مزبار: استعمال العنف لا يردع “جيل Z” بل يزيده صلابة وحضورًا – حوار

مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية، يتصدرها التعليم والصحة ومحاربة الفساد، هي التي رفعها شباب “جيل Z” منذ يوم السبت 27 شتنبر 2025، ولا زالت الاحتجاجات مستمرة حتى اليوم، رافقتها سلسلة من التدخلات الأمنية وعمليات الاعتقال، وصلت حد تعرض بعض المحتجين لدهس من قبل بعض سيارات الشرطة.
هذا الواقع المتسارع طرح العديد من التساؤلات حول خلفيات هذه الاحتجاجات والأسباب التي أدت إليها، إضافة إلى الخصائص التي تميز هذا الجيل عن الأجيال السابقة، وأهم ما يحكم سلوكهم الاجتماعي والسياسي، كما أثارت هذه الأحداث نقاشًا حول فعالية المقاربة الأمنية في التعامل مع احتجاجات شبابية ذات طابع “غير تقليدي”.
كل هذه التساؤلات حاولت صحيفة “صوت المغرب” نقلها إلى الباحثة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية سميرة مزبار، التي أكدت أن “هذا الجيل يختلف جذريًا عن سابقه في طريقة التعامل مع الواقع واستخدام التكنولوجيا وفهمه للعالم، ما يجعل الاعتماد على المقاربة الأمنية التقليدية غير مجدٍ، بل يؤدي إلى تصعيد أكبر”.
وفي ما يلي نص الحوار:
- ماذا نعرف عن “الجيل Z”؟
“الجيل Z”، المولود بين 1996 و2010/2012، هو أول جيل وُلد داخل عصر الإنترنت والعولمة، بخلاف الجيل السابق الذي عرف العالم قبلها، وتأثير الإنترنت في تكوين هويتهم يعادل تأثير الأسرة والمحيط الاجتماعي، ما جعلهم يتسمون بخصوصيات تميزهم عن باقي الأجيال.
هؤلاء الشباب شديدو الاتصال بالعالم الرقمي، سريعو التكيف، ويتواصلون بسهولة عبر اللغات والثقافات المختلفة، يصعب التلاعب بهم، يخلقون المحتوى، يعرفون قوة الخوارزميات ويحذرون منها، ويتجاوزون الرقابة والمنع بذكاء، حياتهم اليومية أهم لديهم من الخطابات، وهم واضحون فيما يريدون ويتركون ما لا يعنيهم بسرعة.
على مستوى العمل، هم أقل تقليدية ويرفضون الأعراف غير المنطقية، ويفضلون التنظيم الأفقي على الهرمي، لا ينخرطون كثيرًا في هياكل رسمية أو أحزاب سياسية، والتاريخ السياسي بالنسبة لهم مجرد ماضٍ، كما أن القمع الأمني لا يردعهم، بل يعطي نتائج عكسية، إذ يزيد من حضورهم وقوتهم في الميدان.
ثقافتهم الموازية ظهرت في الراب وفن الشارع، بعدما كان يُنظر إليهم كجيل كسول، غير مثقف، مستهلك، لا علاقة له بالسياسة ولا يهتم سوى بالترفيه، لكنهم أثبتوا العكس بخروجهم الجماعي الذي هز المغرب من اكتئابه الصامت وأكدوا أنهم لن يقبلوا بشروط الحياة التي قبلتها الأجيال السابقة.
- ما هي العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تفسر التعبئة المستمرة “للجيل Z” في الاحتجاجات؟
وإن بدت الصور وكأنها تعكس نوعًا من التجانس في أسلوب لباسهم، فإنها تخفي وراءها تفاوتات عميقة في ظروف عيش أسرهم، فمداخلاتهم تكشف صعوبات الحياة اليومية، وقبل كل شيء قلقهم من مستقبل مظلم يتراءى أمامهم.
لقد كان للتضخم أثر بالغ السلبية على الأسر، إذ جعل الغذاء والصحة والتعليم يثقلون كاهلها بشكل غير معقول، في حين كان يفترض أن تكون هذه المجالات أقل عبئًا على المواطنين إذا كان البلد يسير فعلًا في مسار تنموي إيجابي، غير أن العكس هو ما حدث: تسارع في خصخصة الصحة والتعليم، وإنتاج زراعي موجه أساسًا للتصدير، مما أضعف السيادة الغذائية للبلاد التي لم يعد أحد يتحدث عنها بالمناسبة.
لن تتشكل طبقة وسطى حقيقية إلا عندما تكف هذه المجالات الثلاثة عن أن تكون مصدر قلق للسكان، ومن دون طبقة وسطى تُعد محركًا للنمو، لا يمكن الحديث عن تنمية فعلية، وتزداد خيبة الأمل عمقًا لأن الجميع كان يعتقد أن جائحة كورونا ستكون فرصة لإعادة التفكير في دور الدولة ووظيفتها في حماية ومواكبة المواطنين.
