“قمة العبث”.. أساتذة يهاجمون وهبي بسبب “مسؤوليتهم” عن عنف التلاميذ

أثارت تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي الأخيرة، التي لوح فيها بإمكانية تحميل الآباء والمدرسين المسؤولية الجنائية عن الأفعال الإجرامية التي قد يرتكبها القاصرون، غضبًا واسعًا داخل الشغيلة التعليمية، حيث رأى كثير من الفاعلين التربويين أن هذه التصريحات تنم عن “تجاهل صارخ” لواقع المدرسة العمومية المغربية، وتحوّل الأستاذ إلى “كبش فداء لسياسات فاشلة”.
وكان وهبي قد أشار خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين الثلاثاء 06 ماي 2025، إلى أن النقاش جارٍ حول تعديل القانون الجنائي لفرض مسؤوليات جنائية على المدرسين في حال ارتكاب التلاميذ القاصرين أي فعل إجرامي خارج فضاء المؤسسة التعليمية.
وفي ردود فعل متفرقة، اعتبر عدد من الأساتذة أن “هذه التصريحات تكشف فقدان البوصلة الحقوقية لدى صانع القرار”، حيث رأوا أن “تحميلهم مسؤولية تصرفات التلاميذ خارج أسوار المدرسة هو قمة العبث القانوني، وتعبير عن انسحاب الدولة من التزاماتها الأساسية”.
كما اعتبروا أن “الأستاذ بات مطالبًا، وفق هذا المنطق، بأن يكون شرطيًا وقاضيًا وأبًا بديلًا ومربيًا، رغم ظروف الاشتغال المهينة”، مستغربين أنه “بدلًا من دعم الأستاذ، أصبح يُحمّل الآن تبعات بيئة مفككة، ومدرسة تفتقر لأبسط وسائل الحماية”، متساءلين عن “المنطق الذي يجعل المسؤول عن تربية وتعليم تلاميذ في ظروف قاسية عرضة للمساءلة الجنائية، دون أن يُوفر له الحد الأدنى من الدعم المهني والنفسي”.
من جهة أخرى، شدد الأساتذة على أن “التلميذ لا يُولد جانحًا، بل يُدفع نحو الانحراف بسبب فشل السياسات الاجتماعية والتربوية”، مؤكدين أن “المؤسسة التعليمية لا يمكن أن تُصلح ما أفسدته الدولة، وذلك في أقسام تحوّلت إلى ساحات للعنف والإهانة، يجد الأستاذ نفسه في موقع الضحية والمذنب معًا”.
وسجلوا أن “تحميل الأستاذ هذا العبء يعكس رغبة في التنصل من المسؤولية السياسية، لا في البحث عن حلول حقيقية، إذ أنه بدلا من محاسبة من خرب التعليم، يتم اللجوء إلى أسهل الحلول وهو تجريم المدرس”، مشيرين إلى أن رسالة الدولة باتت واضحة وهي “لن نحميكم، ولن نساندكم، بل سنُحمّلكم وزر ما لا تملكون له لا صلاحية ولا قدرة”.
من جانبه، قال الكبير قاشا، عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم (FNE)، إن “وزير العدل بتصريحه هذا، يتجاهل عمدًا مبدأ شخصية العقوبة، أحد أهم أعمدة القانون الجنائي، إذ أنه لا يجوز قانونًا معاقبة شخص (الأستاذ أو الأب) على فعل لم يقم به شخصيًا”.
واعتبر قاشا في حديثه لـ”صوت المغرب”، أن “طرح تحميل الأسرة والمدرسة المسؤولية الجنائية عن أفعال الجانحين ما هو إلا محاولة لذر الرماد في العيون، من أجل التغطية على فشل الدولة في معالجة الأسباب الحقيقية لانحراف الأحداث”، مضيفا أن “هذا التصريح لا يُعبّر عن نية للإصلاح، بل يعكس مأزق الخيارات السياسية والاقتصادية والحقوقية المعتمدة منذ سنوات”.
وأشار المتحدث إلى أن “ما فات الوزير هو إدراك حجم العنف الذي بات يتعرض له الأساتذة وأطر الإدارة داخل الفصول الدراسية”، حيث أشار إلى أن “كثيرًا من التلاميذ، خاصة ضحايا السياسات التعليمية الإقصائية، لا يحضرون إلى المدرسة من أجل التعلم، بل يتعاملون معها كمحطة عبور نحو وجهات أخرى”.
وتابع أن “هؤلاء التلاميذ لا يهددون فقط زملاءهم، بل يقوّضون الحق في التعلم داخل الفصل، ومع ذلك، تصر الحكومة على فرض تواجدهم بالقوة، حتى لو كان ذلك على حساب جودة التعليم وسلامة المتمدرسين”.
كما نبّه قاشا إلى أن “حديث وهبي يعكس الانقطاع الكامل بين صناع القرار وواقع المدرسة المغربية”، متساءلا عن عدد دور الشباب، والمكتبات، والمراكز الثقافية، والنوادي التربوية التي وفرتها الدولة لفئة المراهقين من أبناء الفقراء، مشيرا إلى أن “هذه الفضاءات، التي كان من المفترض أن تشكّل متنفسًا للشباب، غابت تمامًا، ليبقى الشارع وحده هو الملاذ”.
وفي غضون ذلك، أكد قاشا أن “من ينبغي أن يتحمل مسؤولية هذه الأرقام المخيفة بشأن جنوح الأحداث هو من يعرضهم للخطر من خلال حرمانهم من تعليم أساسي جيد، وعدم حماية محيط المؤسسات التعليمية من تجار المخدرات والممنوعات، وعدم إقرار رقابة صارمة على محتويات البرامج التلفزيونية من عنف وإشادة بالجريمة، وعدم الاهتمام بصحتهم العقلية والنفسية”.