story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

“سلام دانك” في عين الـ”بوما”

ص ص

في عالم الرياضة، “سلام دانك” هي الحركة التي يخطف بها لاعب كرة السلة الأنظار، يقفز عاليا، يعانق الهواء، ثم يغرس الكرة في سلة الخصم بقوة، وسط تصفيق جمهور يهتز على وقع الإنجاز.

لكن في غزة، السلة ليست حلقة من الحديد، ولا التصفيق يأتي من مدرجات. هنا، السلة هي ناقلة جند إسرائيلية من نوع “بوما”، والتصفيق… صرخات الغزاة المذعورين ونحيب قادة الاحتلال وهم يكتبون بيانات النعي على عجل.

بقفزة شجاعة لا تحدث إلا في كتب الأساطير، اندفع المقاوم الفلسطيني كما يندفع سهم انطلق من قوس العدالة.
لم يختبئ خلف جدار، ولا في ظلال الركام.. بل سار بخطوات واثقة نحو الهدف، حتى صار يلامس بأطراف أصابعه جلد الوحش الحديدي الذي جاؤوا به لإبادة الحياة في خان يونس.

توقف على بعد سنتيمترات من ناقلة الجنود “بوما”، تلك التي طالما قدّمتها إسرائيل على أنها قلعة متحركة لا تُخترق.. وقف كما يقف محارب قديم فوق حافة الأسطورة، يتأمل خصمه الأخير.

ومن فوق فتحة الناقلة، تلك التي ظن صانعوها أنها صمّمت لإطلاق الموت إلى الخارج، قفز المقاوم، لا بقصد الهروب، بل بقصد إسقاط لعنة لا خلاص منها.

في لحظة فارقة، لحظة تتجاوز قوانين الفيزياء، وتكسر معادلات القوة التي كتبها المستكبرون، نفّذ المقاوم حركة “سلام دانك”، لكن لا كرة في اليد، بل عبوة ناسفة من نوع “شواظ”، اختير اسمها بعناية لأنها لا تلقي مجرد لهب… بل تزرع الجحيم في قلب الحديد.

رمى العبوة كما يزرع الفلاح بذرة في أرضه، لكنه هنا كان يزرع الموت في رحم آلة القتل. وفي أقل من طرفة عين، أقل من رجفة إصبع، تحولت كتلة الحديد المتغطرسة إلى فرن مشتعل، إلى كرة لهب تقذف بداخلها ما تبقى من صراخ جنود كانوا قبل دقائق فقط يتوهمون أنهم يسيطرون على الأرض ومن فيها.

سبعة جنود غزاة… جاؤوا بوجوههم التي لا تعرف إلا القتل والحرق والهدم… جاؤوا بدباباتهم وناقلاتهم يحسبون أن غزة بلا أنياب… فصاروا رمادا في ثوانٍ.

لم يتبقّ منهم سوى أرقام على تقارير الجيش، وأشلاء عجزت فرق الإنقاذ عن انتشالها إلا بعد جرّ الناقلة المشتعلة خارج حدود غزة… وخارج حدود الكذب الذي اعتادت إسرائيل أن تسوّقه للعالم.

هنا لا صواريخ بعيدة المدى، لا طائرات دون طيار، لا غرف عمليات تحت الأرض… هنا رجل، وجسد، وعبوة، وإيمان أقوى من كل دروع العالم.

هكذا تُكتب الملاحم. وهكذا تُستعاد هيبة الأرض حين يقف الموت نفسه عاجزا أمام عزيمة من قرر أن يحيا واقفا… أو يموت وهو يغيّر قواعد اللعبة.

هنا لا مجال للخيال. ناقلة “بوما” ليست سيارة صغيرة… هي دبابة مدرعة مخصصة لمهام الهندسة القتالية، مزودة بأنظمة حماية وأجهزة كشف، لكنها لم تستطع أن تحمي نفسها من إرادة شاب واحد، يعرف أن الحياة في زمن الاحتلال مجرد انتظار بطيء للموت.. فاختار أن يصنع من الموت حياة.

لا يتعلّق الأمر بعملية عابرة، بل كان درسا مكتمل الأركان في مفهوم الردع. ولم تكن عبوة شواظ فقط، بل رسالة تقول: حتى الحديد الذي تتفاخرون به، يمكن أن يتحول إلى رماد، إذا وقف في وجه من قرر أن يحيا حرا أو يموت بكرامة.

أما قادة إسرائيل، فقد بدا عليهم الهذيان. رئيسهم إسحاق هرتسوغ نعى الجنود قائلا: “الوضع صعب.. والمعارك ضارية.. والعبء لا يُحتمل.”

فيما قال زعيم المعارضة لبيد: “صباح كارثي… سبعة جنود في يوم واحد!”.

أما إعلامهم، فقد خلع عن نفسه أي قناع، وبدأ يبث الحقيقة المجردة: الناقلة احترقت.. الجنود احترقوا.. فرق الإطفاء لم تنجح.. الجرافات حاولت دفن الناقلة تحت الرمال دون جدوى. حتى الطائرات المروحية التي أُرسلت للإجلاء، عادت صفر اليدين.

لم يكن هناك أحد لإنقاذه.

تخيلوا المشهد: جيش بأكمله..دولة بكامل أجهزتها، بقنابلها الذكية وطائراتها بدون طيار، بمخابراتها المتغطرسة… تهزمها عبوة محلية الصنع، يحملها شاب واحد، يقفز بها فوق ناقلة، ويلقيها بثقة لاعب محترف يسدّد آخر نقطة في نهائي البطولة.

والأجمل؟ أن العملية مصورة. كل لحظة.. كل ثانية.. من بداية التسلل، إلى الاقتراب، إلى لحظة رمي العبوة داخل الناقلة، إلى صوت الانفجار وألسنة النار التي التهمت الحديد ومن فيه.

هذا التصوير بحد ذاته معركة أخرى. معركة ضد الأكاذيب. معركة ضد أساطير الجيوش التي لا تُهزم… والتي تُهزم. معركة تُقال فيها الحقيقة بالصوت والصورة: نعم، يمكن هزيمة إسرائيل. يمكن إسقاط أسطورتها، يمكن إحراق ناقلاتها، يمكن كسر جيشها.

في الخلفية، كانت طائراتهم تقصف البيوت، وتجفف أنهار غزة من الحياة، وتغلق السماء على الأطفال والنساء… لكن الأرض لم تخن أصحابها.

هنا غزة، وهنا الكلمة العليا لمن يملكون الإرادة. معركة الناقلة ال”بوما” ليست مجرد ضربة ناجحة، بل إعلان واضح: جيش الاحتلال لن يكون آمنا، لا في شمال غزة ولا جنوبها، لا في التوغل ولا في التراجع.

والأهم… أن هذه ليست النهاية. بل المعركة مستمرة. ناقلة اليوم ستكون جنازة الغد. وإسرائيل تعرف جيدا أن حركة “سلام دانك” هذه لم تكن استثناء، بل بروفة لمئات أخرى تنتظرها في أزقة غزة، وفي عبسان، وفي رفح، وفي كل شبر من أرض لا تعرف الركوع.

هكذا يُكتب المجد.

لا في ملاعب السلة، بل عين ناقلة “بوما”.