رأي: إصلاح المسطرة الجنائية رهين برؤية شاملة وإرادة سياسية واضحة

أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن مراجعة قانون المسطرة الجنائية، رغم ما تحمله من مستجدات إيجابية، لن تحقق الأهداف المنشودة ما لم تُدرج في إطار سياسة جنائية متكاملة تنبع من تصور شامل لإصلاح العدالة، مشددًا على ضرورة إنجاز هذا الإصلاح وفق برمجة دقيقة، وآجال محددة، وبموارد مالية وبشرية كافية لضمان تنفيذه الفعلي.
وجاء في رأي جديد للمجلس بشأن “مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية” أن إصلاح المنظومة الجنائية يجب أن يندرج ضمن رؤية استراتيجية شاملة، ترتكز على مضامين الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب (20 غشت 2009).
وأبرز أن الخطاب دعا إلى “بلورة مخطط متكامل ومضبوط، يجسد العمق الاستراتيجي للإصلاح، في محاور أساسية، تشمل تعزيز استقلال القضاء، وتحديث المنظومة القانونية، وتأهيل الموارد البشرية، والرفع من النجاعة القضائية، وترسيخ التخليق، وحسن التفعيل”.
وشدد المجلس على أن الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة لا يمكن أن يتم “دون اعتماد منهجية تشاورية ديمقراطية، وتطبيق معايير الحكامة الجيدة وتقييم الأداء، إلى جانب تعميم الرقمنة على مختلف مرافق العدالة”.
وأكد أن “مراجعة قانون المسطرة الجنائية لمواجهة تنامي الجريمة، وتحقيق العدالة، وصون الحقوق، ينبغي أن تتم ضمن مقاربة أوسع تشمل سياسات عمومية تهدف إلى معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية للجريمة والانحراف”.
ودعا المجلس إلى “إصلاح عميق للمنظومة التعليمية يعزز قيم المواطنة والانضباط، ويساهم في إدماج الأفراد بشكل إيجابي في المجتمع، إضافة إلى تطوير السياسات الاقتصادية لخلق فرص الشغل وتشجيع الاستثمار، والارتقاء بالسياسات الاجتماعية لمحاربة الفقر والهشاشة، وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية”.
وأشار المجلس إلى أن “مشروع مراجعة قانون المسطرة الجنائية ينبغي أن يُجيب على تحديات أساسية، أبرزها استعادة ثقة المواطن في منظومة العدالة وتعزيز شعوره بالأمن، فضلًا عن مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي يشهدها المغرب والعالم”.
و شدد المجلس على أن روحه وفلسفته يجب أن تهدف إلى ضمان الحريات وتكريس الحقوق، مؤكدًا أن قانون المسطرة الجنائية يُعد لبنة أساسية في البنية التشريعية، لدوره في تحقيق التوازن بين حماية المجتمع من الجريمة وضمان حقوق الأفراد، فضلًا عن كونه آلية لحماية الحريات من التعسف، مع ضرورة البت في القضايا داخل آجال معقولة، بما يضمن الأمن القانوني للضحايا والمتهمين على حد سواء.
واعتبر المجلس أن التعديل الجديد جاء بمقتضيات من شأنها تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وتبسيط المساطر، وترشيد الإجراءات، إضافة إلى تعزيز الرقابة القضائية على الشرطة القضائية، وحكامة النيابة العامة، وعقلنة الحراسة النظرية، وترشيد الاعتقال الاحتياطي.
كما نوه بتوجه المشروع نحو تقوية وسائل مكافحة الجريمة، وتعزيز حقوق الدفاع، وتطوير آليات التعاون القضائي الدولي، وإضفاء بعد إنساني واجتماعي على التنفيذ الزجري، معتبرًا أن هذه التدابير تُمثل معايير مهمة في مسار تحقيق العدالة الشاملة.