إن ظروف العيش قاسية بالنسبة للمغاربة، وإحباط الآباء كبير لعدم قدرتهم على توفير مستقبل أفضل لأبنائهم، هذا الواقع يدركه الشباب بوعي ويختبرونه يوميًا في أعماقهم، وهم اليوم يعبّرون عنه بوضوح.
- كيف تفسرون لجوء السلطات إلى استخدام القوة في مواجهة مظاهرات يقودها مواطنون شباب؟
ج: الحجة التي قدمتها السلطات لقمع احتجاجات “جيل Z” تتمثل في غياب قادة محددين، وفي عدم احترام القوانين المنظمة لحق التظاهر، غير أن هذا التفسير يعكس رفضًا حقيقيًا لفهم طبيعة الجيل الجديد، فــ”جيل Z” لا يمكن أن يكون له قادة بالمعنى التقليدي، تظهر بينهم وجوه بفضل فصاحتهم أو حضورهم، لكنها لا تتحول إلى قيادات، لأن هذا الجيل لا يعترف أصلًا بمنطق الزعامة.
الوجوه التي تبرز في هذه الاحتجاجات ستتغير باستمرار، لأن هدف هؤلاء الشباب ليس التموقع في الساحة السياسية ولا البحث عن مكانة اجتماعية، بل خوض تجربة جماعية تعني لهم الكثير أكثر من أي اعتراف رسمي، ومن الطبيعي أن يتجنبوا الإعلان عن أنفسهم أمام السلطات، في ظل ما يواجهه العديد من المناضلين الشباب اليوم من اعتقالات لمجرد دفاعهم عن الحريات العامة.
إلى جانب ذلك، يظل الدستور المغربي واضحًا في تأكيده على أن التظاهر حق من الحقوق الأساسية (المادة 29)، كما أن هذا الحق مضمون بظهير يعود إلى سنة 1968، أي قبل 57 عامًا، لكن اعتماد نص بهذه القدم، وفي سياق اجتماعي وسياسي مغاير تمامًا للواقع الحالي، يثير تساؤلات مشروعة حول مدى ملاءمته لتنظيم الممارسة الديمقراطية اليوم.
في العمق، جوهر الإشكال يكمن في المكانة التي يمنحها المجتمع لشبابه، فمنذ الاستقلال، يتكرر المشهد نفسه: الكبار يعتبرون الشباب غير مؤهلين للفهم أو للفعل أو لتحمل المسؤولية، وحتى عندما يُسمح لهم بالمشاركة، يكون ذلك وفق شروط وقواعد لم تعد صالحة في عالم تغير جذريًا.
جيل Z، شأنه شأن شباب المغرب عبر العقود، يواجه أزمة ثقة من الأجيال السابقة، وأنا من الذين يعتقدون بضرورة ترك المجال له، فهو جيل يهزّ القواعد القائمة ويعيد النظر فيها. قد يكون مشاكسًا في أحيان كثيرة، لكنه ناضج ومسؤول، وقبل كل شيء، يتطلع إلى مغرب أكثر عدلًا.
- هل سيسهم القمع في دفع الشباب نحو أشكال احتجاج أكبر؟
نعم، فهو يؤدي حتمًا إلى تعبئة أقوى، وقد لاحظنا ذلك بوضوح، ومع ذلك، كان من المؤكد أن الشباب سيخرجون يومًا ما، عاجلًا أم آجلًا، فأنا مقتنعة بذلك، بين خطاب رسمي باهت ومنفصل عن الواقع، وحياة يومية مثقلة بظروف معيشية قاسية، كان الانفجار محتومًا. لقد وصلنا إلى نهاية المنطق الذي ساد بعد حركة 20 فبراير، دون أن تتحقق المطالب بشكل حقيقي، ومع غياب أي رؤية واضحة لمستقبل مقبول، فباستثناء كأس العالم، لم يكن هناك أي إنجاز ملموس.
درجة راديكالية الاحتجاجات ستتحدد بحسب رد فعل قوات الأمن، فإذا التزموا بالاحترام والأدب، كما هو متوقع من موظفي دولة القانون، سيمر كل شيء بشكل طبيعي، أما إذا كان العكس، فقد تنزلق الأمور في أي لحظة.
ومن المهم أيضًا مراعاة عامل آخر: مدى العنف الذي رافق تطبيق السياسات العامة على الأرض، فكلما كان هناك مزيد من نزع الملكية، وإضعاف المؤسسات، وخدمة مصالح أشخاص محددين، كلما زادت احتمالية انفجار الغضب المدفون، وأحداث العنف في وجدة ليلة أمس خير دليل، فهي مدينة تعتبر عاصمة منطقة تعاني من صعوبات كبيرة، وسكانها يعيشون تدهورًا اجتماعيًا غير مسبوق.
لو وُضعت المقاربة الأمنية جانبًا لمرة واحدة، لكان بالإمكان بناء المغرب الذي يحلم به أبناؤنا، فبعد كل شيء، هذا الوطن إرث لنا جميعًا، وتقع على عاتقنا مسؤولية تركه لهم بشكل أفضل وأكثر عدلًا.