story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

طوطو والجرح الثقافي المستدام

ص ص

أثير الكثير من الجدل حول الحفل الصاخب الذي نشطه طوطو ، وتباينت التحليلات والمواقف بين مدافع عن هذا الانزياح الثقافي والفني وبين من يدعم طوطو ويرى أننا نلج عصر الانفتاح المعولم وبالتالي لطوطو الحق في التعبير عن ثقافة وفن شباب اللحظة .

بعيدا عن التماس مع الخطين السابقين، ساحاول مقاربة هذا الجرح الثقافي من خلال تقديم تحليل ثقافي لحالة “طوطو” (ElGrandeToto) ، هذه المقاربة تقتضي النظرالى حالة طوطو في سياقين رئيسيين: السياق المجتمعي المغربي، وسياق التحولات الثقافية العالمية، وخاصة ما يتعلق بثقافة الشباب، والراب، والتعبير الفني النقدي البديل. دون إهمال تساؤل حوهري لماذا يحشد الدعم لطوطو دون غيره من المبدعين والفناتين .

في البدء : من هو طوطو؟

طوطو (ElGrandeToto) هو مغني راب مغربي تم تصعيده وترميزه بسرعة خلال العقد الأخير بحيث فتحت له مهرجانات كبرى، وحظي بتمديد إعلامي لم يمنح لغيره، مما أكسبه شهرة واسعة في المغرب وخارجه. وتم تقديمه كنموذج لجيل جديد من الفنانين المغاربة الذين يعبرون عن أنفسهم بفقرات من لغات متعددة (الدارجة، الفرنسية، الإنجليزية) ويخاطبون جمهورًا محليًا ودوليًا بقاموس لغوي نقدي يمتح مفرداته من الشارع ومن معجم زنقوي .

ثانيا : ماذا تمثل ظاهرة طوطو في السياق الثقافي المغربي ؟

هل ظاهرة طوطو تؤكد قطيعة ثقافية وفنية مع الأشكال التقليدية للفن والتعابير الثقافية ؟ . أم أن طوطو يمثل تحولًا في الذوق الفني يسير نحو أزاحة فن الراب والـTrap لأشكال فنية أكثر تقليدية مثل الأغنية المغربية الكلاسيكية أو الشعبية أو حتى موسيقى الراي ؟.

وهل يمكن اعتبار ظاهرة طوطو تحولًا في المرجعيات الجمالية لدى الشباب المغربي ، الذي يغادر اليوم الطرب والموروث التقليدي نحو إلى إيقاعات العالمية والصور البصرية المعولمة نتيجة الثورة والفوضى في الوسائط الاجتماعية ؟ .

تتعدد الأسئلة حول ما يقع في النسق الفني والثقافي المغربي من تحولات ، ليست بالضرورة هي نتاج مشروع ثقافي جديد أو سياسة ثقافية معتمدة ، المؤسف أن ما يقع هو حفر تحت أسس جسر الثقافة المغربية ، في سياق تراجع فيها أداء المؤسسات الثقافية ، وغاب فيها المثقف الملتزم أو غيب بالإكراه المفروض على الساحة الثقافية عموما .

لذا نقول انه كان ممكنا تقبل حالة طوطو كواقع ثقافي وفني جديد مرتبط بفن الراب كصوت احتجاجي وتمردي ، يتبنى من خلاله طوطو خطابا نقديا للمجتمع والنظام والمؤسسات ، خطابا يؤسس لوعي شبابي جديد ، لكن ما لاحظناه هو اغراق في الهوية الفردية، ةصنع عوالم حالمة ، توهم بالتمرد وتمجد المخدرات. مما يجسد حالة تيه ثقافي وفني للأسف يتم تبنيها رسميا من طرف القطاع الحكومي الوصي على الثقافة . وهو ما يترجم أزمة سياسة ثقافية ، غير قادرة على توجيه تعبيرات الجيل الجديد الذي لا يجد نفسه في الخطاب السياسي أو الإعلامي الرسمي.

لكن في المقابل هل أغاني طوطو تجسد خطاب النقد السائد في الغرب ، وهوالخطاب الذي ينطوي على نقد مبطن للبؤس الاجتماعي، والإقصاء، والطبقية وغيرها من قضايا المجتمع ؟

أعتقد أننا في حاجة إلى قراءة تعيد تشكيل صورة فنان الراب بالمغرب، لأننا إزاء ممارسة جامحة وجانحة، فطوطو يقدم صورة متمردة غير مألوفة وغير خاضعة، يخاطب الجمهور بلغة مباشرة وصادمة أحيانًا، والإعلام الرسمي يحتفي بتمرير سهرته في واقعة تناقض كبير. إذ أن هذه الصورة التي تنقل عبر القناة الرسمية للبلد تكسر القوالب الاجتماعية والقواعد للمغني “المهذب” أو الملتزم وتؤسس لصورة “النجم الشعبي المثير للجدل” الذي يصنع عالما حالما قد يخدع الشباب المراهق.

في هذا السياق حاول البعض الإشادة بالجماهيرية الحاشدة لطوطو، لكنهم تناسوا أن هذا الأخير استفاد من المنصات الرقمية كأدوات صعود في السياق الرقمي والعالمي. فطوطو استفاد من YouTube وSpotify وInstagram كمنصات لا تحتاج إلى وساطة مؤسساتية وثقافية. وهذا يعكس تحولات خطيرا ، مضمونه أن السلطة الثقافية تتحول من المؤسسات إلى الأفراد، حيث يستطيع فنان مستقل أن يبني قاعدة جماهيرية واسعة خارج النظام الثقافي الرسمي ويصادمه.
(يتبع).