story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

حقيبة ماكرون

ص ص

ستنفكّ قريبا عقدة العلاقات المغربية الفرنسية، والتي ظلّت منذ العام 2014، تخرج من أزمة لتدخل أخرى. الدعوة التي قال قصر الإليزيه الفرنسي إنه تلقاها من القصر الملكي المغربي ليقوم الرئيس إيمانويل ماكرون بزيارة رسمية للمغرب، تعد بأن تكون فاتحة عهد جديد من التوافق بين الدولتين، بعدما جرى أخيرا تجريب المفتاح الأنسب: قضية الصحراء.
فمنذ المحاولة التي قامت بها فرنسا عام 2014 لاختبار صمود الدولة المغربية أمام تحرشاتها، عندما طرق عناصر أمن فرنسيين مقر إقامة السفير المغربي حينها، الوزير الحالي شكيب بنموسى، بينما كان يستضيف المدير العام للأمن الوطني والمسؤول الأول عن جهز المخابرات المغربية عبد اللطيف الحموشي، واستدعاء هذا الأخير بموجب شكاية تلقتها السلطات المغربية من مواطن مغربي؛ تدفقت مياه كثير تحت الجسر.
ما حاولت فرنسا استعماله من أداة للتحرش بالدولة المغربية ومساومتها حول الأطماع الفرنسية التي لا تنتهي في المغرب، أي الاختصاص الكوني للعدالة الفرنسية، انتهى بإحراز المغرب، إثر تفاوض طويل وشاق، اتفاقية ثنائية خاصة وقْعها وزيرا العدل السابقين، المصطفى الرميد وكريستيان توبيرا، تحت العيون الفاحصة لوزيري خارجيتي البلدين والمتابعة الدقيقة والشخصية من جانب الملك محمد السادس. الاتفاق قيّد هذا الاختصاص الكوني للعدالة الفرنسية وجعل أية شكاية تتعلق بأفعال ارتكبت فوق التراب المغربي، موضوع إحالة تلقائية من جانب القضاء الفرنسي على نظيره المغربي.
بالتوازي مع هذا الملف، ارتفع سقف التفاوض تدريجيا بين الرباط وباريس، وتسبّبت محاولة الرئيس إيمانويل ماكرون اللعب على حبل التناقضات المغربية الجزائرية، إلى رفع مستوى المطالب المغربية، خاصة بعد الاتفاق الثلاثي المغربي الأمريكي الإسرائيلي، وهو ما جعل فرنسا في مواجهة الملف الذي ظلّت تهرب منه، أي قضية الصحراء التي أعلنها الملك في خطاب رسمي منظارا حصريا أمام العين الدبلوماسية المملكة.
اليوم وبعدما أعلنت باريس، حسب بلاغ للديوان الملكي، اعترافها الرسمي بمغربية الصحراء من خلال اعتبارها أن “حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”، لا يبدو أن تاريخ الزيارة الرسمية المرتقبة للريس الفرنسي إلى المغرب، متم شهر أكتوبر الجاري، اعتباطي أو من باب الصدفة، لكونه يصادف لحظة صدور القرار السنوي لمجلس الأمن الدولي حول نزاع الصحراء.
المسار الطويل الذي أفضى إلى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب في أكتوبر 2024، تخللته سنوات من التوترات الدبلوماسية والقطيعة التي أضرت بالعلاقات بين البلدين. العلاقات المغربية الفرنسية شهدت أزمة دبلوماسية متعددة الأوجه، بدأت في أوائل 2020، أي حين كان المغرب في قلب عملية التفاوض والضغط المرتبطة بما يعرف باتفاقات أبرهام، واستمرت على مدار السنوات اللاحقة، وتمثلت في عدة أحداث رئيسية.
أحد أبرز أسباب التوتر كان مرتبطًا بتقارير تفيد بتورط المغرب في عمليات تجسس باستخدام برنامج “بيغاسوس” ضد مسؤولين فرنسيين، بما في ذلك الرئيس ماكرون نفسه. هذه الادعاءات نفتها الرباط بشدة، ولكنها أدت إلى زيادة التوترات بين البلدين، بل وصل التوتر إلى البرلمان الأوربي، بمبادرات وضغط فرنسيين.
في هذا السياق، قررت فرنسا عام 2021 تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة بشكل كبير، ما أثار غضبًا في المغرب. وجاء هذا القرار كرد فعل على ما وصفته فرنسا بعدم تعاون المغرب في استقبال المهاجرين غير الشرعيين الذين يتم ترحيلهم، فيما كان الأمر مجرد واجهة لخلافات عميقة تهم المحاور الاستراتيجية لعلاقات البلدين. وبرزت أعراض أخزى لهذا الخلاف عبر تحريك المغرب ورقة والحضور الثقافي لفرنسا في منظومته التعليمية والجامعية، كما خيّم التوتر على العلاقات الاقتصادية ونصيب الشركات الفرنسية من كعكة الصفقات التي يمنحها المغرب لشركائه الخارجيين…
لكن الخلاف الأكبر تمحور حول موقف فرنسا من قضية الصحراء. وهو ما ظلّت تصريحات وزير الخارجية ناصر بوريطة تعبّر عنه بمطالبة الأوربيين بموقف شبيه بالموقف الأمريكي.
فقد حافظت باريس لفترة طويلة على موقف غامض تجاه دعم خطة الحكم الذاتي المغربية، وهو ما اعتبره المغرب غير كافٍ في ضوء الدعم الدولي المتزايد له، خصوصًا من الولايات المتحدة بعد إعلان ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.
بعد هذا الاعتراف الأمريكي الصادر متم سنة 2020، بات تقدّم الملف في مساره القانوني داخل ردهات منظمة الأمم المتحدة، رهينة تململ موقف البلد المتمتّع بأكبر نفوذ أجنبي في المغرب ومحيطه الإقليمي، والعضو الدائم في مجلس الأمن الدولي: فرنسا.
لهذا لا يستبعد أن الحقيبة التي سيحملها الرئيس الفرنسي خلال زيارته المرتقبة إلى المغرب، ستضم أكثر من مجرد عقود واتفاقيات الصفقات التي يسيل لها لعاب الشركات الفرنسية، خاصة منها ما يتعلق بصفقات إنجاز مشاريع البنيات التحتية المرتبطة بكأس العالم.
ومثلما ظلّت باريس تلعب بخيوط ملف الصحراء، حتى وهي تختبئ خلف الراعي المأجور لهذا الملف، أي النظام الجزائري، في الخفاء ومن وراء ستار، فلا يستبعد أن تقدم القوة الاستعمارية الحقيقية للمنطقة، رغم الحضور الإسباني في الصحراء، على خطوات تسمح بتقدم الملف نحو الحل لصالح المغرب في مجلس الأمن الدولي.