عبد الإله بنكيران والآخرون

أفرزت في الأيام الأخيرة نتائج مؤتمر حزب العدالة والتنمية عن انتخاب عبد الإله بنكيران أمينا عاما لولاية جديدة على رأس الحزب ذات المرجعية الإسلامية.
أطوار مؤتمر العدالة والتنمية أثارت الكثير من النقاش داخل المجتمع، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام لأسباب عدة: من اعتماد الحزب على جمع التبرعات من أجل تنظيم المؤتمر، إلى قرار بعض قيادات الصف الأول عدم الحضور، إلى استمرار هيمنة شخصية عبد الإله بنكيران على الحزب.
لكن المثير في هذا كله هو عودة أسطوانة قديمة تحذر المغاربة من الإسلام السياسي واستعمال الدين في السياسة وتلك الشعارات البائسة التي رفعت في فترة من الفترات في دول عربية مختلفة بعد عدم قدرة الأحزاب الأخرى مجابهة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية عبر ديمقراطية صناديق الاقتراع. فإما هي استعملت خطاب الترهيب في بعض الحالات، أو اصطفت إلى جابن الاستبداد في حالات أخرى.
قبل الخوض في تفكيك هذا الخطاب اليائس، يجب التأكيد على أن انتخاب بنكيران لولاية جديدة يشير بلا شك إلى عدم قدرة الحزب وبنكيران نفسه على صناعة جيل جديد من القادة، بنفس الحدة والقدرة على المجابهة السياسية وحشد الجماهير التي تميز بها بنكيران.
القائد الحقيقي ليس من يستطيع أن يحشد الجماهير ويقنعها بتصوره فقط، بل هو ذلك القادر على صناعة جيل جديد من القادة يستطيعون أخذ مكانه. القائد الحقيقي هو الذي يقدر على خلق منظومة تستطيع العمل بدونه، وفي ذلك فشل حزب المصباح وقائده القوي.
الديمقراطية الداخلية الحقيقية ليست هي ترأس رعيل واحد للمشهد والاختباء وراء أن الأشخاص لا يرشحون أنفسهم. بل الديمقراطية الداخلية الحقيقية هي بناء جيل جديد من القادة، وفسح المجال لهم برفض الترشح ضدهم (وهو الشيء الممكن في النظام الداخلي للعدالة والتنمية، كما بدا جليا من خلال انسحاب بعض من تم ترشيحهم من طرف المؤتمرين).
أما في ما يخص الخطاب الذي عاد اليوم إلى الواجهة، والذي إن أشار إلى شيء، فإنه يشير إلى خوف بعض الجهات في المغرب من أن حزب العدالة والتنمية لم يمت بالمعنى السريري للكلمة، وأن هناك بوادر يمكن أن يعود عبرها إلى تصدر نتائج الانتخابات، أو على الأقل خلق تحديات كبيرة بالنسبة لهم في الاستحقاقات المقبلة. وتبقى دائما أولى الشعارات التي يطلقونها هي خطر الإسلام السياسي على المغرب.
أولا، النظام السياسي في المغرب يستمد شرعيته من الإسلام السياسي، وبالتالي فمعارضة الإسلام السياسي في المغرب فيه شيء من عدم الرضا ومعارضة النظام بنفسه.
ثانيا، كما للذين يعتبرون هوبس ولوك وروسو مراجعهم الحق في تبني أفكارهم كمرجعية أيديولوجية وسياسية (وإن كنت أشك أن لدينا حزبا ليبراليا حقيقيا في المغرب)؛ ويحق لمن يعتبر ماركس وإينجلز المرجع الأيديولوجي والفكري لهم أن يؤطروا قواعدهم من خلال هاته الأسماء (وإن كان هناك تعارضات منهجية بين الفكر الماركسي ومن يدعون أنهم يمثلونه في المغرب)؛ فللمغاربة الذين يريدون للمرجعية الإسلامية أن تكون أرضيتهم الفكرية والأيديولوجية الحق في ذلك دون تخوين ولا ترهيب.
ثالثا، الكثير من هاته الأصوات هي نفسها التي تذكرنا دائما بدهاء الملك الراحل الحسن الثاني. فإما أنه داهية سياسي بسماحه بدخول حزب العدالة والتنمية إلى العملية السياسية وتطبيعهم معها؛ أو أنه ليس بذلك الدهاء الذي يصورنه لأنه لم يفطن إلى خطورة الإسلام السياسي التي ما فتئوا يذكروننا بها.
الخوف كل الخوف، أن تكون هذه الأصوات في حقيقتها لا تعبر عن قناعات حقيقية لديها، ولا عن مشروع سياسي بديل تدافع عنه وتطرحه للنقاش بين المغاربة. الخوف هو أن تكون هذه الأصوات فقط تعبيرا عن عدم قدرة جهات داخل المغرب (أو ربما حتى خارجه) على مواجهة حزب يعبر عن انتظارات جزء من الشعب المغربي.