story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

كونوا نباتيين.. واحذروا المفترسين!

ص ص

لا يبدو أن الغلاء الذي همّ مواد غذائية أساسية بالنسبة للمغاربة في السنوات الأخيرة مجرّد أمر طارئ، وعلينا من الآن التفكير في تغيير إرادي وطوعي في نمط العيش والاستهلاك. والبداية ينبغي أن تكون بحسم العلاقة مع اللحوم.

لا يعقل أن نواصل مطاردة هذه المادة الغذائية بأنواعها وألوانها في طريقها نحو أعالي الأسعار. بعد اللحوم الأحمر ها هي اللحوم البيضاء تحلّق عاليا، وبدورها الأسماك “دارت جنحين” و”طارت علّات”.

لم يعد بوسعنا إلا أن نرفع الراية البيضاء، خاصة أن الحل موجود: فلنصبح كائنات نباتية.

نعم، دعونا نودع بولفاف والطاجين والسفة المدفونة… ولنفكّر جميعا في بديل اختياري يعفينا من عناء الاكتواء بنار الغلاء، ولنصبح نباتيين كي نحسم أمر اللحوم بشكل نهائي.

وقبل أن تنطلقوا متحمسين نحو هذا التحول العظيم، دعوني أوضح أن حتى الخضر والفواكه لم تنج من هذا الطوفان السعري.

ففي زمن صار فيه تناول اللحم حلما مؤجلا إلى عيد الأضحى، لمن استطاع إليه سبيلا، وصحن “السردين المقلي” رفاهية لا يحلم بها إلا الأثرياء، أصبح الحل الوحيد أمام المواطن البسيط هو التخلي عن اللحوم بكل أنواعها، والإعلان الرسمي عن اعتناق النباتية كخيار استراتيجي من أجل البقاء.

لنكم لن تستطيعوا اتباع النظام النباتي الذي يروّج له مشاهير “الديتوكس”. ففاكهة الأفوكا واللوز والجوز وزيت الزيتون… كلها مواد لم تعد مباحة للمواطن العادي، بل أصبحت عملة يتداولها الأثرياء، مثل سبائك الذهب، تماما كما صار “الحوت” كلمة ترمز إلى أباطرة العقار بدلا من السمك المقلي الذي كنّا نعرفه.

وبناءً عليه، تعالوا نفكّر في أطعمة نباتية لم تصل إليها يد السوق والمضاربين بعد.

لنفكّر مثلا في استغلال بلوط الغابات الشاسعة، المعمورة وغير المعمورة. إنها مكسّرات مجّانية توفرها الطبيعة. لطالما تجاهل المغاربة شجر البلوط، وجاء اليوم أوان قطفها، رغم أن ثماره كانت تُستخدم قديما في صناعة الدقيق عند الأزمات.

هذه المكسرات الطبيعية مليئة بالطاقة ويمكن تحميصها وطحنها للحصول على مسحوق يمكن إضافته إلى الخبز أو استهلاكه كمشروب ساخن يشبه القهوة.

تخيّل أنك تجلس في مقهى تحتسي “قهوة البلوط”، بينما يناقش جارك في الطاولة المجاورة آخر مستجدات بورصة البلوط!
ثم هناك طعام يوفره نبات السدر، ويمكنه أن يكون غذاء الفقراء. هذه الشجرة، التي تستخدم أوراقها في الطب التقليدي، تنتج ثمارا صغيرة تُسمى “النبق”، وهي غنية بالسكريات والفيتامينات. كانت في السابق تُعتبر طعاما للأطفال في البوادي، لكن مع الأوضاع الحالية، قد تصبح “حلوى وطنية” تدخل في صنع الحلويات الشعبية، وربما تُباع بأسعار تنافس التمور المستوردة، المجهولة وغير المجهولة.

ثم تعالوا ننتبه إلى عشب الملاعب والأرصفة. إنها زراعة حضرية بدون تكاليف. إذا كنت ممن يمرّون يوميا بجانب الأرصفة ولاحظت تلك النباتات الصغيرة التي تنمو بين شقوق الإسفلت، فقد حان الوقت للنظر إليها كجزء من الحل.

بعض هذه النباتات، يمكنها أن تصبح مثل “البقولة” (الرجلة)، فهي غنية بالعناصر الغذائية وتستخدم في بعض البلدان كسلطة شهية.

لذا، لا تتفاجأ إذا وجدت قريبا كتاب طبخ بعنوان: “أشهى الأطباق من نباتات الرصيف”، والسيدة “شميشة” تضيف عشب الأرصفة إلي مكوّنات وصفاتها الشهية!

ستقولون لي وأين هي البروتينات الحيوانية؟ وهل نعدم الحلول نحن المغاربة أصحاب الرؤوس المرفوعة؟

هناك الحلزون البري.. صديق الشتاء الفقير. إذا تحولنا إلى تناول النباتات المهملة، فلماذا لا نستفيد أيضا من الكائنات الصغيرة التي تعيش عليها؟

الحلزون البري، أو “الببوش”، كان دائما وجبة رخيصة في المقاهي الشعبية، لكنه قد يصبح عنصرا أساسيا في النظام الغذائي الجديد، خصوصا مع ارتفاع أسعار الأسماك واللحوم.

