خبير: الانخفاض الطفيف في البطالة لا يعكس تعافياً حقيقياً.. والاقتصاد مطالب بتجاوز الفلاحة

أثارت الأرقام الأخيرة التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط حول سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2025، مجموعة من التساؤلات بشأن فعالية السياسات الحكومية المتبعة في التشغيل، فرغم الإعلان عن إحداث 282.000 منصب شغل وانخفاض طفيف في معدل البطالة العام من 13,7% إلى 13,3%، إلا أن بطالة الشباب وحالة الشغل الناقص سجلتا ارتفاعا مقلقا، ما يطرح إشكالات حول عمق تعافي الاقتصاد الوطني ومدى قدرته على خلق مناصب شغل ذات جودة.
وفي هذا السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، يوسف الكراوي الفيلالي، أن هذا “الانخفاض الطفيف” في معدل البطالة لا يعكس بالضرورة تحسناً حقيقياً في سوق الشغل، لاسيما أن معدل بطالة الشباب لا يزال مرتفعا للغاية، حيث بلغ 37,7%، فيما تقارب نسبة بطالة النساء 21%.
وأوضح الفيلالي في حديثه لـ”صوت المغرب”، أن الاقتصاد المغربي “لا يزال يعتمد بشكل كبير على القطاع الفلاحي الذي يشهد تقلبات متواصلة بسبب موجات الجفاف”، مما يؤثر سلباً على القيمة المضافة الفلاحية ويحدّ من إمكانيات خلق فرص عمل قارة، وهو ما أكده فقدان 72 ألف منصب في قطاع “الفلاحة والغابة والصيد” خلال الفترة نفسها.
وأضاف أن “تراجع البطالة لا ينبغي أن يُفهم بشكل منعزل عن بنية الاقتصاد، فالفارق بين مناصب الشغل المحدثة وتلك التي تُفقد لا يزال ضئيلاً”، بل إن بعض الفئات تعاني من “الهدر المهني” أكثر من الاستفادة من فرص الشغل، وهو ما يتجلى في ارتفاع معدل “الشغل الناقص” إلى 11,8%، بسبب ضعف ساعات العمل أو عدم ملاءمة المؤهلات مع طبيعة المهنة.
وفي حديثه عن قدرة الحكومة على تحقيق الأهداف المسطرة في مجال التشغيل، اعتبر الفيلالي أن “الوتيرة الحالية لا تسمح بالحسم في مدى إمكانية بلوغ تلك الأهداف”، موضحاً أن “تقييم أي خطة تشغيلية يستدعي مدة زمنية كافية لا تقل عن سنتين أو ثلاث، فضلا على أن إطلاق الخطة لم يتزامن مع بداية الولاية الحكومية، مما يصعّب عملية التتبع والتقييم الشامل لنتائجها”.
كما أشار إلى أن الأرقام الحالية “لا تسمح بالحكم على نجاعة خطة التشغيل، بل تدعو إلى مراجعة المنهجية المعتمدة في خلق مناصب الشغل، والانتقال من الاعتماد على المواسم الفلاحية إلى الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة المرتفعة، مثل الصناعة والخدمات، لضمان استدامة فرص العمل وتحسين جودتها”.
وأفادت المندوبية السامية للتخطيط أن الاقتصاد الوطني عرف إحداث 282.000 منصب شغل، ما بين الفصل الأول من سنة 2024 ونفس الفصل من سنة 2025، مسجلة ارتفاعا في بطالة الشباب بانتقال المعدل من 35,9% إلى 37,7%، خلال ذات الفترة.
وأوضحت المندوبية في مذكرة إخبارية حول وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2025، أن مجموع ما تم إحداثه من مناصب الشغل بلغ 282 ألف منصب، وذلك بعد إحداث 285 ألف منصب بالوسط الحضري وفقدان 3 آلاف منصب بالوسط القروي، مشيرة إلى أن الاقتصاد الوطني قبل سنة اتسم بفقدان 80 ألف منصب.
وأبرزت المندوبية أن قطاع “الفلاحة والغابة والصيد” واصل نزيف مناصب الشغل، وذلك بسبب موجة الجفاف المتتالية التي يعيش المغرب على وقعها للسنة السابعة على التوالي، حيث فقد القطاع خلال الفصل الأول من سنة 2025 ما يقارب 72 ألف منصب شغل.
وعلى عكس قطاع الفلاحة، أبرز المصدر ذاته منحى إيجابيا في عدد من القطاعات الأخرى، على رأسها قطاع “الخدمات” الذي أحدث 216 ألف منصب، متبوعا بقطاع”الصناعة” بـ 83 ألف منصب، وقطاع “البناء والأشغال العمومية” بـ 52.000 منصب.
وعلى إثر هذه المعطيات، سجلت المندوبية في مذكرتها انخفاض حجم البطالة بـ 15 ألف شخص، ليبلغ 1.630.000 شخص على المستوى الوطني، مبرزة أن معدل البطالة الإجمالي انخفض من 13,7% إلى 13,3% أي بتراجع قدره 0,4 نقطة.
في المقابل سجلت المندوبية ارتفاع معدل البطالة بـ 1,8 نقطة في صفوف الشباب البالغين ما بين 15 و24 سنة، حيث انتقل من 35,9% إلى 37,7%.
أما بالنسبة لحالة الشغل الناقص، سواء المرتبط بضعف عدد ساعات العمل، وإما الدخل غير الكافي أو بعدم ملاءمة الشغل مع المؤهلات، فقد سجلت المندوبية ارتفاع حجم المشتغلين في هذه الحالة بـ 1,5 نقطة على المستوى الوطني، حيث انتقل المعدل من10,3% إلى 11,8%.