story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

فلسطين / أكرانيا.. الفصل الغربي الزائف

ص ص

بحثت كثيرا لعلني أجد شيئا ما يكون الرئيس زلينسكي قد صرح به في موضوع فلسطين فلم أعثر على شيء. وبحثت على كلام قد يكون نتنياهو قد صرح به في موضوع أكرانيا فلم أجد شيئا يذكر. يظهر كما لو كانت القضيتان لا تشتبهان، بل هما مفصولتان تمام الفصل.

إن هذا الفصل أمر طبيعي بالنظر إلى الجغرافيا، والماضي والحاضر. ويبدو كما لو كان الفصل أيضا طبيعيا في الخطاب السياسي والإعلامي بين حربي غزة وأكرانيا، مع أنهما متزامنتان، إن نحن قاربنا الأحداث من زاوية الحرب التي تدور رحاها في غزة والضفة الغربية من جهة، وتلك التي يصطدم فيها الجيش الروسي بالجيش الأكراني على جبهات القتال في شرق أكرانيا بالخصوص. والفصل في الخطاب الإعلامي له مبرراته.

وإلى حد كتابة هذه السطور (يوم الاثنين 18 غشت 2025 على الساعة السابعة مساء)، يبقى الفصل سيد الموقف: على سبيل المثال في تقريرين قرأتهما في صحيفة “النيويورك تايمز”؛ يملأ كل منهما صفحتين، التقرير الأول حول مأساة غزة، والثاني في موضوع وقف إطلاق النار، والمفاوضات كما تناولهما الرئيسان الروسي والأمريكي في قمة انكرج بألاسكا (الجمعة 15 غشت 2025). لكن التقريرين بقيا منفصلين؛ ولا يقدّم أي وصلٍ تحليلي نظري بينهما.

ويتكرر هذا الأمر الغريب في تغطية المسألتين في التقريرات العظيمة للحرب على غزة، التي تعدها قناة الجزيرة بمهنية، وهي تقارير لا نظير لها عالميا، ونجحت في نقل الأحداث وخلفياتها، إلى جميع بلدان وشعوب المعمور… ومع هذا، حتى في هذه التقارير يبقى الفصل قائما.

إن بسط الوقائع جنبا إلى جنب، في برامج الجزيرة، لربما يقصد منه جعل المتتبع والمتتبعة قادرين على استخلاص الدرس بنفسهما، في ما يتعلق بالكيل بمكيالين، الشائع في أوروبا وأمريكا – باستثناء بعض الدول وفي طليعتها النرويج الذي اتخذ عقوبات ضد إسرائيل بقرارات ملموسة دخلت حيز التطبيق – وكذلك فإن قرارات القادة الأوروبيين لا زالت إلى حد الآن تراوح مكانها في النوايا والتصريحات، بدون حسم، كفرض عقوبات رذعية على دولة الإبادة والتطهير العرقي، في حق شعب فلسطين.

وبالمقارنة مع هذا الفصل الأوروبي المبطن، أعتبر أن الفصل المعتمد في أميركا من طرف الحكومات، والمؤسسات الرسمية، والأحزاب الحاكمة؛ فصلا متعمدا. وكلا الفصلين زائف ومفضوح، حيث نرى القادة الأوروبيين يهرولون جماعيا في إسناد المقاتلين الأكرانيين وحكومتهم.

وإذ يجب علينا الدفاع عن المساواة بين الأفراد والجماعات الإنسانية كيفما كانت الفروق بينها، وكذلك فيما يتعلق بالعدالة اللازمة في التعامل معها كونيا، فإني ألاحظ باشمئزاز ذلك “الميز العنصري”، في مواقف الأنظمة والحكومات الغربية عموما، إزاء المبادئ الحقوقية والأخلاق الكونية، بين القضيتين الفلسطينية والأكرانية. ولا أدل على ذلك من أكبر “استعصام” لحكام أوروبا في هذا اليوم بالذات، بالبيت الأبيض، وفي طليعتهم ألمانيا، دفاعا عن عدالة الطرح الأكراني.

ولنقارن هذا بالموقف من عدالة القضية الفلسطينية، بل والانخراط في برامج التطهير العرقي، والإبادة بالحديد والنار، وتتويجها بهندسة التجويع، التي كانت مبرمجة، ويطبقها اليوم نظام فاشي في إسرائيل، يهدد بانهيار ما تبقى من مؤسسات وأعراف دولية.

والأمل الوحيد يبقى في التضامن الهائل لشعوب الأرض جمعاء، التي اخترقت التمييز بين ما هو غربي وغير غربي في كل مكان، بتضامنها مع الشعب الفلسطيني المظلوم، والنداء القوي والمتكرر بإنهاء هذه الحرب الوحشية، وإسناد القضية الفلسطينية العادلة كونيا.

ورسالة العدالة والمساواة للجميع، هي الرسالة التي كتبها نضال الشعب الفلسطيني، وصموده الأسطوري في أفق الكونية الجديدة، التي تتبلور اليوم للضمائر الإنسانية، متخطية الكونية الأورو-أمريكية التي أصبحت متجاوزة.

ولربما يكون الصبح أقرب مما نتوقع!