خبراء: خطوة الكونغرس ضد “البوليساريو” تربك الجزائر وتقوّي موقف المغرب

اعتبر خبراء في الشأن السياسي والدولي أن تقديم مشروع قانون في الكونغرس الأمريكي لتصنيف جبهة البوليساريو الانفصالية منظمة إرهابية، “يشكل تحوّلاً نوعيًا في الموقف الأمريكي تجاه النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية”، مؤكدين أن هذه الخطوة، وإن لم يتم اعتمادها بعد، تعكس صعود خطاب سياسي أمريكي أكثر تشددًا إزاء الجماعات الانفصالية، ويفتح آفاقًا جديدة للدبلوماسية المغربية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
فرصة استراتيجية للمغرب
في هذا الإطار، اعتبر الخبير الأمني محمد الطيار، أن تقديم المقترح داخل الكونغرس الأمريكي يعكس وجود دعم كبير في أوساط النخب السياسية الأمريكية للمغرب، ويبرز في الوقت نفسه تيارًا متصاعدًا داخل المؤسسة التشريعية الأمريكية يتبنى موقفًا متشددًا من الجماعات المسلحة والانفصالية، ويدعم بشكل غير مباشر الطرح المغربي في قضية الصحراء.
وأضاف الطيار أن هذا التوجه نابع من دوافع جيواستراتيجية، ترتبط بانتشار الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، إلى جانب القلق الأمريكي من الروابط القائمة بين جبهة “البوليساريو” والتنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، ما يدفع، بحسبه، الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم سياستها تجاه الكيانات الانفصالية.
وبخصوص الآثار المحتملة لهذه الخطوة، أشار الخبير إلى أن أثرها الدولي لا يقل أهمية، إذ من شأنه أن يعزز الموقف المغربي دبلوماسيًا، وقد يدفع بعض الدول التي لا تزال مترددة أو متأرجحة في مواقفها إلى تبني رؤية تؤكد سيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، وبالتالي تقوية مسار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل نهائي للنزاع.
وتابع أن تبني المقترح، في حال اعتماده رسميًا، ستكون له تداعيات مباشرة على جبهة “البوليساريو”، إذ سيجعل منها منظمة غير شرعية في أعين الولايات المتحدة، ويؤدي إلى عزلها دبلوماسيًا على نطاق واسع، خاصة إذا ما اتبعت دول أخرى نفس التوجه الأمريكي في تصنيفها كتنظيم إرهابي.
وأوضح أن التصنيف الأمريكي المحتمل سيُضيق الخناق على تحركات الجبهة الانفصالية في أمريكا وأوروبا، ويحد من قدرتها على الحشد السياسي والدبلوماسي، كما سيؤثر على علاقاتها مع منظمات المجتمع المدني والجهات غير الحكومية التي ظلت تمدها بالدعم في السابق.
كما لفت إلى أن الأثر السياسي والقانوني للخطوة المذكورة سيكون كبيرًا، إذ سيمنع القانون الأمريكي التعامل مع الجبهة أو تمويلها بأي شكل من الأشكال، كما سيطال أثره الجمعيات والمنظمات التي تتعاون معها، وقد يعرض قادتها لمتابعات قضائية على المستوى الدولي بصفتهم الشخصية.
ولم يغفل المتحدث الإشارة إلى أثر القرار على مستقبل العلاقات الجزائرية-الأمريكية، لافتا إلى أن هذه العلاقات بدورها لن تكون بمنأى عن التطورات الجارية، إذ يُرجّح أن تشهد توترًا متزايدًا، ما قد يدفع الجزائر إلى الدفاع عن موقفها الداعم للبوليساريو وسط عزلة دبلوماسية متنامية.
وفي غضون ذلك، شدد الطيار على أن المشروع، رغم كونه في بداياته، يُعد تطورًا استراتيجيًا هامًا في الخطاب السياسي الأمريكي، ويمثل فرصة حقيقية للمغرب لتوسيع مكاسبه الدبلوماسية وتضييق هوامش المناورة على خصومه.
تدافع جيوسياسي متصاعد
من جهته، قال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة، إن طرح المقترح داخل الكونغرس، بعد أن كانت الفكرة قد عُرضت في أبريل الماضي، يشكل خطوة متقدمة تعكس تجاوبًا من عدة جهات داخل المؤسسة التشريعية، ما قد يمهّد لمناقشته بشكل موسع، وربما التصويت عليه في مرحلة لاحقة.
وفي هذا الصدد، أوضح الشيات أن الكونغرس الأمريكي، رغم كونه مؤسسة تشريعية داخلية، إلا أنه يتأثر بشكل كبير بجماعات الضغط، التي تُعد جزءًا قانونيًا ومؤثرًا في النظام السياسي الأمريكي، معتبرا أن هذا التأثير يمثل أحد مظاهر التوازن داخل الكونغرس، حيث تتنافس مجموعات مختلفة للدفاع عن مصالحها وتوجيه السياسات.
وفي قراءته لسياق هذه الخطوة، أشار الشيات إلى أن طرح المقترح داخل الكونغرس الأمريكي يندرج ضمن مساعٍ مغربية متواصلة لتأمين موقف أمريكي أكثر استقرارًا وديمومة بخصوص ملف الصحراء، بعيدًا عن الاعتبارات الظرفية أو التقلبات السياسية التي قد تطرأ مع تغيّر الإدارات في واشنطن.
وفي المقابل، أبرز المتحدث أن الجزائر تنخرط في تحركات مضادة، تسعى من خلالها إلى التأثير على الموقف الأمريكي عبر بوابة الاقتصاد، وذلك من خلال توطيد علاقاتها مع شركات الطاقة الأمريكية، مثل شيفرون، في محاولة لاستثمار الريع الطاقي كوسيلة ضغط غير مباشرة لكسب مواقف سياسية لصالحها.
غير أن هذه المقاربة، حسب المتحدث، لم تُثبت فعاليتها حتى مع شركاء تقليديين للجزائر، مثل إسبانيا وفرنسا، وهو ما يجعل من الرهان على المصالح الاقتصادية وسيلة غير مجدية لتغيير المواقف السياسية بشأن النزاع، خصوصًا أن التجربة أثبتت محدودية تأثير هذا النوع من الضغط في السياق الدولي الراهن.
وانطلاقًا من ذلك، يرى الأستاذ الجامعي أن المشهد الحالي يعكس حالة من التدافع الجيوسياسي المتصاعد بين المغرب والجزائر، إذ يسعى كل طرف لتوسيع دائرة حلفائه وكسب التأييد الدولي لموقفه من النزاع، مشيرا إلى أنه في هذا الإطار، يُعد مشروع القانون الأمريكي خطوة استراتيجية قد تعزز الموقف المغربي وتُربك الحسابات الجزائرية.
وإذا ما تم اعتماد هذا المقترح رسميًا، يؤكد الشيات أن آثاره لن تقتصر على العلاقة بين واشنطن والرباط، بل ستطال أيضًا عدداً من الدول التي لا تزال تتبنى مواقف رمادية أو مترددة، مما قد يُسرّع بتحوّلها نحو مواقف أكثر وضوحًا في دعم مغربية الصحراء.