“دونور”.. المعلمة الرياضية التي تأبى الإندثار

ص
ص
بعد أزيد من سنة على إغلاقه من أجل إعادة هيكلته وفق شروط جديدة وحديثة، استعدادا لاحتضانه لمباريات كأس إفريقيا للأمم 2025، يفتتح المركب الرياضي محمد الخامس بالدارالبيضاء، اليوم السبت 12 أبريل 2025، أبوابه أمام الجمهور البيضاوي من أجل رؤية نادييه الرجاء والوداد فوق أرضية “دونور”، الملعب الذي يمثل له رمزية خاصة، بالنظر للمباريات التاريخية الكثيرة التي احتضنها، والتي شكلت تاريخهما الحافل بالألقاب والإنجازات وكبار اللاعبين.
حدث إعادة فتح مركب محمد الخامس، وجاهزيته لاستقبال الجماهير الحمراء والخضراء، يدعو إلى العودة إلى النبش في تاريخ هذه المعلمة الرياضية، مرحلة التأسيس الأولى، ومراحل تطورها، وتفاصيل أحداث تاريخية ملحمية لازال يتذكرها المغاربة بكثير من الفخر والحنين والإعتزاز.
ملعب “مارسيل سيردان”
كان ضغط المباريات الكثيرة الذي عرفه ملعب “فيليب” بالدارالبيضاء خلال نهاية الأربعينات، وطاقته الإستيعابية للجمهور لا تتعدى 500 متفرج، دافعا لسلطات الحماية الفرنسية لكي تبني ملعبا أكبر حجما وفي منطقة تتوفر على مساحة أرضية شاسعة في أطراف المدينة، وقد تمت تسميته بملعب “مارسيل سيردان”، تكريما لملاكم فرنسي توفي في حادث جوي، حين تحطمت طائرته على صخرة جبل طارق.
وحسب الصحافي والباحث في الشأن الرياضي يونس الخراشي، «فإن القطعة الأرضية التي بني عليها ملعب «مارسيل سيردان» سنة 1955، تعود إلى كل من ميشال كاسطون ومدام ميشيل كيي، الزوجة، وفابر بيير ومدام كالسيا طيريز، الأرملة، وأميكليو وألبيرطين لوشفانطون وإيم أميكليو وأولادها، ورولان وجوزيان ومفيلو زوجة لوشفانطيون».
وما يؤيد ذلك هو المبرر الذي قدم، ومن خلال الجريدة الرسمية التي تضمنت القرار الوزاري القاضي بإنشاء الملعب والتي تفيذ أنه: «من المصلحة العمومية والأمور المستعجلة إحداث ملعب بالدار البيضاء، وفي نزع قطعتي أرض لازمتين لهذا الغرض، بمقتضى الظهير الشريف، المؤرخ في 09 شوال 1332، الموافق 31 غشت 1914، المتعلق بنزع الملكية لأجل المصلحة العمومية».
الملعب الشرفي
بعد عام على تشييد ملعب “مارسيل سيردان”، سينال المغرب رسميا استقلاله عن الإستعمار الفرنسي والإسباني، وسيكون الحدث التاريخي مبررا منطقيا لتغيير إسم الملعب من “سيردان” إلى “الملعب الشرفي” بموازاة مع احتضانه لمباريات الرجاء والوداد والمنتخب الوطني، بالإضافة إلى نهاية كأس العرش، وكانت طاقته الإستيعابية في تلك الفترة تصل إلى 20 ألف متفرج.
يقول الكاتب عبد القادر زيدان: “في سنة 1956 سيصبح الإسم الجديد للملعب هو الملعب الشرفي، وما زلت أتذكر جيدا أننا كنا نصطحب معنا شيئا نجلس عليه في الجهة المقابِلة للمنصة الشرفية، فلم يكن تمة إلا التراب، فلا مدرجات ولا أي شيء”.
