story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

كيف “خصّب” الفوسفاط نظام الحسن الثاني؟

منحه الإمكانيات المالية لتقوية الأجهزة الأمنية وبسط سيطرته على مؤسسات الدولة
ص ص

بعد عقدين تقريبا من الصراع المرير والدامي حول السلطة، ومواجهته معارضة سياسية يسارية هدفها الأول تغيير الوجه الاقتصادي للمملكة، وأخرى مسلّحة وعسكرية حاولت الإطاحة بنظامه والانقلاب عليه، قدّمت الأقدار للملك الراحل الحسن الثاني، هديّة لم يكن يتوقّعها أو ينتظرها، وتتمثّل في ارتفاع صاروخي ومفاجئ في أسعار الفوسفاط في الأسواق العالمية، بشكل متزامن مع الطفرة النفطية التي عاشتها دول الخليج العربي على وجه الخصوص، بعد استعمال البترول كسلاح في حرب أكتوبر 1973.

الجفاف في آسيا يرفع سعر الفوسفاط
“ارتفعت أسعار الفوسفاط في الأسواق العالمية بشكل مفاجئ، وانتقلت من 30 دولارا للطن إلى حوالي 68 دولار، ووجّه الملك الراحل الحسن الثاني خطابا إلى المغاربة مبتهجا وقال إن هناك موارد كبيرة ستتدفّق على البلاد” يقول الحسين الكافوني، الكاتب العامّ السابق للنّقابة الديمقراطية للفوسفاط، في لقاء سابق مع كاتب هذه السطور.

الرجل الذي خبر المسار المتعرّج للثروة الفوسفاطية بالمغرب، يحكي كيف أن خبرة رجل اسمه كريم العمراني، على رأس المكتب الشريف للفوسفاط، هي ما حمله إلى الوزارة الأولى بداية السبعينيات. العمراني الذي بدأ مساره سنة 1957 مكلفا بالمكتب الشريف للفوسفاط في ديوان وزير الاقتصاد الوطني والمالية، قبل أن يعيّن سنة 1958 مديرا للمكتب الشريف للفوسفاط بالنيابة، ثم مديرا عاما له في سنة 1967، موازاة مع تعيينه مكلفا بمهمة بالديوان الملكي. ما جعل قطاع الفوسفاط أكثر من قطاع اقتصادي منجمي، بل مجالا سياديا يرتبط مباشرة بقمة هرم السلطة: الملك.

فيما يعيد خبراء اقتصاديون، تلك الطفرة التاريخية في أسعار مادة الفوسفاط في الأسواق العالمية، إلى أزمة مناخية ضربت عددا من كبريات الدول الآسيوية، في مقدّمتها الهند، وأدخلتها في سنوات من الجفاف الحاد، مما رفع من طلبها على مشتقّات الفوسفاط من موادّ التسميد.

معطيات تكشف البوادر الأولى للهدية التي سيتلقاها الملك الراحل وهو يحاول الخروج من أزمته السياسية التي بدأة سنة 1965 بإعلان حالة الاستثناء، وتعمّقت بالمحاولتين الانقلابيتين لـ1971 و1972، وأحداث 1973. وبعدما جاء العمراني للوزارة الأولى محتفظا بقيادة المكتب الشريف للفوسفاط، حلّ صهر الملك، أحمد عصمان، على رأس الحكومة بأغلبية مريحة ستتحوّل إلى حزب التجمّع الوطني للأحرار، فلم يكن ينقص سوى التمويل الضروري لإعطاء وجه جديد لنظام الملك الحسن الثاني.

السيادة الاقتصادية
“استعاد الملك الراحل الحسن الثاني في مستهلّ السبعينيات ما ظل يفتقده على مدى السنوات السابقة، لقد استعاد سيادته الاقتصادية على البلاد ما أهّله لبسط سيادته السياسية وتمرير قراراته بكل سلاسة، ومن بينها تأسيسه أول حزب أغلبي حقيقي، وحيازته للإجماع لتنظيم المسيرة الخضراء”، يقول باحث اقتصادي فضّل عدم ذكر اسمه.

فيما عاد الاقتصادي عمر الكتاني، في لقاء سابق، إلى تذكّر لحظات الطفرة الفوسفاطية، بقوله إن التصريحات الرسمية تقول بأن كل مغربي سيستفيد بعد هذه الطفرة من مكتسبات جديدة وسيعيش في رفاهية نتيجة مداخيل الفوسفاط لوحده، “وكان هناك تفاؤل مبالغ فيه، باعتبار أن صادرات الفوسفاط ستوفرّ دخلا فرديا لكل مغربي يجعله في منأى عن الأزمات والفقر والحاجة، لكن الواقع أن المدخول الحقيقي للدول يقاس بمدى استثمار الأموال المتوفرة وليس بقيمتها في حدّ ذاتها. وأضاف الكتاني أن تلك المداخيل لم تستثمر كما يجب، “لأن الاستثمارات التي وقعت جعلت أسعار الفوسفاط المحوّل أعلى من أسعار الفوسفاط الخام. فكان البديل الذي سيتم اللجوء إليه في ما بعد، هو القيام بتصنيع وتحويل الفوسفاط قبل تصديره”.

