story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

“رخصة الأبوة” ومدى أحقية القضاة للاستفادة منها ؟!

ص ص


تُدُووِل، مؤخرا، مشروع مرسوم يتعلق بتحديد قائمة الرخص الاستثنائية التي يستفيد منها القضاة، تطبيقا للمادة 63 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وتضمن أنواعا من الرخص المذكورة، مستثنيا من ذلك “رخصة الأبوة” التي تتأدى في منح الأب رخصة متصلة مدفوعة الأجر نتيجة ولادة زوجته.

نعتقد، بُداءة، أن “رخصة الأبوة” رديفةٌ لرخصة الولادة، وهذه الأخيرة، حسب المادتين 59 و71 من نفس القانون، تعد رخصة أساسية اعتيادية غير استثنائية. وبالتالي، تبقى “رخصة الأبوة” غير مشمولة بالمرسوم المذكور، وغير خاضعة لمجال التنظيم بقدر ما تظل خاضعة لمجال القانون، باعتبارها ضمانة من الضمانات الممنوحة للموظفين المدنيين، عملا بالفصل 71 من الدستور الذي أسند اختصاص تحديدها لسلطة التشريع وليس للحكومة.

وما دام الأمر كذلك، فهل يحق للقضاة التمتع بهذه الرخصة في ضوء التشريع المغربي ؟

إن نقاشا أثير وسط الجسم القضائي، بعد نشر القانون رقم 30.22 القاضي بتغيير وتتميم النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، حول مدى استفادة القضاة من هذه الرخصة المنصوص عليها في الفصل 46 منه، والمحددة في 15 يوما. وقد رشح، في خضم هذا النقاش، رأيان اثنان: الأول؛ يرى أحقيتهم فيها على أساس تطبيق مقتضيات الفصل المذكور عليهم. والثاني؛ يرى عدم منحها لهم بعلة كون الفقرة الأولى من الفصل 4 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية تستثني تطبيق هذا القانون على رجال القضاء.

ومما يلاحظ على هذا الرأي الأخير، أنه منافٍ للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور، والتي تفرض تأويل نصوص القانون على هديها تأويلا ديمقراطيا، ومن أهم هذه المبادئ والقيم الواجب مراعاتها:

أولا: ضرورة مراعاة إحدى أهم غايات القانون نفسه، وهي ضمان مساواة الجميع أمامه، وتوفير الظروف التي تمكن من تعميم هذه المساواة بين جميع المواطنين من طرف السلطات العمومية، عملا بالفصل 6 من الدستور. ثانيا: ضرورة احترام مبدأ تمتيع الرجل والمرأة، بغض النظر عن مركزيهما، على قدم المساواة، بكافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، طبقا للفصل 19 من الدستور.

وهديا على هذين المبدأين، يمكن القول بأن الرأي المذكور غير صَويبٍ من ثلاثة وجوه:

أولهما: أن إرادة المشرع في الفصل 4 أعلاه، وإن اتجهت إلى عدم تطبيق قانون الوظيفة العمومية على القضاة، فإن على ذلك ترتد إلى مراعاة بعض الالتزامات التي تتميز بها المهام القضائية، أما ما دون هذه الالتزامات، فيبقى القانون المذكور شريعة عامة فيما لم ينظمه النظام الأساسي للقضاة، وأن عدم تمتيع القضاة بـ “رخصة الأبوة” ليس فيه مراعاة لأي التزامات قضائية، بل إن هذه الرخصة مرتبطة بإنسانية القاضي التي يتساوى فيها مع باقي الموظفين، نساء ورجالا؛ فلا مجال، إذن، للتمييز، في هذا الشأن، بين القضاة وغيرهم من الموظفين.

ثانيهما: أن الفقرة الأولى من الفصل 4 أعلاه لا تستثني القضاة وحدهم من تطبيق قانون الوظيفة العمومية، وإنما استثنت معهم فئات أخرى من أطر الدولة، منهم: مهني الصحة. وقد أقرت محكمة النقض، باعتبارها الجهة التي تسهر على مراقبة التطبيق السليم للقانون طبقا للمادة 84 من قانون التنظيم القضائي، مبدأ تطبيق القانون المذكور على هذه الفئة فيما لم ينص عليه النظام الأساسي الخاص بها، وذلك بشكل متواتر من خلال جملة من قراراتها، منها على سبيل المثال: – القرار عدد 245-1، الصادر بتاريخ 08 مارس 2018، في الملف الإداري عدد 3700-4-1-2016. – والقرار عدد 32، الصادر بتاريخ 10 يناير 2019، في الملف الإداري عدد 837-4-1-2018. – والقرار عدد 417، الصادر بتاريخ 28 مارس 2019، في الملف الإداري عدد 1748-4-1-2018.

ثالثها: أن المبدأين المنصوص عليهما في الفصلين 6 و19 من الدستور، والمشار إليهما أعلاه، يقتضيان قياس وضعية القضاة على وضعية مهني الصحة. وبالتالي، تطبيق قانون الوظيفة العمومية على القضاة فيما لم ينص عليه نظامهم الأساسي، وإقرار أحقيتهم في الاستفادة من “رخصة الأبوة” شأنهم شأن مهني الصحة وباقي فئات الموظفين.

لذلك، فلا نعتقد أن هناك مبرر لتمييز القضاة عن باقي الموظفين العموميين بخصوص الاستفادة من “رخصة الأبوة”، انسجاما مع الدستور، وانتصارا للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها، واحتراما لاجتهادات محكمة النقض التي تعد مصدرا من مصادر القانون الواجب مراعاتها عند تطبيق مقتضياته في حال غموضها أو فراغها أو نقصانها.

*عبد الرزاق الجباري
رئيس “نادي قضاة المغرب”