ويقول اللاعب السابق محمد لبصير: “كانت مباراة لا تنسى، تلك التي لعبتها وأنا بقميص الفتح الرباطي، ضد المولودية الوجدية، بحضور الملك محمد الخامس وولي العهد آنذاك مولاي الحسن، وضيفهما الملك الحسين عاهل الأردن، غير أننا لم نكن محظوظين في تلك المباراة بعدما ضيع اللاعب العلمي ضربة الجزاء وفازت المولودية بأول لقب لكأس العرش، في يوم لا ينسى ابدا”.
كما استضاف الملعب الشرفي مباريات كأس محمد الخامس التي كانت تعرف مشاركة أبرز الأندية العالمية في تلك الفترة، كما أن أرضية شاهدة على التأهل التاريخي للمنتخب المغربي لكأس العالم بالمكسيك سنة 1970 في مباراة انتصر فيها على المنتخب السوداني بثلاثية نظيفة.
المركب الرياضي محمد الخامس
في نهاية السبعينات من القرن الماضي، وحين شهد الملعب توسعة همت المدرجات. فضلا عن إنشاء قاعتين مغطيين في الجهة المقابلة. استعدادا لاحتضان الدار البيضاء لألعاب البحر الأبيض المتوسط، سنة 1983 سيشهد تغييرا آخر لاسمه، ليحمل هذه المرة اسم الملك الراحل محمد الخامس، حيث أكدت أكدت مصادر من مجلس المدينة التي تدبر شؤون ملعب مركب محمد الخامس للباحث يونس الخراشي بأن : “المهندس الذي عهد إليه بإنشاءات التوسعة. اسمه لويس غيو، وهو من مواليد 18 أبريل 1919 وكانت له بصمات كثيرة في مدينة أكادير على الخصوص، فضلا عن بصمات أخرى في مدينة الدار البيضاء”.
يقوم المركب على مساحة تقدر ب12 هكتار ( 12262) متر مربع بالضبط / الرسم العقاري 5387 د ، وهي المساحة التي تتضمن ملعب كرة القدم والملعب الملحق، فضلا عن القاعتين المغطيين (إحداهما للرياضات المتعددة كرة السلة وكرة اليد والكرة الطائرة وفنون القتال والجمباز، والمسايفة وغيرها، والثانية للسباحة والغطس)، وإن كانت الأخيرتان تتبعان من حيث الملكية والتدبير المباشر لوزارة الشباب والرياضة فيما يتبع الملعب في ملكيته لمجلس المدينة.
أحداث ومباريات تاريخية
شهد المركب الرياضي محمد الخامس منذ تشييده منتصف الخمسينات، عدة مباريات وأحداث كبيرة جدا، يصعب يحصرها. أبرزها الألعاب العربية لسنة 1961 فضلا عن ألعاب البحر الأبيض المتوسط لسنة 1983، ومباريات كأس محمد الخامس، ومباريات كأس الحسن الثاني، وأحداث كبرى مثل استضافته لخطاب الملك الراحل الحسن الثاني وضيفه البابا يوحنا بولس الثاني يوم 20 غشت 1985 (بحضور 80 ألف من الجمهور)، وغير ذلك كثير للغاية، وعلى جانب كبير من الأهمية.
وتجدر الإشارة إلى أن دورة الدار البيضاء لألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي احتضنها ملعب مركب محمد الخامس سنة 1983 كان لها الأثر الكبير على تطور الممارسة الرياضية في المغرب، فضلا عن جماهيريتها، إذ قربت الشارع الرياضي المغربي من أنواع رياضية كثيرة لم يكن له بها دراية كافية، سيما أنها برزت بقوة في الدورة، ووصلت إلى منصات التتويج، وكان مسك الختام ذهبية كرة القدم، بفوز المنتخب الوطني على المنتخب التركي بثلاثية تاريخية.
كما لعب”دونور” دورا بارزا في إعطاء مباريات الوداد والرجاء زخما جماهيريا تعدت شهرته حدود المغرب لتنتشر الصورة في جل بقاع العالم، وشهدت أرضية ميدانه منطلقا لتألق العديد من نجوم الكرة المغربية التي احترفت في أوربا وشكلت دعامة للفريق الوطني سنوات طويلة.