع ودينامياته وما اصطلحت عليه بلاغات الديوان الملكي بالقوى الحية…
عندما ننظر إلى المغرب بهذا الشمول نجد أن الشق “المطبع” يصبح جزءا لا كلا. لا أريد الجزم بإعطائه حجما محددا، كبيرا كان أو صغيرا، لكنه حتما لا يعني المغرب بشكل كامل وكلي.
بقليل من التركيز والتمحيص واستبعاد المشاعر والتمثلات المسبقة، سنجد أن المغرب يقدم على خيار موضعي (على غرار التخديرالموضعي)، يرتبط بمنطقة تحقيق مصلحة ما أو دفع ضرر لا نعرف طبيعته (المقصود هنا مجرد الوصف لا التبرير)، لكن هذا الاختيار المر والمحرج، لا يكفي للحديث عن التطبيع.
لقد عشنا ثلاث سنوات طويلة من الصمت والخوف من الاقتراب من الموضوع، أي منذ توقيع الاتفاق الثلاثي وإلى غاية السابع من أكتوبر 2023. لكن عندما جاء “طوفان الأقصى” وحرر الأصوات وخرج الناس إلى الشارع، لم نسمع سوى صوت المغرب الذي نعرف: الاصطفاف الكامل مع القضية الفلسطينية العادلة والعداء التام لكل ما هو إسرائيلي، وإلا لماذا سارعت دولة الاحتلال إلى سحب موظفيها من المغرب؟
لقد انتظرت، لسذاجتي ربما، أن أرى تعبيرا ما في الشارع المغربي يقوم به من يقولون إنهم مع التطبيع، في إطار ممارستهم لحرية التعبير كما أومن بها. فكان أن شاهدت بعضهم يراقب مسيرة الرباط الكبرى الداعمة للفلسطينيين، ويلتقطون لها الصور، دون أن يظهر لهم تعبير صريح في الواقع، بينما يريد البعض أن يصطنع لنا شعورا بوجود انقسام بين المغاربة حول هذا الموضوع، من خلال الإكثار من الزعيق الإعلامي، عبر الأثير أو في الفضاء الافتراضي.
الحقيقة أن كل ما يربط المغرب بدولة الاحتلال هو اتفاقات وقعت اضطراريا وتحت ضغط أجندة اتفاقات ابراهام الضخمة، وعبر الإمساك بالمغرب من يده التي توجعه: الصحراء. عدا ذلك تحركات انتهازية لباحثين عن مصالح مادية أو ايديولوجية هامشية… لكن لا تطبيع في المغرب!