ثم هناك الضفادع التي توفّر “لحم المستنقعات” كخيار ممكن. في فرنسا مثلا، تعدّ أرجل الضفادع من الأطباق الفاخرة التي يتناولها الأثرياء، فلماذا لا نستفيد نحن أيضا؟

صحيح أن المغاربة لا ينظرون إلى الضفدع كوجبة غذائية، لكن مع هذا الغلاء، قد يُعاد التفكير في الأمر. من يدري، ربما نشهد افتتاح مطاعم متخصصة في “طاجين الضفادع”، مع ترويج صحي لها باعتبارها “مصدر بروتين منخفض الدهون”!

لنواصل التفكير المبتكر والخلاق، كي لا نصل إلى كابوس استهلاك لحوم القطط والكلاب. ولنفكّر مثلا في الديدان التي تعتبر بروتين المستقبل الذي لا مفر منه.

قبل أن تُصدَم أخي القارئ، أختي القارئة، دعني أخبرك أن الدول المتقدمة بدأت منذ سنوات في البحث عن الديدان كبديل بروتيني مستدام. بل هناك الآن مصانع متخصصة في إنتاج “دقيق الديدان” الذي يُستخدم في صناعة البرغر النباتي الغني بالبروتين!

وإذا استمر الغلاء بنفس الفحش الحالي، فلا تستغرب إذا بدأنا نرى في الأسواق المغربية “مسمن بالدود” و”بسطيلة باليرقات”، وقد نسمع عن برامج تلفزيونية تستعرض وصفات طهي مبتكرة للديدان المشوية والمقلية.

هناك أيضا الصراصير التي يمكنها أن تكون الحل الجريء لأزمة اللحوم!

يبدو الأمر صادما، لكنه واقع في بعض الدول الآسيوية، حيث تُعتبر الصراصير مصدرا غنيا بالبروتين، بل تُباع في الأسواق كوجبات سريعة مقلية أو مشوية.

ومع استمرار أزمة الغلاء، قد لا يكون مستغربا أن نجد بعض “المقاولين الشباب” يطلقون مشاريع لتربية الصراصير بدل إنفاق المال على المبيدات وتبديد مصدر ثمين للبروتينات الحيوانية.

ثم هناك بعض المناطق التي تعاني من انتشار كبير للعقارب والجرذان. وفي بعض الدول، يتم تناول العقارب المشوية كوجبة غنية بالبروتينات والمواد المغذية.

مع ارتفاع أسعار اللحوم، قد يصبح “شيّ العقارب” موضة جديدة، خاصة أن مناطق مغربية مليئة بها، مما يجعلها “ثروة غير مستغلة”!

وقبل أن تشمئز من فكرة أكل لحم الجرذان، دعني أوضح أن هناك فرقا بين الجرذان القذرة التي تعيش في المزابل ومحاري المياه العادمة، وبين “جرذان الحقول” السمينة، وهي أنواع نظيفة تتغذى على الحبوب والفاكهة، وتتمتع بقيمة غذائية عالية.

في بعض الدول الإفريقية، يتم اصطياد هذه الجرذان وشيّها على الفحم، وتُقدَّم كوجبة غنية بالبروتين، خاصة في القرى التي تعاني من الفقر الشديد.

بل إن علماء التغذية يؤكدون أن لحوم الجرذان تحتوي على نسبة بروتين أعلى من الدجاج، كما أنها أقل دسما، مما يجعلها خيارا مثاليا لـ”حمية إجبارية صحية”!

مهلا، لا تحلموا كثيرا. فبينما تستعدون لهذا التحول النباتي، هناك خطر حقيقي يتربص بكم: إنها الكائنات المفترسة!
لا أقصد الأسود والنمور، فهي للأسف لم تعد موجودة في غاباتنا، بل أقصد مفترسات أخرى أكثر خطورة:
• المضاربون
• السماسرة
• أغنياء الأزمات
• …
المهم، كونوا نباتيين إذا لم يكن أمامكم خيار آخر، لكن لا تنسوا أن في الغابة الاقتصادية التي نعيش فيها، من يصبح نباتيا يُصبح فريسة محتملة… فاحذروا أن يأكلوكم قبل أن تأكلوا أنتم الصراصير والجردان!

التاريخ مليء بأمثلة على مجتمعات اضطرت للجوء إلى مصادر غذائية غير تقليدية في أوقات الأزمات. لذلك، إن كنت تعتقد أن فكرة تناول الصراصير أو الديدان مستحيلة، فتذكر أن أجدادك لم يكونوا يتخيلون يوما أنهم سيدفعون هذا الثمن مقابل قطعة لحم، ومع ذلك، ها نحن هنا نبحث عن حلول غذائية من كائنات كنا ندهسها بأقدامنا!

لذا، إذا وجدت نفسك في المستقبل تمضغ بلوط الغابة أو تحمص قشور البطاطس على موقد صغير، فتذكّر أنك لست وحدك… بل أنت جزء من “ثورة نباتية إجبارية”، حيث يكون البقاء للأكثر إبداعا في البحث عن الطعام، وليس للأغنى فقط!