story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

دفاعا عن حكام كرة القدم

ص ص

ما جرى في مباراة إسبانيول برشلونة وريال مدريد في نهاية الأسبوع الماضي من أخطاء تحكيمية فادحة، وما أعقبها من جدل حاد واتهامات بالتآمر في الأوساط الإعلامية الرياضية الإسبانية، انتهت بتقديم النادي الملكي لشكوى رسمية لجامعة كرة القدم والمجلس الأعلى للرياضة، هو ليس حالة معزولة أو زوبعة ستطويها الأيام وسيُنسى الأمر.

الواضح أن تحكيم كرة القدم أصبح معضلة في كل البلدان والدوريات والبطولات حتى التي تراكم عقودا طويلة من الإحتراف والمستويات العليا لحاملي الصفارة، إذ تحول الجدل حول قرارات الحكام إلى عادة أسبوعية لدى الجمهور، ووجدت فيها القنوات التلفزيونية والإذاعية والمواقع الإلكترونية وصفحات وسائل التواصل الإجتماعية مادتها الدسمة التي تجلب المتابعين والمتفاعلين والمشجعين المتعصبين الباحثين عن أي شيء “يتعاطون” به ضد بعضهم.

الجمهور أصبح أول ما يناقش في المباريات هو آداء الحكام بدل المدربين واللاعبين، وصار أنصار الفريق يحللون اللقطات والإعادات ويفسرون المسك والشد والعرقلة ونية العرقلة، أكثر مما يحللون اللعب والخطة ومهارات اللاعبين و”كوتشينغ” المدربين وأخطاءهم، وتحول انتقاد أخطاء الحكام إلى اتهامات بالتآمر ومناصرة للفريق المنافس والخضوع للتعليمات، والكثير من هلوسات نظرية المؤامرة التي يغذيها التعصب والولاء الأعمى لناد من الأندية.

صحيح أن التحكيم في العالم أجمع ليس مجالا للملائكة، ففيه يختبئ البعض الناذر من الفاسدين وبائعي ضميرهم (أؤكد على كلمة البعض الناذر لمعرفتي جيدا كيف يفكر الحكام) مثل باقي المجالات التي ينشط فيها الإنسان، وصحيح أيضا أن بعض الأخطاء التحكيمية الفادحة قد تنسف عملا إعداديا يستمر أسبوعا كاملا، وقد تضرب “فالزيرو”مجهودا خارقا بدله المدرب واللاعبون طوال الموسم، ولكن مهما كان الأمر، يبقى التحكيم في الأخير خاضعا لقواعد السلوك البشري القابلة للأخطاء والهفوات، ويجب أن نتعامل مع أخطاء الحكام كما نتعامل مع أخطاء مدافع أساء التموضع، أو حارس مرمى أفلتت الكرة من يديه ودخلت الشباك، او مهاجم أضاع برعونة فرصة سانحة للتسجيل.

وبكل الموضوعية اللازمة، أكبر ضحية لتطور كرة القدم الحديثة هم الحكام، فقد تطورت قوانين مجلس البورد لحماية المهاجمين وجعلت مطلوبا من الحكم أن تكون عينه “على القرص” لإعلان الخطأ أو ضربة الجزاء لمجرد اللمس او الدفع الخفيف، وصارت الخطط التكتيكية للمدربين أكثر حرصا على تحقيق النتيجة بأية طريقة، مما زاد في إيقاع المباريات حتى أصبحت تدور في إيقاعات جهنمية وكثرت فيها النزالات الثنائية والإصطدامات، مما فرض على الحكم التوفر على لياقة بدنية عالية أكثر من اللاعبين، وأن يكون أكثر تركيزا وقربا من الحالات، وزادت التكنولوجيا وتقنيات النقل التلفزي وعدد الكاميرات في “فضح” الحكام ومارست عليها ضغطا نفسيا رهيبا، ينضاف إلى الضغط الذي تمارسه عليهم الآلة الإعلامية ووسائل التواصل الإجتماعي قبل المباراة.

قد يقول قائل أن الڤار سهل كثيرا مهمة الحكام، إذ أصبح بإمكانهم تدارك الأمر في الحالات التي تلتبس عليهم، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة السوريالية التي نتصورها، فالڤار لم يمنع الحكام من التعرض للضغوطات الرهيبة أثناء المباريات وقبلها، بل إن هذه التقنية الحديثة شكلت عاملا ذهنيا سلبيا للكثير من الحكام الذي تختزن شخصيتهم القوية قدرة على اتخاذ القرار السليم في حينه، وأثر وجوده (الفار) ذهنيا حتى على اللاعبين الذين يعمد الكثير منهم إلى السقوط بحثا عن ضربة جزاء، بدل إكمال المجهود والتسجيل دون الحاجة إلى “التمثيل” ومطالبة الحكم بمراجعة اللقطة.

من جانب آخر، فالحكام رغم كل “هاذ تمارة” وكل الضغوط، والتعرض للسب والشتم والإتهام بأبشع النعوت، ورغم أنهم جزء أساسي من منظومة كروية تطورت أرقام معاملاتها المالية بشكل مذهل، وأصبحت الأجور والمنح فيها تصل أرقام فلكية، إلا أن أقل مستفيذ من “همزة” كرة القدم هم الحكام، إذ لا تشكل تعويضاتهم سوى نسبة هزيلة جدا مقارنة بما يتقاضاه اللاعبون والمدربون.

حكام كرة القدم وعلى خلاف “الكليشيهات” المتداولة، هم أكبر المظلومين في هذه الرياضة المجنونة، وأول من يتم جلدهم كل أسبوع، وتتم محاكمتهم بالإستفسار والتوقيف عن الممارسة وحرمانهم حتى من تلك التعويضات الهزيلة التي يتلقونها عن إدارة المباريات، ولا أحد تساءل يوما من جانب إنساني.. لماذا يخطئ حكام كرة القدم؟