الإمكانات المالية الاستثنائية التي وضعتها عائدات تصدير الفوسفاط بين يدي الملك الراحل الحسن الثاني، لم تغيّر من قناعاته الفكرية والسياسية والاقتصادية، وبدل التأسيس لبنية اقتصادية صناعية حقيقية، راحت تلك العائدات تصبّ في صناديق الدولة وتغطّي نفقاتها الخاصة، فتقوّت أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، وتأسست مراكز جديدة للريع الاقتصادي العمومي عبر تفويت بعض القطاعات ودعم اللوبيات الحليفة للدولة (كريم العمراني وحده كان يقود حوالي 300 مقاولة وشركة في ملكيته).

بينما جاءت السياسات العامة والاقتصادية المتزامنة مع تلك الطفرة المالية، معزّزة لتوجّهات الملك الاقتصادية، حيث كرّس إيمانه بكون المغرب بلد فلاحي ولن يكون صناعيا، حيث انطلقت سياسة السدود الكبرى. وهو ما كان المهدي بنبركة قد عارضه منذ السنوات الاولى للاستقلال، بقوله إن تطوير الفلاحة وحدها غير كاف لمحاربة الفقر، “بل يجب التفكير في إيجاد سلاح لمحاربته، خاصة وأن ارتفاع الإنتاج الفلاحي له حد أعلى سيقف عنده وتبقى أيد عاطلة أو غير منتجة كل الإنتاج. ولنذكر أن عددا من فلاحينا لا يشتغلون سوى بضعة أسابع في السنة. لذلك يجب التفكير جديا في التصنيع”.

الدولة وحدها استفادت
قامت حكومة الحسن الثاني بإعداد مخطّطها الخماسي 1973-1977، وارتفع فيه حجم الاستثمارات العمومية من 1.2 مليار درهم إلى 10.2 مليار درهم ما بين بداية ونهاية فترة المخطّط الخماسي، والذي اعتبر بمثابة السياسة التصحيحية للسياسات السابقة، حيث استفاذ القطاع الصناعي من بعض الدعم، وأجريت إصلاحات مالية وضريبية واسعة لتشجيع الاستثمار وإنشاء المقاولات، وبدأت أولى محاولات “الجهوية” عبر اللاتمركز والسعي إلى إنعاش الهوامش، ثم جاءت سياسة مغربة الاقتصاد عبر انتزاع ملكية المنشئات الصناعية والتجارية من الأجانب لفائدة بعض الفئات الحليفة للنظام. كما وجد الحسن الثاني التمويل الكافي لتنظيم المسيرة الخضراء وتغطية نفقاتها العسكرية والتموينية والدبلوماسية، فأحكم سيطرته على الشرايين الاقتصادية والسياسية للبلاد.

“كان الوزير الأول هو رئيس مجلس إدارة المكتب الشريف للفوسفاط، وكانت باقي الوزارات ممثلة مثل وزارة الطافة والمعادن ووزير المالية، لكن أحدا لم يكن يعلم ماذا يجري في قطاع الفوسفاط. هل تم البيع بتلك الأسعار المعلنة؟ هل دخلت الأموال بالفعل؟ أسئلة كثيرة بقيت معلّقة” يقول الحسين الكافوني، والذي عاد ليثير تلك الوضعية الغريبة التي كان عليها صندوق التقاعد الخاص بالمكتب، والذي ظلّ دون تمثيلية نقابية وبعيدا عن أضواء الكشف عن كيفية استثماره وتدبيره، خاصة وأن سنوات طويلة كان خلالها عدد المتقاعدين قليلا للغاية، مقارنة بعدد العمال الذين يساهمون في تمويل الصندوق.

فيما اعتبر أستاذ الاقتصاد، عمر الكتاني، أن الدولة وحدها استفادت من عائدات تلك الطفرة، وليس الشعب المغربي. “وهذا ما يقع للأسف في كلّ الدول العربية، ذلك أنه وبعد الطفرة النفطية التي عاشتها دول الخليج العربي، رفعت الدولة هناك من نفقاتها على جهاز الدولة نفسه. فكانت الطفرة مثل تلك الحالة التي تقع لشخص يحصل فجأة على ثروة لم يألفها، وبدل أن يستثمرها ويطوّرها يسرف في الإنفاق على نفسه حتى يبدّدها، معتقدا أن تلك الأموال ستكفيه للإنفاق إلى ما لا نهاية”.

لقراءة الملف كاملا، يمكنكم اقتناء مجلة “لسان المغرب” بالضغط على الرابط